الوقت- بعد الهجوم الارهابي على صحيفة تشارلي ابيدو الفرنسية والذي أسفر عن مقتل 12 شخصاً، خرج السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ، بتصريح صحافي شديد اللهجة، داعياً اللحظة الى التضامن في مختلف أنحاء العالم. تصريح مون يكشف سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الأمم المتحدة، ليس القصد هنا ادانة "الادانة" بل يجب علينا جميعاً ادانة أي عمل ارهابي بصرف النظر عن الزمان والمكان، لكن بيت القصيد يكمن في صمت الامم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ازاء الارهاب في الشرق الأوسط، فضلاً عن دعمه في مواقف عدة.
ونذكّر الأمم المتحدة بأن التنظيمات الارهابية وعلى رأسها "داعش" قتلت عشرات الألاف من المدنيين، كما أن الاف الفلسطينين سقطوا ما بين قتيل وجريح بعد استهدافهم من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، في حين أن موقف الأمم المتحدة لم يتضمن أي اجراءات عملية على أرض الواقع بل اكتفى بادانة كلامية هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ان الدول التي تتشدق بين الحين والآخر بدعم الحرية وحقوق الانسان، غضت الطرف عن الجرائم التي ترتكب في سوريا والعراق وان ادانت بعضها اعلامياً، مع علمنا جميعاً أن التنظيمات التكفيرية صناعة أمريكية وتربية سعودية، كما أن هذ الدول نفسها لم تحرك ساكناً ازاء قتل الأطفال والنساء خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
القضية الفسطينية
القضية الفلسطينية مستمرة أكثر من 60 عام، قضية تعتبر سببا في العديد من القضايا بالمنطقة. رضخت الدول لتأثير اللوبي الصهيوني، ووقَعَت هيئة الأمم المتحدة بالخطأ القانوني الإستراتيجي الأول المتعلق بالقضية الفلسطينية، بأن نسخت وعد بلفور للعام 1917 مع وثائق وقرارات عصبة الأمم وقامت بضمه كجزء من شرعية وقرارات الهيئة حديثة الولادة، مع العلم بأن لا شرعية قانونية لوعد بلفور، فقد تم الوعد وفلسطين لا تزال محتلة من قبل بريطانيا، ووفقاً للقانون الدولي، لا يحق لدولة إحتلال أن تهدي ما لا تملك لمن لا يستحق.
سياسة الكيل بمكيالين وإزدواجية المعايير للأمم المتحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لا تقف عند حدود القتل الجماعي وقضية اللاجئين، فلا يزال الإحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية قائماً، وبناء المستوطنات في الضفة مستمراً، ولم تتوقف محاولات تهويد القدس ، وإنتهاكات يومية لحقوق الأسرى، وإعتداءات لا تعد ولا تحصى على حقوق الإنسان..، رغم أن كل هذا مخالف لجميع المعاهدات والقرارات والقوانين الدولية التي تبناها وأجمع عليها المجتمع الدولي، الا أنها تجري تحت أنظاره في ظل رفض الولايات المتحدة وصول أي قضية إسلامية إلى مجلس الأمن مع أنها لا تمانع في ذلك إذا كان الأمر سيحال إلى الجمعية العامة التي لا تملك قراراتها صفة الإلزام، فتل أبيب لوحدها تجاهلت منذ العام 1968 قرارات لمجلس الأمن بلغت 32 قراراً من دون عقاب.
الأزمة العراقية
ان الأمم المتحدة لم تقم حتى يومنا هذا بالدور المنوط بها حيال المشاكل والأزمات التي تشهدها المنطقة، خاصةً أن الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن تسعى من خلال مواقفها المختلفة، لتعجيز الأمم المتحدة بشكل لا يتفق مع حقائق العالم، ولا يمكن للضمير العالمي أن يقبله بأي شكل من الأشكال، فالمشاكل التي جلبها الأمريكيون للعراق باتت كارثية بالنسبة للعراقيين أنفسهم، ومشاكل هذا البلد التي تعدت حدوده، باتت تؤثر على دول المنطقة بشكل مباشر، خاصةً أن بعض محافظات العراق باتت مواتية لتحرك التنظيمات الإرهابية.
قبل وصول «داعش» إلى تهديد أربيل ومصالح شركات "شيفرون" "واكسون" و"توتال"، كانت الاستراتيجية الغربية لا تزال قادرة على التعايش مع التنظيم في المنطقة، ولكن بعد تقدم «داعش» وتهديده استثمارات الثلاثي الغربي النفطي في إقليم كردستان، تم تشكيل التحالف الدولي لضرب التنظيم الارهابي، فقتل الألاف من المدنيين وتشريد الملايين، لا يستدعي مواجهة التنظيم، ولكن براميل النفط...
مئات الألاف في سوريا
وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين المعايير المزدوجة في التعامل مع الارهاب في سوريا والعراق بالوحشية، وأضاف:"إنه لأمر مثير للريبة عندما نجد بعض الدول تدين جماعات ارهابية في العراق ولكنها تقيم بشكل آخر عمليات هذه الجماعات نفسها في سوريا".
الأمانة العامة والمبعوث الأممي لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة التقارير عن الجرائم التي ترتكب في سوريا، ولعلهم بعد الهجوم الارهابي في فرنسا يدركون جيداً مدى خطر التنظيمات الارهابية ويساعدون النظام السوري في القضاء على "داعش"، فمقتل أكثر من 200 ألف في سوريا منذ بداية الأزمة التي مضى عليها 4 سنوات، فضلا عن نزوح ما يقرب من 9 ملايين شخص، جرى في ظل صمت دولي، فضلاً عن الدعم العلني للتنظيمات الارهابية حتى الماضي القريب، واليوم تحت عنوان الارهاب"الجيد" الذي يخدم مصالح هذه الدول، ولكن لماذا؟
لأنّ السبب الذي يدعم"إسرائيل"، الكيان الإرهابي الأول في العالم، لدى الأمم المتحدة، ويعتبرها ولداً مدللاً فوق القانون، جعل الإرهاب "الجيد" لدى المؤسسة الدولية ولداً مدللاً فوق القانون.
في الخلاصة نرى أن دعوة كي مون الى التضامن في مختلف أنحاء العالم في منتهى الأهمية اذا ما ترجمت على الأرض الواقع ولعل هجوم باريس الارهابي تنطبق عليه مقولة "رب ضارة نافعة"، لكن للأسف نرى أن المؤسسة التي تدعو للتساوي في الحقوق والواجبات بين الشعوب من فوق المنابر العالمية وتصدح بها جهاراً نهاراً، تمارس سياسة التمييز والتفرقة، وتخضع للضغط الأمريكي وللإبتزاز السياسي في الخفاء، كما أنها ترى الأشياء بعين واحدة، ولا تتعامل مع مختلف الأزمات العالمية ضمن منطلقاتها ومبادئها، بل تحول الضحية إلى جلاد والعكس، لذلك ان عمق الفجوة إنعدام الثقة بين الشعوب والمنظومة الدولية آخذة بالإزدياد والإتساع فمصير الدول بات محكوما بشفتي دولة من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي.
