الوقت- "الانفاق" عنوان طغی علی العدید من عناوین الصحف الاسرائیلیة بعد الحرب علی غزة عام 2014، الحرب التي کان احدی اهدافها القضاء علی شبکة الانفاق التي اعتمدت علیها حرکة حماس في مواجهاتها الاخیرة مع الصهاینة. فاصبحت الانفاق کابوسا یعاني منه الاسرائیلیون حکومة و شعبا، عسکریون و مدنیون علی حد سواء. لکن الملفت في الامر استخدام الانفاق للعملیات الهجومیة، ما دفع الاسرائیلیون الی البحث في العمل لابعاد المخاطر التي تشکلها هذه الاستراتیجیة الجدیدة. و بما ان "حزب الله" احد اطراف المعرکة مع الصهاینة لا بد ان ینال حصة الاسد من التحالیل. فاین وصلت التحالیل الیوم؟
النخب العسكرية وكبار المعلقين الصهاینة یتفقون على أن الأنفاق الحربية التي أنشأتها كتائب "عز الدين القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس"، والتي وصلت حتى تخوم المستوطنات الصهيونية التي تقع في محيط قطاع غزة، مثلت التهديد الاستراتيجي الأبرز في الحرب الخیرة التي شنها الكيان الإسرائيلي على غزة. فقد ساهمت عمليا، في اضعاف تاثير كل من سلاح الجو و المدرعات الصهيونية في الحرب وحولتهما من تهديد استراتيجي إلى مشكلة تكتيكية بالإمكان تقليص تاثيرها عبر توظيف عنصري المبادرة والمناورة.
و رغم الاستفادة من الطائرات الحربية الصهيونية، المزودة باحدث التقنيات المتقدمة، ودبابات "الميركافا 4" ، التي توصف بانها اقوى دبابة في العالم، لم یستطع الصهاینة القضاء على الأداء القتالي لمقاتلي "حماس" طوال أيام الحرب، على الرغم من إحداث تلك الطائرات والدبابات دمارا هائلا في العمق المدني الفلسطيني.
مقاتلو حرکة حماس تمكنوا من خلال هذه الأنفاق من التسلل إلى عمق الكيان الإسرائيلي و مهاجمة المواقع العسكرية، فضلا عن تحقيق إصابات كبيرة في صفوف جنود الاحتلال ثم الانسحاب دون خسائر في معظم هذه العمليات. و مما لا شك فيه، أن أكثر ما توقف عنده المعلقون العسكريون هي عملية التسلل التي نفذتها مجموعة من مقاتلي " القسام"، عبر نفق حفر في منطقة الشجاعية إلى موقع يتمركز فيه ضباط من وحدة "ماجلان"، إحدى أشهر الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، واقتحام الموقع وقتل خمسة من الضباط، ومحاولة أسر اخر، وتصوير العملية، وعرض شريط مصور يوثقها على موقع "القسام". ما دفع عددا من المحللین الاسرائیلیین لاعتبار "وحدة الانفاق"، الوحدة القتالیة الافضل التي تمتلکها حماس.
"حزب الله" لم یکن بعیدا طوال الحرب الإسرائيلية على غزة، فان لم يكن قد شارک بمقاتلیه، فعلى الاقل استطاع الحضور بروحه، في اذهان الإسرائيليين على أضعف تقدير. و امام كل عقبة واجهت الصهاینة فيما سمي بحرب "الجرف الصامد"، كان "حزب الله" المتواجد الاکبر في الاذهان الاسرائیلیة، فالقتال في غزة المحاصرة هو شكل مبسط و ميسر من أشكال القتال المتوقع إسرائيليا في "حرب لبنان الثالثة" في حال وقوعها مع "حزب الله".
والواضح ان الحرب التي اختبرها الإسرائيليون في صراعهم مع "حزب الله" ووجدوها مكثفة وأشد إيلاما من الحروب المتواترة علی قطاع غزة، اثارتها حرب غزة الاخیرة تحت عنوان جدید عرف بشبکة الأنفاق. وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة التقديرات الإسرائيلية فإن أنفاق غزة على خطورتها، في نظرهم، هي غيض من فيض أساليب قتال يدخرها الحزب اللبناني لمعركته المقبلة. وعندما يلحظ الإسرائيليون الجرأة في أداء المقاومة الفلسطينية في غزة، بهجماتها الجريئة عبر الأنفاق، يتراءى لهم خطر أشد و أوسع في الجنوب اللبناني. ففي نظر الکیان الصهیوني غزة المحاصرة هي أقل قدرة من جنوب لبنان المنفتح، الذي یتلقی دعما واضحا من الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ولذلك إذا كانت الأنفاق في غزة خطرا فإنها في الجنوب اللبناني خطر أشد.
ولا شک ان الرعب الاساسي عند المجتمع الصهیوني یکمن في استذكار تهدیدات الحزب بجولات قتال مقبلة ذات هجمات إستراتيجية، يقوم فيها الحزب باحتلال مواقع في الجليل. والواقع أن إسرائيل لم تتعامل مع هذا التهديد على أنه كلام، بل تأخذه بجدية. ومن المؤكد أن هذه الجدية في النظر إلى هذا التهديد باتت أشد بعد كل ما جرى في غزة.
اذا، ما جری في غزة من حرب انفاق، اثار رعبا اسرائیلیا بامتیاز، یشترک بین المجتمع و الدولة. فالشعب المترقب لما ستؤول الیه الامور في حرب جدیدة علی لبنان، زاد خوفه مع عجز دولته علی اسقاط معادلة الانفاق الهجومیة في غزة، والدولة الصهیونیة التي تعلم ان قدرات "حزب الله" تفوق قدرات "حماس" تقف عاجزة امام کابوس الانفاق المخیم علی الواقع الصهیوني. فهل تکون حرب لبنان الثالثة، اذا حصلت، وفق معادلات الحزب بدایة لزوال الکیان الصهیوني ؟!