الوقت- ثمة تطورات مثل لقاء وزير الخارجية السوري مع المسؤولين الروس، واستقالة وزير الدفاع الأمريكي وزیارة المسؤولین العراقيین إلى الدول المجاورة، تشیر إلی إیجاد توافق عام بشأن حل أزمة داعش، ولکن خلافات هذه الدول جعلت محاربة داعش تواجه قضایا مختلفة.
والنقاش حول محاربة داعش وتهديد هذا التنظیم ليس لأمن الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً بالنسبة للأمن العالمي ، هو موضع توافق الدول الغربية والإقليمية. ولهذا السبب فإن الجهود لمكافحة هذا التنظیم قد بدأت منذ وقت طويل .
والمشكلة الأهم في هذا المجال هي الاختلاف في طریقة محاربة داعش وأهداف البلدان من هذه المحاربة. ولهذا السبب فقد حدثت هنالك فجوات بين ما يسمى بـ"التحالف الدولي ضد داعش" وخصوصاً بین أمريكا وتركيا.
والخلاف بين أمريكا وروسيا بشأن النظام السياسي في سوريا یعرض الجانب الآخر من الانقسام في صفوف معارضي داعش.
ومن ناحية أخرى، فإن ارتباط القضايا الإقلیمة الهامة الأخری بموضوع محاربة داعش قد زاد من خلافات البلدان، وأثر ذلك على وسائل محاربة هذه الجماعة الإرهابیة التكفيرية ، وأدى إلی اختلاف بلدان المنطقة في وجهات النظر مع بعضها البعض.
وأبرز هذه القضايا، هي المحادثات النووية بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد. وتواجه هذه المحادثات معارضة قوية من بعض الدول وخاصة المملكة العربية السعودية. ولهذا السبب یمارس هذا البلد الكثير من الضغوط علی الدول الغربية لمنع تثبیت دورة الوقود النووي في إيران. ويمكن وضع زیارة وزير الخارجية السعودي"سعود الفيصل" إلی فيينا خلال الاجتماع الأخير بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد في هذا السیاق أیضاً. وقد أدی ذلك إلی تصعيد الخلاف بین المملكة العربية السعودية وإيران فیما یتعلق بمحاربة تنظیم داعش.
وينبغي أيضاً أن نضیف الفجوات الموجودة بین الدول الإقلیمیة إلی هذه القضايا أیضاً. فالفجوة بین تركيا - قطر والسعودية - مصر حول قضیة الإخوان المسلمین، والفجوة بین السعودية وإيران في ملفات سوريا والعراق ولبنان واليمن، والاختلاف في وجهات النظر بین تركيا وإيران حول الموضوع السوري و ... هي بعض هذه الفجوات.
وهذه الاختلافات المتعددة الطبقات بين بلدان الشرق الأوسط، والدول خارج الشرق الأوسط (الغرب وروسيا) وبین بعض دول المنطقة وأمريكا، قد جعلت موضوع محاربة داعش معقداً أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب وکما قال وزیر الخارجیة السوري "وليد المعلم" في السابع من ديسمبر في مقابلة مع قناة "المنار" اللبنانیة، إن قوات التحالف لم تنجح في قتال داعش مطلقاً.
وتشير بعض الأدلة إلى أن الدول المنخرطة في أزمة داعش، قد شعرت بهذه الإخفاقات والقصور وهي تعمل علی تطوير سبل مكافحة هذه المجموعة ومراجعة استراتيجياتها في هذا المجال.
ویمکن اعتبار استقالة وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هاغل" أحد أهم هذه الأدلة. حیث کان هاغل أحد الجمهوريين القلیلین في إدارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" ومن منتقدي استراتيجيته في سوريا، وکان أحد الداعین إلی استراتيجية القتال المباشر مع النظام السياسي في سوريا بالتزامن مع قتال داعش. والعدید من المحللین یرون أن استقالة هاغل کانت نتیجة خلافاته مع أوباما.
والقضیة الأخرى في هذا السیاق هي زيارة وليد المعلم لروسيا. وقبل هذه الزيارة، قدّم الممثل الخاص للأمين العام دي میستورا خطة لإنهاء المعارك في سوريا، حیث بناء على هذه الخطة سيتم إقرار وقف إطلاق النار في بعض المناطق بما في ذلك ریف دمشق وحلب، وسیبدأ الحوار السوري السوري.
ويبدو أن هذه الخطة هي أكثر حظاً من الخطط السابقة ويمكن أن تشکل أساساً لحل الأزمة السوریة عبر الاعتماد على العناصر السوریة وتبني الحل السياسي.
ويمكن أيضاً أن تکون زیارة المسؤولين العراقيين إلى دول في المنطقة جزءاً آخر من هذه الأدلة، حیث زار الرئيس العراقي "فؤاد معصوم" إيران والمملكة العربية السعودية منذ وقت ليس ببعيد. وقبل ذلك زار وزير الخارجية العراقي "إبراهيم الجعفري" تركيا لیضع الترتیبات لزیارة المعصوم إلی هذا البلد.
وقد ذهب نائب الرئيس العراقي السید "نوري المالكي" في الثامن من ديسمبر إلى لبنان، وتشير الدلائل إلى أن الهدف الأهم من هذه الزیارات، هو زيادة التنسيق بین بلدان المنطقة لمكافحة داعش.
ولذلك يبدو أنه مع زيادة عدم الاستقرار الناجم عن وجود داعش في الشرق الأوسط، فإن هنالك جهوداً واسعة ستبذل قریباً لمزيد من التنسيق لمكافحة هذه المجموعة الإرهابية وحل الأزمات الإقليمية.
والآن بالنسبة إلی سؤال "هل سیسود السلام في الشرق الأوسط ؟" فلا نستطیع أن نعطي إجابة واضحة علیه في الوضع الحالي.
وإلى جانب الجهود الواسعة النطاق التي تبذلها البلدان المعنية بأزمات الشرق الأوسط لحل معضلة داعش، لکن هناك أدلة تشیر إلی استمرار النزاعات والصراعات الإقليمية.
ومحاولة دول مجلس تعاون الخليج الفارسي لإنشاء مركز عمليات مشتركة من خلال تشکیل قوات برية وبحریة وجویة، هي جزء من العمليات التي يمكن أن تفاقم المقاربة الأمنية لدول المنطقة حیال القضايا المرتقبة؛ الأمر الذي سيساهم في مضافعة التوترات الموجودة.
وإن الطموحات غیرالشرعیة للکیان الصهيوني في الأراضي المحتلة وجرائمه المستمرة، مازالت تشکل مسألة لم تحل بعد، وهي تعتبر أساس العدید من أزمات هذه المنطقة.
کما أن جهود الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الإقليمي في الشرق الأوسط، لهي دليل آخر يوحي بأن هذه المنطقة یجب علیها أن تواجه حتى سنوات لاحقة حالة عدم الاستقرار الناجمة عن إضفاء الطابع الأمني علی القضايا من قبل دول خارج منطقة الشرق الأوسط.
فإذن في ضوء هذه الثغرات والاختلافات في وجهات النظر، یجب أن نتوقع استمرار حضور داعش في الشرق الأوسط، وتزاید عدم الاستقرار في هذه المنطقة، إلا إذا لم تترك اشتراك المصالح ووحدة الإجراءات للاعبين الرئيسيين في هذه المنطقة، مجالاً لنشاط الجماعات المتطرفة.