الوقت- منذ أن اتجهت المملكة العربية السعودية نحو بیع النفط بأسعار رخصیة وذلك في إجراء غير تقليدي، دخلت أسعار النفط في الأسواق العالمية في اتجاه نزولي، وفقدت أكثر من 30 في المئة من قيمتها مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي . وقد تسارعت هذه العملية بعد إبقاء أوبك علی سقف إنتاجها من النفط (والتي جاءت مرة أخرى بسبب معارضة المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى في الخليج الفارسي مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة)، وهي تقترب من سعر 60 دولاراً للبرميل الواحد.
في هذه الأثناء، تتذرع المملكة العربية السعودية لتبرير مواقفها بالحفاظ علی مکانة أوبك أمام إنتاج النفط الصخري أو الشیست من جانب الولايات المتحدة، ولكن في الوقت نفسه هنالك العديد من الأسباب والعوامل التي تثبت عکس ذلك وتدل على أن المملكة العربية السعودية تستخدم النفط الرخيص كسلاح لها.
أسباب ومؤشرات لجوء المملكة العربية السعودية إلى سلاح النفط
إن أحد الأسباب والمؤشرات الواضحة في هذا المجال هو أن المملكة العربية السعودية ومن دون أن تستشیر أوبك وتبادل وجهات النظر مع الأعضاء الآخرين فیها، اتجهت نحو بیع النفط بأسعار رخصیة من جانب واحد، ومن خلال إزالة الاستقرار في أسواق النفط العالمية لعدة سنوات، أسست الاتجاه النزولي في أسعار النفط.
والجدير بالملاحظة في هذا السياق هو أن جميع التقارير والإحصاءات التي کانت تنشر حول وضع احتياجات الاقتصاد والطاقة العالمية في تلك الفترة، لم تبرر للمحللین في مجال الطاقة والسوق بیع النفط الرخيص للحفاظ على الزبائن. وبالتالي فإن لجوء السعودية إلى بیع النفط بأسعار رخیصة كان غير متوقع لمحللي سوق الطاقة أیضاً.
کما أن المملکة قد لجأت إلی استخدام بیع النفط الرخيص بعد الإعلان عن ما يسمى بتحالف "مكافحة داعش" مباشرة، وکان هذا القرب الزمني بحیث أوحی هذا الانطباع بأنه يبدو أن اللجوء إلی حرب النفط کان جزءاً من الأهداف غیرالمعلنة للحرب التجاریة التي یشنها أعضاء هذا الائتلاف ضد منافسيهم الإقليميين والدوليين تحت غطاء التصدي لتنظیم داعش.
ومن هذه الرؤیة فإن الائتلاف الدولي ضد داعش هو استنساخ لما سمي بائتلاف أصدقاء سوريا وذلك بعد ظهور داعش، وقد تشکل هذا الائتلاف للتعويض عن الإخفاقات وإصلاح العيوب التي لحقت بالائتلاف السابق. ونظراً إلی أن تحالف ما يسمى بأصدقاء سوريا کان یستهدف النظام السياسي لهذا البلد وحلفائه الإقليميين والدوليين، فلیس مستبعداً أن یستهدف ائتلاف مكافحة داعش خاصة في أهدافها غير المعلنة، الهدف النفسه وبطرق جديدة، ومن هذا المنظور فإن سلاح النفط يستهدف القدرة الاقتصادية للجهات الدولية والإقليمية الداعمة لسوريا.
وبالطبع هذا لا يعني تجاهل التهديد الذي یشکله داعش للتحالف الدولي ضد داعش، ولکنه تأکید على أن التحالف وفي إطار الهدف المعلن، أي محاربة داعش والتکفیریین، قد وضع أهداف سياسة أخرى یسعی إلی تحقیقها بالتوازي مع الهدف المعلن وتحت ستار محاربة داعش.
وبغض النظر عن کل ذلك، فقد لجأت المملكة العربية السعودية إلی سلاح النفط بعد أن استخدمت کل أوراقها السياسية والأمنية، وفي الواقع السلاح الوحيد الذي بقي لدیها كان سلاح النفط.
وعلى الرغم من أن هذا السلاح هو بمثابة سيف ذو حدين، والمملكة العربية السعودية نفسها باعتبارها أول منتج للنفط في منظمة أوبك، ستتأثر سلباً من انخفاض الأسعار أیضاً، ولكن بشكل عام ونظراً لفائض احتياطي النقد الأجنبي في المملكة العربية السعودية وقلة احتیاجاتها بالمقارنة مع دول مثل روسيا (التي وضعت ميزانيتها علی أساس مائة دولار للبرميل الواحد) فإن ضغوط انخفاض الأسعار على روسيا ستكون أعلى بکثیر بالقیاس إلی المملكة العربية السعودية.
المملكة العربية السعودية خادمة أوبك أو المستهلكين الغربيین؟
وعلى الرغم من أن السلطات السعودية لتبرير بیع النفط بأسعار رخيصة تلجأ إلی القول بأنها ستمنع من تحويل النفط الصخري الأمیرکي إلی منافس لأوبك، وتحاول بالتالي جر الدول المنتجة الأخرى في أوبك إلی جانبها، ولكن الواقع هو أن النهج الحالي للمملكة العربية السعودية یلحق الضرر بأعضاء أوبك ومنتجي النفط الآخرين في العالم أکثر من النفط الصخري الأمیرکي.
لأنه إذا کان النفط الصخري الأمیرکي قادراً علی التنافس مع أوبك في المستقبل، ولكن بیع النفط الرخیص من قبل المملكة العربية السعودية قد ألحق خسائر بمليارات الدولارات لمنتجي النفط في العالم من الآن. وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن تكلفة إنتاج النفط الصخري الأمیرکي تصل إلی أكثر من 70 دولاراً للبرميل الواحد، لذا فإن إنتاج هذا النفط یمکن أن یکون معقولاً من الناحیة الاقتصادیة في حال بقاء أسعار النفط في حدود 100 دولار للبرميل الواحد، وکان هذا الوضع مثالیاً لمنتجي أوبك وخارج أوبك. ولذلك لا یوجد أي تعارض بين النفط الصخري ونفط أوبك لکي تضطر المملكة العربية السعودية إلی التصدي له کما تزعم.
وفي المقابل تشير جميع الدراسات إلى أن انخفاض أسعار النفط سیجلب مصالح كبيرة للمستهلكين ولا سيما في الغرب. ورداً على أن انخفاض أسعار النفط یعود بالنفع على أيّ جهة ، كتبت وكالة فرانس برس في تقرير لها : « إن انخفاض أسعار النفط ینقل ثروة البلدان المنتجة للنفط إلى الدول المستهلكة التي تعتبر الأوزان الثقيلة في الاقتصاد العالمي، أي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين. ومع انخفاض أسعار النفط ، فإن الشركات ستزید (أنشطتها) الهامشیة، وستزداد قدرة المستهلكين الشرائية» .
فعلى سبيل المثال، وصل سعر الوقود في محطات الوقود في فرنسا إلی أدنى مستوى له خلال السنوات الأربع الماضية تقريباً. ووفقاً للخبير الاقتصادي في شركة ناتيكسيس للخدمات المالية باتريك أرتو، يمكن لمنطقة اليورو أن تستفيد من الأثر الإيجابي لانخفاض قيمة اليورو على الصادرات، دون أن تتضرر من زيادة أسعار الواردات، وأن تأمل جراء ذلك زیادة ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 0/5 وذلك في غضون سنتين.
ویشیر معهد کوروکومانس إلى أن ميزانية الطاقة في فرنسا قد انخفضت في عام 2014 بنسبة 5 مليار يورو على الأقل، ويقول: "إن قطاع الصناعة یحصل علی الفائدة الرئيسية لتراجع أسعار النفط، وتصل هذه الفائدة إلی 2 مليار يورو، حیث یزید هذا المبلغ علی سیاسة "الدفع في شكل إعفاءات ضريبية على القدرة التنافسية وفرص العمل"، والتي تشکل استراتيجية الحكومة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
وحسب تقييم عالم الاقتصاد في شرکة إي.بي.إن آمرو الهولندية للخدمات المالية والمصرفية نيك کاني، فإن التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار النفط علی الدول المنتجة، سیزید الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0/7 في المئة. وتقدّم صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في مقال لها تحليلاً مماثلاً، وتقول: "إن تخفيض أسعار الطاقة مع خلال لعب دور مماثل لدور خفض ضريبة الدخل والضرائب المفروضة على المستهلکین، سیساعد الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأخرى المستوردة للنفط، بما فيها الاقتصاد الصیني.
ووفقاً لمدير قسم المستشارين الاقتصاديين في مؤسسة "ناروف ايكونوميكس ادفايسورز" للاستشارات الاقتصادية، وهي من مؤسسات التنبؤ الاقتصادي في هولندا، السید جوئل ناروف فإن "المشاكل في أوروبا هي أبعد من النفط". ویضیف: " کلما أصبح الوضع أفضل في الولايات المتحدة فإن الوضع في أوروبا سیصبح أفضل أیضاً". ثم یتابع: لذلك هل نحن نرغب أن يكون سعر النفط 70 دولاراً بدلاً من 100 دولاراً للبرميل الواحد؟ والجواب هو إيجابي بالتأكيد وأوروبا سترحب بذلك.
وقد قدّر خبراء الاقتصاد في معهد أكسفورد أکونوميکس في تقرير لهم أنه إذا کانت أسعار النفط في العامين المقبلين حوالي 60 دولاراً، فهذا سيؤدي إلى تقدم كبير في النمو الاقتصادي لمعظم الاقتصادات العالمیة المتقدمة والناشئة. ویقولون إن النمو يمكن أن یزید في الصين بنسبة 0.4 في المئة، وأن یتجاوز في الولايات المتحدة الأرقام المتوقعة الحالية . کما يمكن أيضاً أن یؤدي انخفاض تكاليف الطاقة إلی زیادة النمو في أوروبا واليابان بين 0.1 إلی 0.2في المئة .
وکما یظهر من إذعان وسائل الإعلام والمحللین في الغرب سواء الأمیرکیین أو الأوروبیین، فإن انخفاض أسعار النفط الذي بدأ ببیع النفط بأسعار رخیصة من قبل المملکة العربیة السعودیة ومن جانب واحد، سیصب في صالح المستهلکین فحسب، وإن هذا البلد من خلال هذا الإجراء قد ألحق أضراراً بالدول المنتجة للنفط في العالم تصل إلی ملیارات الدولارات.
الاستنتاج
یتبین مما سبق أن المملكة العربية السعودية قد ضغطت باتجاه خفض أسعار النفط من خلال بیعها بأسعار رخصیة من جانب واحد، لأغراض سياسية وبسبب علاقاتها الخاصة مع البلدان الغربية المستهكة فحسب. وهذا الخفض خلافاً للمواقف المعلنة والمبررة للمملكة العربية السعودية، لم یکن مطلقاً للتصدي لمنتجي النفط الصخري. ونظراً إلی أن إنتاج النفط الصخري کان من بین خطط إدارة أوباما لتقليل الاعتماد على النفط المستورد، لذا فإن المملکة العربیة السعودیة في الوقت الحاضر حیث توسعت علاقاتها مع الولايات المتحدة وخاصة بعد تشكيل ما يسمى بالتحالف ضد داعش، لا يمكن أن تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة الأمیرکیة.
وبناءً علی ذلك، فإن احتمال أن یکون انخفاض أسعار النفط قد جری وفق خطة مدروسة وضعتها المملكة العربية السعودية وشركائها الغربيون، یتعزز أکثر فأکثر.
