الوقت- لا تختلف التحليلات كثيراً على أنه وبعد مضي أكثر من عشرة أشهر على بدء العدوان على اليمن بتنفيذ سعودي وإرادة أمريكية، فإن استراتيجيات العدوان لإحتلال صنعاء قد فشلت. العدوان السعودي والذي تصل تكفلته اليومية إلى ما يقارب من 200 مليون دولار مع موازاة في تراجع اقتصادها، وخلافات بينها والإمارات التي تشرف الأخيرة على جزء كبيرة من عمليات العدوان البرية. قوى العدوان السعودي يبدو أنها لم تأخذ العبر من ما يعرف بحصار السبعين، والذي قاده مرتزقة لقوى سعودية وأوروبية وآسيوية للسيطرة على العاصمة صنعاء، وبالرغم من ضعف الإمكانات التي كانت بيد اليمنيين آنذاك، إلاّ أنهم تمكّنوا من الصمود وتقديم انموذج من أن القدرات العسكرية وغزارة النيران لا يمكنها مواجهة أصحاب الأرض.
النظام السعودي الحاكم ولإعادة فرض نفسه في قبال الواقع الجديد لحركات الشعوب التحرّرية استخدم سياسة عدائية بدل التصحيحية. النظام السعودي الحاكم يرى في ايقاف عدوانه انتهاء حكمه ونفوذه، ولهذا تراه أمام فشل استرتيجيات العدوان لا يجد إلا الكلام الإعلامي لإيهام الناس بأنه يحقق نصراً أو يبرر هزائمه، وفي الحديث عن استراتيجية قوى العدوان، فإنها اتخذت من العاصمة صنعاء مقصداً، وهي حاولت الدخول إليها من البوابة الشمالية فالجنوبية والغربية لكنها فشلت جميعاً، ليأتي دور البوابة الشرقية اليوم من خلال مديرية نهم والتي تُعد الفرصة والخيار الأخير أمام قوى العدوان.
استراتيجية الشمال
ترى قوى العدوان أنه في الشمال اليمني لا امكانية لإيجاد مسوغات تنتج جماعات عميلة وتكفيرية، وهناك وضوح في الرؤية أن العنوان الموجود هو احتلال صنعاء وليس تحريرها، بل أن سكان المدن من الجانب السعودي وبالخصوص المدن الثلاث "عسير" و"نجران" و"جيزان" المنتزعة من اليمن ترى تحرك النظام السعودي عدواناً، وعشائر تلك المدن طالبت إلحاقها باليمن كجزء منه انتزع. مع وجود كل هذه الإعتبارات إلاّ أن قوى العدوان عملت في البداية على الإستفادة من هذه الجبهة لأنها ترى في أهمالها انتصاراً لليمن وهو ما تحقق بالفعل، فالإمدادات السعودية قُطِعت وقواها تتعرض للكمائن وهناك استنزاف لمعداتها وآلياتها، وأعداد القتلى في صفوف جنودها بإرتفاع متزايد، والكثير من المناطق في المدن الثلاث أصبحت بيد اليمنيين، ولأن النصر على الجبهة الشمالية ذهب لصالحهم، فإن ذلك يعتبر ورقة تفاوض قوية بيدهم وهو ما لم تكن تريده قوى العدوان ولذلك ألقت في بادئ الأمر كل ثقلها على هذه الجبهة لإضعاف اليمن تمهيداً لتحريك جبهات أخرى تُسهّل الوصول إلى العاصمة صنعاء لكنها فشلت.
استراتيجية عدن وتعز
في عدن وبالرغم من صغر المساحة والتنوع القبلي والحصار البحري الذي فرضته السعودية وقوى العدوان أجمع، إلى استخدام السفن الحربية فضلاً عن سلاح الجو في ضرب المدينة، إلى سهولة نقل عناصر جماعات الفكر الإرهابي، مع كل هذه الإعتبارات إلاّ أن مخطط العدوان فشل، حتى أن بعض الجهات التي لديها مطالب سياسية وقد عملت مع السعودية في بادئ الأمر انقلبت عليها فيما بعد كالحراك الجنوبي الذي بان له الخداع السعودي الذي لا يرى في أي مدينة تسقط سوى مشروعاً لجماعات الفكر الإرهابي وتسليمها لهم، ولهذا لاحظنا في الأيام الأخيرة من استراتيجية عدن مواجهات بين الحراك الجنوبي وجماعات الإرهاب. وفي تعز وبالرغم من توافر الأرضية حيث هناك تواجد قوي وفاعل لحزب الإصلاح الذي يعتبر مكون اساسي للمدينة والذي وقف منذ البداية إلى صالح قوى العدوان وتعاون معهم إلاّ أن مقاومة اليمنيين استمرت بها ولم تستطع قوى العدوان من تحقيق المطلوب.
استراتيجية الشرق
ترى قوى العدوان وعلى رأسهم السعودية أن "مأرب- الجوف" اصبحتا مكان لدخول آلياتهم ومدراعاتهم من دون رجعة، ولهذا لجأ إعلامهم مؤخراً إلى الإعلان عن انتصارات في "مأرب- الجوف" لا واقع و لاصحة لها كالحديث عن السيطرة على جبل "هيلان". ما يذيد الأمر تعقيداً بوجه قوى العدوان السعودي وبالإضافة إلى صعوبة ووعورة المكان فإن القبائل هناك كلها في انسجام متكامل ومؤيد للجيش اليمني والقوى الشعبية كقبيلة "القراميش" وقبائل "جدعان".
مع الفشل في "مأرب" تعمل قوى العدوان اليوم على استراتيجية الدخول إلى صنعاء من بوابة مديرية "نهم" والتي ترى في السيطرة عليها قطعاً لإمدادات الجيش اليمني والقوى الشعبية في "مأرب". هذه الإستراتيجية والتي تعد بحسب مراقبون المفصل الأخير من مسلسل العدوان السعودي والفرصة الأمريكية الأخيرة التي أعتطها للسعودية يبدو أنها ستواجه الفشل أيضاً، فالجيش اليمني والقوى الشعبية يحرزون تقدماً قوياً على هذه الجبهة خاصة في منطقة "ملح" المطلة على معسكر 312، بالإضافة إلى أن كل محاولات التقدم من قبل قوى العدوان بإتجاه "نقيل الفرضة" الذي يعد الطريق الوحيد الرابط بين الجوف والعاصمة بائت بالفشل، وما بعد "نقيل الفرضة" ما هو أصعب في "نقيل غيلان" و"الصمع" و"بيت دهرة" و"بني حشيش" التي تعد أكثر وعورة وصعوبة، ولذلك لجأت السعودية مؤخراً إلى ضخ مالها في خطوة لشراء ولاءات القبائل وهو على ما يبدو لن تنجح فيه كما فشلت في مدن قبلها، فبالإضافة إلى صلابة الشعب اليمني فإن قوى العدوان تفتقر امكانات احتلال الأراضي.