الوقت- المواقف الأخيرة لجماعة طالبان تجاه القوات الخارجية المتواجدة في أفغانستان وسياسات الأمريكية في هذا البلد أثارت تساؤلات كثيرة حول مستقبل التواجد الأمريكي بها؛ حيث تساءلت مجلة "فورين بوليسي" عن مستقبل تواجد القوات الأمريكية بأفغانستان وهل فقد البيت الأبيض هيمنتها عليها.
وكشفت المجلة في تقريرها أن عدد من المستشارين للرئيس الأمريكي يدفعونه باتجاه إستمرار بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان حتى بعد إنقضاء المهلة المقررة من جانبه لإنسحاب القوات من هذا البلد بينما كان من المقرر أن لايبقى إلا 5500 جنديا أمريكيا بأفغانستان حتى نهاية عام 2015.
من جهة أخرى، أثارت الإنتصارات الأخيرة لجماعة طالبان بأفغانستان مخاوف القادة العسكريين الأمريكيين، لكن يحتوي السؤال عن عدد القوات التي تبقى بها على أهمية قليلة بالنسبة لمستقبل هذا البلد و أفقها. والقضية الهامة في هذا المجال هي الرؤية الحقيقية للرئيس الأمريكي المستقبل وهل يترك "أوباما" آلية لمواصلة سياساتها بأفغانستان.
السيناريو الأول لمستقبل التواجد الأمريكي بأفغانستان هو إستمرار الواقع الراهن، لأن الأفغانستان تشبه اليوم بالصين قبل تدخل الياباني عام 1930؛ حيث كان الوضع مقبولا بالنسبة لأمريكا وكانت تؤكد الحكومة الأمريكية برئاسة "روزفلت" على أهمية التواجد في الصين رغم التكلفة الباهظة لحفظ القوات البحرية والجنود الأمريكيين هناك واليوم يرى كثير من المحللين والمراقبين الأمريكيين أن نفس القضية تنطبق على الواقع الميداني في أفغانستان؛ حيث تساوي الخسائر البشرية للقوات الأمريكية خسائرها في "هاواي".
وترتبط السيناريو الثاني بالطالبان الذي يعتبر خروج القوات الأجنبية الشرط الرئيسي لحضورها بمفاوضات السلام، لكن لايرى حاليا ضرورة للحضور بهذه المفاوضات في ظل المخطط الأمريكي لخروج قواتها من أفغانستان أملا منها في إستكمال عملية خروج القوات الأمريكية بأمر من "أوباما". والمشكلة الأخرى تتمثل بدعم القاعدة التي تعتبر قوة أجنبية أخرى بأفغانستان عن هذه الجماعة وبطبيعة الحال لم يطلب طالبان أبدا بخروج قوات القاعدة ولايخفى على أحد أن وجود داعش يعتبر أكثر خطورة من القاعدة.
ومن جهة أخرى، تصب الحرب في صالح طالبان فضلا عن الجماعات المسلحة الأجنبية؛ حيث تستفيد جماعة "حقاني" من هذه الصراعات على طول الحدود الباكستانية وتعيش معارضي الحكومة حياة رفاهية عبر تجارة المخدرات بالتعاون مع القادة المحليين بإقليم الشمالي بينما يعني السلام ربط الحزام الأمني بدءا بشمال الغربي للبلاد وتمكن القوات الأمنية من السيطرة على الوضع الميداني بهذه المنطقة مما يزيد خطورة إستتباب الأمن وحكم القانون بها ولاشك أن هذا الواقع ليس في صالح المهربين وتجار المخدرات رغم أنه ليس من المستبعد إستقواء الطالبان بالقوات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة للقتال ضد الجماعات التكفيرية الأجنبية.
والسيناريو الثالث والاخير ترتبط بالحكومة الأفغانية نفسها التي تعاني من الصراعات الداخلية والحزبية في الداخل وتحمل فكرا يختلف عن الفكرة التي تسود بين القوات الأمريكية والحلف الأطلسي. ولاشك أن إحتمال إنهيار الحكومة ليس واردا حاليا، لكنها ستفقد السيطرة على مناطق تسكنها البشتون على طول حدود أفغانستان مع باكستان.
وقليل من يرى أن الحكومة قادرة على السيطرة على قطاع من بشتون يسكنون على الجهة الأفغانية من خط "ديورند" كما لاضمان على سيطرة باكستان على سكان الجانب الآخر من هذا الخط الحدودي وكثير من يرى أن الوضع لايختلف بعد التوقيع على إتفاقية السلام إلا تغييرا بسيطا بمستوى تبادل النيران وتجد الحكومة نفسها في القتال ضد القوات الأجنبية جنبا على جنب الطالبان.
هذا الوضع الذي يواجهه الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" الذي كان يفكر جديا في وضع النهاية لحضور القوات الأمريكية بأفغانستان ووعد به خلال الإنتخابات الرئاسية، لكن لم يستطع الوفاء به وإذا قام حاليا بسحب القوات الأمريكية بعدد أقل مما تخطط لها البنتاغون فسيترك سجلا سلبيا بعده، بينما لم يخسر شيئا إذا تراوح قضية تواجد القوات الأمريكية بأفغانستان وعددهم مكانها ويمكن لأوباما أن يعتبره مكسبا لنفسه.