الوقت ـ هل يمكن تحول الحملة لنيل الاعتراف بدولة فلسطينية إلى واقع
فعلي يكتسب زخما سياسيا يكلل نجاح المد الجماهيري والدبلوماسي الدولي الذي
يتكاثر مع القضية الفلسطينية مع تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من
برلمانات دول أوروبية؟ وما الذي دفع برلمانات هذه الدول للمبادرة والاعتراف
بالدولة الفلسطينية؟ وهل هو مجرد اعتراف رمزي؟
هذه «الاعترافات» لها
أهمية استثنائية كونها تأتي في سياق تحول جماهيري سياسي دولي، مع اقتناع
القيادة الفلسطينية أن العمل السياسي والدبلوماسية هو المتاح حاليا، في ظل
انعدام الخيارات الفلسطينية والعربية الأخرى لحل القضية الفلسطينية،
ومراوغات الاحتلال للتهرب من استحقاقات «السلام» المتفق عليها دوليا، مع
استمرار الاستعمار/ «الاستيطان» وتهويد الأرض، وأن خيار الحرب لم يعد
خياراً واقعياً للدول العربية، بعد أن تفككت مؤخرا جيوشهم، ودخلت بعض الدول
عتبة الدول الفاشلة.
ورغم رمزية هذه الاعترافات، فإنها مهمة على المدى
المنظور. فنحن نتحدث عن برلمانات في أعرق الدول الديمقراطية الأوروبية
(بريطانيا، فرنسا، السويد، إسبانيا، إيرلندا، والبرتغال)، وهي ليست في واد،
فيما حكوماتها في واد آخر، كما هو حال دول العالم الثالث. وبما أن
الاعتراف هو من برلمانات أوروبية منتخبة مباشرة من الشعب، فهي تعبر عن
إرادة الشعوب وليس الحكومات، بما يؤكد وجود تحولات كبيرة لدى الشعوب
الأوروبية التي لم تعد تقبل مواقف حكوماتها من دعم الاحتلال الإسرائيلي
وجرائمه التي ترتكب على الأرض الفلسطينية.
هذه الاعترافات، التي تتم بأغلبية عددية
واضحة، مع تزايد إنجلاء صورة إسرائيل كدولة استعمارية/ استيطانية/ عنصرية،
تثبت التحولات بالغة الأهمية في اتجاهات الرأي العام الأوروبي الذي ضاق
ذرعاً بالعنجهية الإسرائيلية. وهي ترسخ خطر الرواية الإسرائيلية الممجوجة
حتى أوروبيا، من أنها الضحية الأبدية، و»الواحة» الديمقراطية الوحيدة في
صحراء عربية متخلفة. بل إن هذه «الاعترافات» ستسمح للفلسطينيين برفع دعاوى
قضائية في المحاكم الأوروبية ضد المستعمرين/ «المستوطنين» الذين يرتكبون
جرائم في «المستوطنات».
نعم، اعتراف البرلمانات الأوروبية المتنامي
بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 خطوة رمزية، لكنها تلقي الضوء على
المأساة الفلسطينية، وتساهم في بلورة أوسع لرأي عام أوروبي مساند للحقوق
الفلسطينية. ومع ذلك، تحتاج هذه «الاعترافات» إلى دعم فلسطيني عربي إسلامي
ودولي على كافة المستويات، بل هي بحاجة إلى استراتيجية موحدة من هؤلاء
للاستفادة من تزايد ضغط الأسرة الدولية على الاحتلال الإسرائيلي الذي يتعرض
لحملة دولية وفلسطينية جماهيرية لمقاطعته بسبب سياسات إسرائيل القائمة على
الحصار والتجويع ومصادرة الأراضي بحيث يترجم هذا الاعتراف إلى واقع تلتزم
به الدول بحقوق الشعب الفلسطيني. وفي سياق مساعد، جاءت دعوة مهمة من 800
شخصية إسرائيلية، بينهم سياسيون ومؤلفون وكتاب بارزون، في رسالة مشتركة،
لعدد من البرلمانات الأوروبية إلى «الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب دولة
إسرائيل». وقد عبرت الرسالة عن شعور الموقعين عليها بالخيبة بسبب «جمود
عملية السلام واستمرار الاحتلال وعمليات البناء في المستوطنات»، مؤكدة أن
المبادرات البرلمانية الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية ستشجع
الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني–على عكس ما تقوله الحكومة
الإسرائيلية–لإنجاز اتفاق لحل الصراع. بل إن الكاتب الإسرائيلي (يهودا بن
مئير) كتب يقول: «اعتراف برلمانات الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية
تسونامي سياسي تواجهه إسرائيل».
تتطلب هذه الاعترافات إكمال المشوار
بدفع برلمانات أخرى للاعتراف بفلسطين، تضاف إلى مواقف سابقة لدول أمريكا
اللاتينية الداعمة للقضية الفلسطينية. وحسنا تفعل البرلمانات العربية إن هي
عززت صلاتها وتفاعلاتها مع البرلمانات الأوروبية، التي اعترفت أو لم تعترف
بعد، بهدف نقل الفعل من مستوى ممثلي الشعب إلى الحكومات. ودعونا لا ننسى
أن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ومنعها من إدخال المساعدات للقطاع،
واستهدافها في حربها الأخيرة منشآت موَّلها الاتحاد الأوروبي، ساهم في
مسألة نجاح هذه الاعترافات الرمزية، بل تعدى الأمر إلى تصريحات عدد من
السياسيين الأوروبيين الناقدة للسياسة الإسرائيلية، وهذه كلها تستقطب
المزيد من الدول الأوروبية، كما تؤثر على مستقبل العلاقات مع إسرائيل، خاصة
أن معظم الدول الأوروبية تدين سياسة «الاستيطان» تمشيا مع التزام الاتحاد
الأوروبي بالقانون الدولي. وختاما، لربما شكلت هذه الاعترافات وما سيتبعها
تحفيزا لخطوات عقابية أوروبية (سياسية واقتصادية وعسكرية وفنية) ضد السياسة
الإسرائيلية الاحتلالية/ التوسعية/ العنصرية.
د. اسعد عبد الرحمن/الرأی