الوقت- 24 کانون الثاني 2012 تاریخ یکاد الکثیر لا يعلم دلالاته، و اخرون لم یسمعوا به اصلا، فیما یعتبر تاریخ ثورة "مجیدة" عند البعض الاخر. هذا التاریخ ظهر فیه مرض جدید تفشی سریعا في اعضاء الجسد الاسلامي، فقد عانی الیوم المذکور من اصابته بمرض عضال عرف بـ"جبهة النصرة" ، لم تجد له المستشفیات السیاسیة دواء یزیل معانات الخاصرة السوریة منه. تشکلت "جبهة النصرة" باعلان " رسمي" من الارهابي ابو محمد الجولاني بحجة " نصرة اهل الشام". و تطورت الاحداث لیصبح "جهاده" ارهابا یقتل فیه الابریاء وتذبح فیه الاطفال و الهدف دائما "الروافض". فکیف استطاعت "جبهة النصرة" خوض معرکتها علی الجبهة الشیعیة ؟ و هل یبصر ارهابها النور علی تلک الجبهة؟
لا یخفی علی احد ان سوریا هي الخط الامامي لجبهة الحرب العربیة الاسلامیة ضد الکیان الصهیوني وان ثقافة و وعي المجتمع السوري کبیرة الى درجة ترحیبها بالاعتصامات السلمیة، ولهذا نرى ان العدید من عناصر "جبهة النصرة" ليس من السوریین، بل من الاجانب و الاتراک و الاردنیین و غیرهم.
و لاشک ان جبهة النصرة هي امتداد لتنظیم القاعدة، خاصة بعدما دعا زعیم التنظیم ایمن الظواهری السلفیین الى التوجه لسوریا. وقد کشف اتحاد العناصر التنظیمیة و الفردیة و الدولیة تبعیة جبهة النصرة للقاعدة، لکن بیعة الجولاني زعیم الجبهة لایمن الظواهری بدد جمیع الشکوک بشان تبعیة هذه الجماعة لتنظیم القاعدة الارهابي. و بما ان جبهة النصرة هي تابع لتنظیم القاعدة فانها تماثلها من حیث القیادة التنظیمیة، فهناک زعیمان على راس الجماعة زعیم سیاسي والاخر مذهبي. مهمة الزعیم المذهبي الذي یطلق علیه اسم الشیخ هي توجیه العناصر السلفیة والتعلیمات الدینیة وهو حالیا السعودي الجنسیة ابومصعب القحطاني. اما مهمة الزعیم السیاسي المتمثلة بـ"الجولاني" فتتمثل في اصدار التعلیمات الامنیة والعسکریة وقیادة التنظیم.
ویرى المحللون السیاسیون ان "جبهة النصرة" فقدت الکثیر من قدراتها في العملیات المیدانیة، ولذلک اعلنت البیعة لتنظیم القاعدة بهدف رفع معنویات عناصرها، لکن معرکة القصیر افشلت هذا المخطط .فمدینة القصیر التي تربط بین محافظة حمص ولبنان کانت من اهم ممرات امداد "جبهة النصرة" بالسلاح والمؤونة، ولذلک فان فقدان هذه المدینة المحصنة من قبل "جبهة النصرة" ادى الى قلب الموازین العسکریة ضدها في العملیات المیدانیة.
فبعد ان کانت جبهة النصرة تسیطر علی اکبر الجبهات فی مدینة حلب، اعلنت و بشکل مفاجئ انسحابها من جمیع مناطق و جبهات المدینة، و بررت حینها الانسحاب بسبب الخسائر الکبیرة في العتاد و المقاتلین والذخیرة فقد زاد عدد القتلی ضمن التنظیم الارهابي عن 1500 مقاتل ولم تعد الجبهة تستطیع تغطیة النفقات. ولکن فیما بعد بدات النصرة تشعر بالعزلة و الخطر الکبیر الذي یحدق بها، مما دفعها الی تجمیع مقاتلیها و البدء بانشاء بقعة جغرافیة خاصة بها، واستطاعت بعد معرکتها مع جبهة ثوار سوریا، من السیطرة علی کثیر من مستودعات الاسلحة والاموال.
وتمتلک جبهة النصرة الیوم خطة للتوسیع و العودة الی حلب، لیس للقتال ضد النظام السوري و اخراجه من مناطق سیطرته و انما للسیطرة علی المناطق الشیعیة فیها، بما ان الحرب الاساسیة لارهاب "جبهة النصرة" في سوریا یتجه نحو "الروافض". و علی ضوء هذا الطمع کان لا بد من فتح معرکة نبل والزهراء، لتتجلی بذلک المعرکة الاساسیة مدعومة من ترکیا ضد الشعب السوري في تلک المناطق. و یعتبر المحلل السوري "سلیم حربا" ان الهدف من تحریک جبهة النصرة في سوریا هو ضرب المناطق الشیعیة فيها. و اضاف:" ان الهدف الاساسي من معارک جبهة النصرة علی المناطق الشیعیة هو منع تقدم الجیش السوري في مناطق حلب و اللیرمون".
ولطالما اعتمدت جبهة النصرة، منذ ظهورها في سوريا في مطلع عام 2012، على الحدود السورية مع جنوب تركيا لنقل مقاتلين أجانب إلى ساحة المعركة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. فاصبحت تركيا ممرًا رئيسًا لتدفق المقاتلين والسلاح والمعونات اللوجستية لمقاتلي جبهة النصرة.
ورغم محاولات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في وقت سابق التاکید علی ان تركيا لا تؤوي مقاتلين مرتبطين بـتنظيم القاعدة بل تقاتلهم، مشيرا الى أن الجيش التركي شدد القيود على طول المنطقة الحدودية مع سوريا الممتدة على طول 900 كيلومترا. لكن تظهر الجهود التركية جلیة لدعم الارهاب المسلح في سوریا، ورغبتها برؤية تغيير في النظام الحاكم فيها، وذلک عبر إعلانها هذا الموقف على الملأ، ومطالبتها بتوجيه ضربة أمريكية عسكرية على سوريا، لإضعاف النظام السوري، هذا ما اکده کلام وزارة الداخلية التركية ان نحو 500 مواطن تركي عبروا الحدود التي تفصل بين بلدهم وسوريا للقتال في صفوف الجماعات المسلحة الارهابیة المقربة من تنظيم القاعدة وذات الفكر السلفي التكفيري، المتمثلة بـ"جبهة النصرة". واعترفت الوزارة في تقرير نشرته صحف تركية عدة أن "بعض هؤلاء تلقوا تدريبات في معسكرات القاعدة في باكستان وأفغانستان".
و بحسب المحلل السوري "سلیم حربا" فان جبهة النصرة تعتبر الید الیمنی لنظام اردوغان في سوریا ویضیف : "عندما وجدت انقرة ان المعارضین السوریین لم یستطیعوا تحقیق اي هدف علی الصعید السیاسي و العسرکي صنعت ما یعرف بالنصرة للتوصل الی جزء من اهدافها في المنطقة".
ما لم تدرکه جبهة النصرة في معرکتها هذه هو انها وسعت الباب امام النظام لیقوم باستقطاب عدد کبیر و غیر مسبوق للمقاتلین الشیعة، فتعتبر اللجان الشعبیة السوریة الیوم القوة الضاربة في مواجهة المشروع الترکي الارهابي، و تظهر یوما بعد یوم قدرتها علی التصدي لاي اعتداء جديد تشنه "جبهة النصرة" و الجماعات المسلحة المتحالفة معها في مناطق نبل و الزهراءو غیرها. فلا جدوی اذن من هذه المعارک، وما تسعی الیه ترکیا سینقلب راسا علی عقب ، بسواعد عرفت کیف تخضع الارهاب، لتدمر کل المحاولات العابثة بامنها واستقرارها...