الوقت- صراع حتى الموت هذه العبارة التي توصف حالة ليبيا الان .فأصدقاء الامس وثوراه تحولوا الى ألد الاعداء اليوم وأصبح لكل فصيل ليبي راعيه وداعمه الدولي. شأن ليبيا شأن اي دولة تدخل فيها الناتو فلم يترك فيها الا الخراب والدمار ولم يجلب لاهلها الا القتل والتهجير .
فبعد الإطاحة بنظام الديكتاتور معمر القذافي في ثورة 17 فبراير/ شباط، وفي وقت لم تتشكل فيه اي سلطة مركزية قوية في البلاد، بدأ التنافس بين العديد من المليشيات للسيطرة على الأراضي الليبية الشاسعة. وازدادت وتيرة المعارك والتقاتل بين الفرقاء الذي جمعهم رغبة التخلص من القذافي سابقا وفرقهم النفظ حاليا .
كل هذا الحروب والمعارك تجري في ليبيا والقاسم المشترك بينها هو من سيسطر على أضخم مصدر للنفط في افريقيا ومن سيتحكم بعائدات البلاد الضخمة . حيث تعد ليبيا من أكبر الدول النفطية في القارة الأفريقية، ويوجد بها حقول نفطية عديدة كانت تديرها "المؤسسة الوطنية للنفط ".
اسباب المعارك :
بعد الثورة عمد الغرب بمجرد مقتل القذافي الى ترك ليبيا تواجه مصيرها بمفردها .فعمت الفوضى في كل ارجاء البلاد و تفككت الدولة نتيجة الخلافات والمصالح الشخصية فأعلنت برقة- التي يوجد بها ثلثا النفط الليبي- نفسها دولة مستقلة، كما ان فزان -التي تضم حقولا نفطية هامة تريد هي أيضا ان تكون مستقلة، ولم يبق لطرابلس سوى الحقول الموجودة على شواطئ العاصمة .
فبينما الحکومة المركزية لا تسيطر اليوم إلا على جزء صغير جدا من الأراضي الليبية .يتواجد في ليبيا 150 ألف مقاتل مسلح ينتمون إلى عدة تشكيلات، فيها بعض للنظام السابق. ويقوم كثير من عناصرهذه الميليشيات بحراسة آبار والمصاف البترولية التي تتركز في الجنوب والغرب، بينما يلجأ المسلحون في الشرق الأكثر غنى بالنفط، إلى الهيمنة على موانئ التصدير هناك، حيث يوجد في ليبيا 4 حقول ، تتجه إليها كثير من الأنظار من حيث كمية الإنتاج النفطي وتتنازع عليها حاليا الجماعات المسلحة التابعة لـ"فجر ليبيا"، ضد القوات التابعة لقيادة اللواء "خليفة حفتر" في معارك لم تتوقف منذ فترة وازداد صخبها كثيرا في الايام القليلة الماضية .
ويرى كثير من المراقبين للشأن الليبي أن هذا الازدياد في حدت المعارك كان متوقعا ، وخاصة أنها جاءت بعد أسبوع واحد من تأكيدات أطلقها عبد الله الثني رئيس الحكومة الليبية بأن 75% من الحقول والموانئ النفطية تحت سيطرة الدولة، مؤكداً سعيه على نقل إيرادات النفط من طرابلس إلى طبرق خلال الأسابيع القادمة، وتکليف المؤتمر الوطني المنتهية ولايته وحكومة الحاسي كتائب من مدينة مصراته المسماة " فجر ليبيا" مدعومة بكتيبة " أنصار الشريعة" من سرت ، بفرض هجوم مباغت للسيطرة على منابع النفط او ما يسمى الهلال النفطي ، لقطع الطريق أمام البرلمان والحكومة شرق ليبيا، ونقل إيرادات النفط خارج سلطاتهم في العاصمة. ولکن بحسب تصريحات قوات حفتر وقيادة حرس المنشآت النفطية التابعة لحكومة الثني والبرلمان المنتخب، والمعترف عليه دوليا فقد تم صد الهجوم .
الوضع الامني و خارطة المعارك :
اشتباكات عنيفة دارت بين قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وقوات "فجر ليبيا" على مسافة كيلومترين من معبر رأس جدير الحدودي مع تونس . اشتباكات استخدمت فيها جميع أنواع الاسلحة وصولا الى الطيران.ويعد هذا المعبر الشريان الحيوي لمليشيات فجر ليبيا للحصول على المواد التموينية من تونس . المعركة هنا بطبيعة الحال لها ابعادها النفطية حتما فالميناء يعد أكبر الموانئ النفطية في ليبيا ويسعى كل طرف لوضع يده عليه. الى ذلك لم تكن هذه المعركة على الحدود الليبية التونسية مقدمة لمعركة أكبر وسط وشرق البلاد .إذ شنّت ميليشيات "فجر ليبيا" هجوماً على منطقة الهلال النفطي أطلقت على تحرکها اسم" عملية الشروق لتحرير الحقول النفطية" التي تضم حقلي راس لانوف والسدرة النفطيين شرق ليبيا) إذ يتجاوز عدد الصادرات فيهما الثلاثمئة ألف برميل يومياً) واشتبكت قوة من حرس المنشأة النفطية، التابعة للقوات الحكومية المعترف بها دوليا ، مع قوات فجر ليبيا، على بعد ثلاثين كيلومتراً من رأس لانوف في معارك أدت إلى مقتل العديد .
وفي منطقة الوادي الأحمر قطعت غارات الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو الليبي الطريق على المجموعة كانت تملك عتاد ضخم للغاية و المتجهة إلى ميناء السدرة النفطي .
بنغازي ايضا لم تكن بعيدة عن مسرح الاحداث حيث تدور فيها منذ فترة اشتباكات مسلحة على عدة محاور بين القوات الحكومية وقوات حفتر من جهة وبين المليشيات المسلحة من جهة اخرى بعد تقدم الجيش في معظم المناطق .
اهداف وادوار خارجية
بلقنة ليبيا هو الهدف الاساسي الذي تسعى اليه اميريکا التي تلقت ضربة قوية بعد مقتل سفيرها في بنغازي فادركت واشنطن انها لاتسطيع السيطرة على ليبيا الموحدة . فتسعى لتقسيمها الى كيتونات ممزقة تحكمها مليشات متنازعة كل منها يسعى لطلب الحماية والدعم من واشنطن فتكون لها الكلمة العليا على خزان النفط الكبير في افريقيا أكثر من 47 مليار برميل احتياطي يشكل طبعا أهم مصدر في القارة السمراء .
اضف الى ذلك سعي واشنطن وشرکائها في حلف الناتو أيضا للسيطرة على الأراضي الليبية للقيام بنشر متقدم للقوات العسكرية وقوات التدخل السريع للمارينز کتکريس لغطرستها في العالم وفي شمال افريقيا على وجه الخصوص .
ليبيا التي لاينقصها ازمات لم تتوقف مشاکلها منذ الثورة على الديكتاتور القذافي ،ولكن بقي ملف النفط مصدر التجاذبات في البلاد . فكل فصيل يسيطر على بقعة جغرافية هنا أو هناك يقوم وتحت ذرائع شتى بإغلاق الحقول اوالموانئ اوالمصافي النفطية التي لا تکون ارباحها بيديه . في هذا السياق فان المعارك الحالية من أجل السيطرة على موانئ النفط في البلاد تهدف بطريقة او باخرى لتقويض الحل السياسي في البلاد وخاصة بعدما اعلنت بعثة الامم المتحدة في ليبيا أن جولة من المحادثات بين الفرقاء ستعقد هذا الاسبوع . فهل تتحول نعمة الذهب الاسود الى نقمة على الليبين ؟ وهل سيدرك من يسيطرون على صناعة القرار في البلاد أن الفراغ السياسي الحاصل سيسمح للجماعات الارهابية بحرية الحركة واعادة تنظيم الصفوف مما يشكل خطرعلى امن البلاد وسيؤدي بطبيعة الحال الى تمزقها وتقسيمها ؟ وهل سيؤدي تراجع تصدير النفط، وتدهور الوضع المالي والأمني للدولة إلى البحث بجدية عن مخرج سياسي سريع للأزمة أم ستتدحرج نار الحرب وتؤدي إلى مزيد من الدمار الخراب الخاسر الاکبر فيها ليبيا دولة وشعبا ؟ الايام القادمة ربما تجيب عن تساؤلاتنا .