الوقت - من خلال مراجعة الأحداث لا سيما المتصلة بالأزمة السورية، نجد بأن الطائفة المسيحية، والتي تُشكل 10% من النسيج السوري، كانت ومازالت قادرةً على لعب دورٍ كبيرٍ في إعادة بناء النسيج الوطني الذي حاول الغرب وبعض العرب تمزيقه من خلال أداة الإرهاب، طوال الأزمة السورية. وهنا فإن الدور المستقبلي للأطراف التي يمكن أن تكون فاعلة على الساحة السورية، لا يمكن أن يستثني الدور المسيحي، لأسبابٍ لا تعود فقط لحقهم الطبيعي كمواطنين سوريين، بل لقدرتهم وتاريخهم في السعي لبناء الوطن. ولعل ذلك يرتبط بالدور التاريخي الذي لعبه المسيحيون الشرقيون في عددٍ من الدول. في الجزء الأول، سنشير الى تحليل تاريخ الدور المسيحي في الشرق الأوسط، وكيف تُعتبر سوريا مركزيةً لهم.
يؤمن المسيحيون المشرقيون، بأن سوريا هي الأرض التي انطلق منها التبشير المسيحي إلى كافة أنحاء العالم. وتحتضن سوريا عدداً من الكنائس هي الأقدم في العالم، حيث يحتفظ عددٌ من سكانها باللغة الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح عليه السلام. أما بالنسبة لمسيحيي سوريا، فقد شكلوا على مر التاريخ نموذجاً للقدرة على الإندماج في المجتمع والتعايش مع كافة الثقافات والأديان. وهو الأمر الذي يُشكل سمةً لهم. واليوم وبعد أن أصبحت سوريا ميداناً لتصارع الدول الإقليمية والكبرى، يقف المسيحيون في سوريا إلى جانب مكونات المجتمع السوري الأخرى أمام تحديات جديدة فرضتها حالة الإرهاب. والتي دفعت لزيادة التحديات أمام المسيحيين، ليس فقط في سوريا، بل في الشرق الأوسط. وفي إطلالةٍ على دور المسيحيين الشرقيين، يمكن ملاحظة عددٍ من الأمور والتي تعتبر مهمةً لتحديد دور المسيحيين السوريين في المستقبل:
- حافظ المسيحيون الشرقيون عموماً، على الهوية الثقافية القديمة، الى جانب عملهم على القيام بدور الداعم للهوية القومية لمجتمعاتهم في دولهم. وهو الأمر الأساسي الذي يُميزهم عن المسيحيين الغربيين. مما جعل الدول الغربية وفي مقدمتها واشنطن تسعى لإقصاء الثقافة المسيحية من المشرق. هذه السياسات الغربية - والتي يجب الوقوف عندها لمنع تكرارها في سوريا - كانت سبباً في تغذية النزعات الطائفية في الشرق. وهي التي أدت إلى اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، حيث حملت الأحزاب المسيحية السلاح وبالتالي كانت نتائج تلك الحرب كارثية على لبنان بشكل عام، كما كانت كارثية على المسيحيين بسبب هجرة عدد كبير منهم إلى خارج لبنان.
- وهنا يمكن القول بأن الطائفة المسيحية بشكل عام، لم تشهد في العصر السياسي الحديث أي حالة صراع، كانوا فيها طرفاً مقاتلاً، لا سيما في كلٍ من العراق ومصر وسوريا، وذلك تطبيقاً للفكر المسيحي الشرقي المُترسِّخ الذي يرفض وبشدة أن يكون المسيحيون طرفاً في أي نزاع مسلح بين أبناء البلد والوطن الواحد. في حين لا بد من التأكيد على الدور الفاعل الذي لعبه المسيحيون (السوريون) على مستوى حركات التحرر الوطني التي هدفت إلى التحرر من الإستعمار الغربي، وخاصة في المجال السياسي والدبلوماسي. ولعل حادثة رئيس الحكومة السورية "فارس الخوري" وجدله مع المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة عام 1945 شكلت علامة فارقة في ذاكرة السوريين.
- لكن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، شكَّل ضربة قاسية للمجتمع المسيحي المشرقي، حيث ازدادت وبشكل ملحوظ وتيرة العنف الطائفي داخل العراق خصوصاً في العام الثالث بعد الغزو الأمريكي. في حين بقي المسيحيون عنصراً رافضاً لحمل السلاح من أجل الإقتتال الداخلي، على الرغم من أن كثيراً من الأعمال الطائفية والتي كانت تديرها واشنطن، طالتهم. وبعد الإنسحاب الأمريكي، بقي الوضع كذلك لا سيما أن واشنطن كانت قد أسست لنواة الإرهاب التكفيري الذي أكمل دورها في التقسيم وتأجيج الفتن.
- وعندما اندلعت الأزمة السورية، اعتبر المسيحيون الشرقيون بأن الخطر ازداد عليهم. فيما بدا واضحاً رفضهم المشاركة في كل ما يمكن أن يُضعف الدولة السورية. على الرغم من أنهم كانوا يؤمنون بالتغيير الطبيعي والديمقراطي. لكنهم لم يوافقوا يوماً على حمل السلاح كأداةٍ للتغيير السياسي.
إذن تناولنا في الجزء الأول وبشكلٍ موجز، أهمية تاريخ المسيحيين المشرقيين، والفرق بينه وبين الفكر الغربي الرافض للإنتماء للجماعة. فيما شكل تاريخ المسيحيين المشرقيين نموذجاً في ترسيخ اللحمة الوطنية ورفض الإستعمار الغربي. وهو ما حاولنا تسليط الضوء عليه، كمقدمةٍ للحديث عن دور المسيحيين السوريين في الداخل السوري، لا سيما في المستقبل. خصوصاً لما لسوريا من إعتبارٍ لدى الطائفة المسيحية.