الوقت- تظاهرة كبيرة تشهدها باريس اليوم الأحد يشارك فيها زعماء ومسؤولون عرب ومسلمون، إلى جانب قادة أكثر من 40 دولة، تضامنًا مع فرنسا ضد الإرهاب، واستجابة للدعوة التى أطلقها الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند. ويتوقع أن تكون هذه المسيرة استثنائية في حجمها وعدد الزعماء الأجانب المشاركين فيها، ومن المتوقع أن تحشد أكثر من مليون شخص.
وقد أعلن العديد من قادة الدول الأوروبية تلبية دعوة هولاند، من بينهم قادة دول ألمانيا وبريطانيا وايطاليا واوكرانيا ورؤساء حكومات السويد والنروج والبرتغال والدنمارك وبلجيكا وهولندا ومالطا وفنلندا ولوكسمبورج.
كما سيشارك في التظاهرة كل من وزير خارجية روسيا ورئيس وزراء تركيا، وعربياً الملك الأردني ورئيس الحكومة التونسية، ورئيس السلطة الفلسطينية ووزراء خارجية كل من المغرب والامارات. ومن افريقيا يشارك كل من رؤساء مالي والغابون والنيجر وبنين، ومن اميركا الشمالية وزير العدل الاميركي ووزير الامن العام الكندي.
وتأتي هذه التظاهرة إدانة للأعمال الارهابية التي ضربت فرنسا خلال الأيام الثلاثة الماضية والتي ذهب ضحيتها 17 قتيل وأكثر من 20 جريح، حيث شن ثلاثة مسلحين هجمات متلاحقة، قام اثنان منهما بقتل 12 شخصاً بدم بارد داخل مقر صحيفة "شارلي ايبدو" التي سبق أن نشرت صور مسيئة للنبي (ص)، ومن ثم تحصنا داخل مطبعة شمال البلاد بعد أن احتجزا رهينة أيضاً، وقد أعلنا قبل مقتلهما انتماءهما إلى تنظيم "القاعدة في اليمن"، فيما أعلن الثالث، الذي قتل شرطية أمس، وأربعة رهائن داخل متجر يهودي، قبل مصرعه أيضاً في عملية اقتحام للشرطة، إنتماءه إلى تنظيم "داعش ".
ولا شك أن المواطن المسلم والعربي على الخصوص والسوري والعراقي بالأخص يتسائل وبحرقة: لماذا يحتشد العالم في باريس مندداً بقتل 17 شخص على يد الارهاب، ولا يحرك ساكناً لمقتل مئات الآلاف من الناس على يد الارهاب نفسه في سوريا والعراق؟!!.. لماذا لم تتحرك الضمائر الأوروبية أمام مشاهد القتل الفجيع والمجازر الجماعية واحتزاز الرؤوس وشق الصدور وأكل الأكباد وسبي النساء وقتل الاطفال واستباحة الأعراض والأموال؟!!
لماذا تعمل الدول الأوروبية بالذات من أجل حذف جبهة النصرة من على قائمة الارهاب، رغم أن ممارساتها بحق الشعب السوري هي أشد وأكثر وحشية مما حصل لضحايا الارهاب في فرنسا؟!!.. ولماذا استماتت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلفائهم في المنطقة في دعم الجماعات التكفيرية وتسهيل دخولهم إلى سوريا عبر تركيا لاسقاط النظام السوري، وتعامت عن كل الممارسات الوحشية لهذه الجماعات بحق الشعب السوري؟!!..
لماذا تواطئت الاجهزة الاستخباراتية لهذه البلدان من أجل اضعاف الدول والجيوش صاحبة الدور الأبرز في محاربة داعش والقاعدة، ولماذا تقيم أمتن العلاقات مع دول معروفة بتصديرها للفكر التكفيري وانفاقها مليارات الدولارات لنشره في العالم.
فهل تمثل هذه التظاهرة التي تشهدها باريس، تعبيراً صادقاً من المعسكر الأوروبي عن ادانة الارهاب، أم أنها إعادة لسيناريو أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي على أثرها، تم احتلال بلدين مسلمين هما العراق وأفغانستان وادخال منطقة الشرق الأوسط في دوامة من العنف، أدت إلى استنزاف المنطقة ومقدراتها الاقتصادية والبشرية لصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
من حقنا أن نشكك في أهداف هذه التظاهرة أو هذا السيناريو وفي جدية الدول الأوروبية في مكافحة الارهاب، فمواقف هذه الدول المتناقضة ومعاييرها المزدوجة لا يمكن التعويل عليها، وعلى هذه الدول أن تعلم أن سلاح الارهاب التي تحاول أن تضرب به خصومها في العالم هو بمثابة اللعب بالنار، وهذه النيران إذا ما امتدت ستخرج عن السيطرة وستصل إلى أثواب من صنعها، وعندها لن ينفع الندم، وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر، فينبغي على الدول الأوروبية إن كانت صادقة في نواياها بمكافحة الارهاب، الكف عن استهداف الدول والمنظمات التي تلعب دوراً فاعلاً في ضرب الارهاب واجباره على التراجع، وبالأخص سوريا وايران وحزب الله.
كما أن ممارسات هذه الدول المتغطرسة تجاه العرب والمسلمين ورموزهم ونبيهم الأكرم (ص)، وخلطهم المتعمد بين المقاومة والارهاب، هي التي أدت إلى تنامي ظاهرة الارهاب وصعود الحركات المتطرفة وقد اعترف رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان ليلة أمس في حديث له لقناة "PFM tv" أن تنظيم "داعش" ماهو إلا "وليد مشوه" لسياسة الغرب المتغطرسة التي ضاعفت بؤر الإرهاب حول العالم، وقال أن التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا ومالي ساهم في "تضاعف أعداد الإرهابيين الذين كانوا بضعة آلاف وأصبحوا يعدون نحو ثلاثين ألف مقاتل ".
من ناحية أخرى قال وزير الداخلية الفرنسي "برنار كازنوف" في أعقاب الهجوم الإرهابي على صحيفة "شارلي ايبدو" إن "المطلوب حاليا تعزيز التعاون الاستخباراتي حول كل ما له علاقة بنشاط الجهاديين بين الدول الأوروبية والدول التي تشهد نشاطا إرهابيا للجهاديين" في إشارة إلى الدول العربية والإسلامية، على غرار سوريا والعراق . كما حذر رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية "أندرو باركر" من مخاطر "الجهاديين" المنتشرين بين سوريا والعراق .
فهل ستكون هذه التصريحات مقدمة للتنسيق الأمني بين الدول الأوروبية وكل من سوريا والعراق وايران، وهل ستلجأ الدول الأوربية بعد أن وصلت نار الارهاب إليها إلى مراجعة مواقفها السياسية السابقة؟ أم أنها ستلجأ إلى سيناريو مشابه لما حدث بعد 11 سبتمبر؟.. وماذا ستحمل لنا الأيام المقبلة؟.