"ان تاتي متاخرا خیر من ان لا تاتي ابدا"، ملخص للسیاسات الاوروبیة الحالیة تجاه نظام الاسد. فبعدما کان الاوروبیون یقاتلون و یدعمون و یؤیدون رحیل "بشار الاسد" ها هم الیوم یقرون ان " سیاستهم کانت خاطئة" . فما الذي دفع الاوروبیين لهذا التصریح الخطیر؟ و ما هي دلالات واسباب هذا القرار المفاجئ؟ و الاهم من ذلک کله من سیعوض الخسارات السوریة لما حصل جراء القرار القدیم؟
لطالما اقتنع الاتحاد الاوروبي بان عليه ان يعزز تواجده على ساحة الشرق الاوسط والتي تعد سوريا جزءا اساسيا منها. فکانت محاولات عدیدة للتقرب من الحکومة السوریة، فسعى الاوروبيون الى تطوير علاقات مع دمشق، بنيت تفاصيلها على اسس تجارية و اقتصادية، الا ان السوريين رفضوا عرض الاتحاد الاوروبي او الدخول معه في شراكة رسمية، ولعل ابرز الاسباب التي حدت بالسوريين الى هذا الرفض هو خشيتهم من ان يكون التعاون الاقتصادي مع اوروبا مدخلا للتدخل في شؤونهم الداخلية، و بابا للضغط على دمشق لاجبارها على اعادة النظر في طبيعة بعض تحالفاتها الاقليمية . فمن وجهة النظر السورية الاتحاد الاوروبي ما هو الا تعبير عن تجمع اقليمي غير محدد الهوية یسير وراء القاطرة الاميركية.
و مع بروز الازمة السوریة في ربیع العام 2011 تمثل الموقف الاوروبي في اصدار بعض البيانات المدينة للعنف، وبعض القرارات التي تشدد العقوبات الاقتصادية على دمشق، فضلا عن وضع بعض المسؤولين السوريين على قائمة الممنوعين من السفر إلى دول الاتحاد الاوروبي، فلجأ الاتحاد الاوروبي حینها إلى 13 رزمة من العقوبات ، خصت اکثر من 126 شخصا و حوالي 41 شركة، باشارة واضحة للانتقام السیاسي من الحکومة السوریة.
و لکن وبعد حوالي اربع سنوات من العنف و القتل و التهجیر، عرف الاتحاد الاوروبي صعوبة التاثير في الحكومة السورية، كما انه عرف اهمية الدور الذي تلعبه الدول الشرق اوسطیة الکبری مثل ايران التي اعلنت دعمها للنظام السوري منذ بدایة الازمة، معتبرة الحل الوحید لانهاء المعارک هو الحوار السیاسي السوري - السوري، ساعیة لتعزیز قدرات الحکومة السوریة علی مواجهة الارهاب الذي لم يسلم منه البشر و الحجر في المناطق السوریة المختلفة.
و لاختصار الموقف الاوروبي الجدید، روى مسؤول اوروبي لـصحیفة الاخبار اللبنانیة وقائع لقاء مهم جمع، المبعوث الدولي "ستيفان دي ميستورا" و وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، اكد خلاله بداية تعديل الموقف الاوروبي حيال سورية. و اوضح ان الاجتماع كان مغلقا على غرار كل الاجتماعات التي ينوي فيها الاوروبيون بحث قضية حساسة. وقد شرح المبعوث الدولي الوضع السوري والاطار الاقليمي والدولي المحيط بخطته التي يفترض ان تنفذ خلال 3 اشهر والا فانها تفقد قدرتها على التنفيذ.
من الناحية النظرية، يدعم الاوروبيون كل ما قاله "دي ميستورا"، فهم يرون انه منذ استقالة الاخضر الابراهيمي كان لا بد من الحفاظ على مساع سياسية بين النظام والمعارضة، اولا لكي لا يتفرد النظام بالحسم متذرعا بان لا مساعي سياسية حاليا. وثانيا لاعطاء الانطباع للمعارضة التي تزداد تفككا بان الغرب الاطلسي لا يزال يدعمها. و ثالثا لان لا مجال لاي تفكير اخر حاليا في غير دي ميستورا بسبب التازم الكبير في العلاقات الاميركية ــ الروسية.
الموقف الاوروبي الجدید جاء بعد عدة تغییرات جذریة في المواقف الاقلیمیة و العالمیة تجاه الازمة السوریة. فبعدما اعترفت امیرکا عبر سفیرها في لبنان عن عجز الحکومة الامیریکیة في اسقاط نظام الاسد. و عودة العلاقات الدبلوماسیة الکویتیة السوریة الی الحیاة من جدید، و بعد حدیث و مؤشرات لعودة العلاقات الدبلوماسیة العربیة السوریة، و امکانیة فتح السفارات العربیة في سوریا. جاء الاتحاد الاوروبي ساعیا نحو تغییر موقف الاتحاد الاوروبي من الاسد. ولکن التغییر في الموقف الاوروبي لا یغیر الحال، فالدمار الذي الحقت به الاسلحة الاوروبیة و الامیرکیة و العربیة في البنی التحتیة، اعاد الدولة السوریة الی الزمن القدیم. و قضی علی اعداد کبیرة من المواطنین، لا یمکن تعویضها، فهل الاتحاد الاوروبي جاهز لتحمل ثمن اخطائه باعادة اعمار ما هدمه القرار القدیم؟ سؤال یطرح نفسه امام العرب و الامیریکیین ایضا.
اذن، الاقرار الاوروبي الواضح بالاخفاق في التشخیص السیاسي للازمة السوریة، یبرز قدرة النظام السوري علی الصمود في وجه کل العقبات السیاسیة و العسکریة الارهابیة. و یظهر احقیة الموقف الایراني تجاه الازمة منذ بدایتها. و یؤکد ان محاربة الارهاب لا یمکن ان تکون بعیدة عن اتفاق سیاسي سوري. فهل یکون الموقف الاوروبي الجدید بدایة لانفراجات في المناخ السیاسي في سوریا؟ وحدها الایام کفیلة بالاجابة ..