الوقت- بعد تجدد المعارك بين القوات الأرمينية والآذرية في منطقة "قرة باغ" المتنازع عليها بين الجانبين، والتي أدت إلى مقتل وجرح العشرات حتى الأن، دقّت الكثير من الأوساط الإقليمية والمجتمع الدولي ناقوس الخطر بشأن إمكانية إندلاع حرب واسعة النطاق في آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، بسبب تشابك خطوط هذه الأزمة التي إندلعت عام 1992، ولم يتمكن المجتمع الدولي من إحتوائها رغم المساعي التي بذلتها الكثير من الدول لتسويتها في مقدمتها إيران.
فلماذا فُتح هذا الجُرح القديم مرة أخرى، ولماذا عادت هذه الأزمة إلى الواجهة من جديد؟
يعتقد المراقبون إنّ تجدد المعارك في "قرة باغ" تقف وراءه عدّة عوامل داخلية وإقليمية ودولية يمكن الإشارة اليها على النحو التالي:
العامل الداخلي
من المعروف إنّ كلاً من أذربيجان وأرمينيا كانتا في السابق جزءاً من الإتحاد السوفيتي قبل إنهياره عام 1911 وحصلتا على الإستقلال بعد تفكك الإتحاد في نفس العام. ومنذ تلك الفترة تنازع الجانبان بشأن منطقة "قرة باغ" حيث إدعى كل منهما تبعيتها له. فهذه المنطقة أذربيجانية من الناحية الجغرافية لكنها ذات أغلبية أرمينية من الناحية السكّانية. كما تنظر كل من أذربيجان وأرمينيا على أن قضية "قرة باغ" تمثل بالنسبة لها رمزاً سيادياً لا يمكن التفريط به لصالح الطرف الآخر، خصوصاً مع وجود أطراف داخلية في كلا الدولتين تضغط على حكومتي البلدين بهذا الإتجاه. والطرفان يتهمان بعضهما بين الحين والآخر بخرق الهدنة التي وضعت عام 1994 دون التوقيع على إتفاقية سلام فيما بينهما.
العامل الإقليمي
يعتقد الكثير من المراقبين بأن تجدد المعارك في "قرة باغ" نجم عن الأزمة التي إندلعت مؤخراً بين روسيا وتركيا بسبب إسقاط الأخيرة لطائرة سوخوي روسية أثناء تحليقها في إطار مهمة لضرب الجماعات الإرهابية في سوريا. ويرى هؤلاء المراقبون إن إصطفاف أذربيجان إلى جانب تركيا والذي ظهر بشكل واضح خلال زيارة الرئيس الآذري "ألهام علي أوف" الأخيرة إلى أنقرة، دعا روسيا إلى الوقوف إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان لإرسال رسالة إلى الأخيرة مفادها بأن عليها أن لا تذهب بعيداً في علاقاتها مع أنقرة، خصوصاً بعد أن عمدت أذربيجان إلى فتح خطوطها البريّة والبحرية أمام حركة الشاحنات التركية لتسهيل عبورها إلى دول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز لتقليص الآثار السلبية التي نجمت عن الحظر الإقتصادي الذي فرضته موسكو على أنقرة في أعقاب أزمة إسقاط طائرة السوخوي الروسية.
في مقابل ذلك يعتقد بعض المراقبين إن تركيا هي التي حرّضت أذربيجان على مهاجمة القوات الأرمينية في منطقة "قرة باغ" لإرسال رسالة إلى روسيا بضرورة التوقف عن دعم الحكومة السورية ضد الجماعات الإرهابية الموالية لأنقرة، وذلك بعد الهزائم المتكررة التي منيت بها هذه الجماعات على يد القوات السورية.
العامل الدولي
يعتقد الكثير من المراقبين إنّ تجدد المعارك بين القوات الأرمينية والآذرية في "قرة باغ" في هذا الوقت بالذات نجم عن التوتر الحاصل بين روسيا وأمريكا على خلفية تناقض مواقفهما إزاء الأزمة السورية، إلى جانب إعلان واشنطن مؤخراً عن نيتها إرسال قوات بريّة إلى عدد من دول شرق أوروبا، الأمر الذي وصفته موسكو بأنه إجراء إستفرازي، بإعتباره يشكل خطراً على أمنها القومي. ويشبّه البعض ما يحصل الآن في "قرة باغ" بين أذربيجان وأرمينيا بالذي حصل في أوكرانيا والذي أدى أيضاً إلى خلق أزمة بين روسيا والدول الغربية لاسيّما أمريكا لازالت آثارها مستمرة حتى الآن.
ورغم الجهود التي بذلتها إيران ودول أخرى لحل أزمة "قرة باغ" لا زالت هناك مؤشرات جديّة تنذر بخطر إندلاع حرب واسعة النطاق في المنطقة ما لم يتم تطويق هذه الأزمة التي ستنعكس آثارها على جميع دول المنطقة بينها إنها ستوفر الأرضية للجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" للإنتقال إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، ولهذا ينبغي على كافة الدول الإقليمية الإسراع بتسوية هذه الأزمة سلمياً قبل فوات الأوان وقبل أن تتحول إلى فتيل نزاعٍ يحرق الأخضر واليابس، كما حصل في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً في العراق وسوريا.