الوقت - نقلت صحيفة الجمهورية اللبنانية عن "مصادر أمنية مطلعة" أن وفداً من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" يقوم بزيارة اليوم الإثنين إلى دمشق عبر الأراضي اللبنانية، وصرحت هذه المصادر بأن الزيارة تأتي بهدف التنسيق الأمني المباشر بين الولايات المتحدة وسوريا في مجال مكافحة الارهاب.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد أن آيست من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بدأت تجني ثمار دعمها للجماعات الارهابية المسلحة بهدف اسقاط النظام السوري، فبشار الأسد لم يسقط، أما الارهاب فقد امتدت نيرانه لتصل إلى أطراف الثوب الأمريكي. حيث شكل تمدد داعش السريع صدمة لأمريكا، جعلتها تعيد حساباتها في مواقفها السابقة حرصاً على مصالحها في المنطقة.
لا يخفى الدور الذي لعبته أمريكا في دعم هذه الجماعات في سوريا ومدهم بالمال والسلاح، حيث اعترف مسؤولون قطرييون بأن الدعم الذي قدمته قطر للمعارضة المسلحة في سوريا إنما جاء بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وهذا ما أكده معارضون سوريون في وقت سابق حيث صرحوا بأن توزيع السلاح انحصر في كثير من الأحيان بشخصيات سورية معارضة مقربة من واشنطن. إلا أن مارد الارهاب الذي عولت عليه واشنطن لإسقاط النظام السوري خرج عن السيطرة، وبدأ يشكل مصدر قلق حقيقي للولايات المتحدة الأمريكية ويبدو هذا جلياً في تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي أدلى بها لقناة سي.بي.اس. التلفزيونية والتي اعترف من خلالها بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد استخفت بنشاط تنظيم داعش في سوريا.
كما أن هنالك تخبط ملحوظ لدى الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الجماعات وبالخصوص جبهة النصرة، ففي الوقت الذي تحظى هذه الجماعة المسلحة بدعم الولايات المتحدة وحلفائها، قامت الطائرات الأمريكية منذ عدة أسابيع بقصف مواقع لجبهة النصرة قرب الحدود التركية مع مدينة ادلب بهدف تخفيف الضغط على الفصائل المسلحة الحليفة لواشنطن، ومنع سقوط المزيد من معاقلهم بالقرب من الحدود التركية في ريف إدلب.
ونشير هنا للتصريحات التي أدلى بها جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" في أفادته أمام لجنة المخابرات في الكونغرس الأمريكي، إذ قال بأن القلق يساور الوكالة من أن تتحول سوريا إلى منصة انطلاق لشن أعمال ارهابية ضد أهداف أمريكية وغربية، محذراً من خطر عودة المقاتلين المسلحين الأمريكيين الأصل أو السوريين الحاملين للجنسية الأمريكية إلى أراضيها بعد أن تلقوا مراناً عملياً على العنف والارهاب في سوريا.
هذه الظروف جعلت أمريكا مضطرة لقرع أبواب دمشق طلباً للعون، فسوريا وبعد ثلاث سنوات من مواجهة اعتى المجموعات الارهابية تحولت إلى بنك هام للمعلومات الاستخباراتية حول هذه التنظيمات، كما اكتسبت خبرة واسعة في مجال مواجهة هذه الجماعات. وفي النهاية رضخت أمريكا لحقيقة أنه لا يمكن دحر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي دون مساعدة النظام السوري.
وتتكتم أمريكا عادة عن نشر أخبار تعاونها الأمني مع سوريا في وسائل الاعلام، تفادياً لإثارة غضب حلفائها الذين يجدون في تعاونها مع دمشق تراجعاً عن هدف اسقاط النظام السوري، إلا أن الوقائع تشير إلى وجود تنسيق أمني حقيقي مع سوريا من خلف الستار، فقد نقلت صحيفة السفير في وقت سابق عن مصدر سوري القول إن “المعلومات الأمريكية عن تحركات داعش وأرتالها سمحت في الأسابيع الماضية للجيش السوري بشن أكثر من 122 غارة على مواقعها في يوم واحد، وهو رقم قياسي للطيران الحربي السوري، كما مكّنت من مضاعفة الهجمات ضد مقارها وتجمعات قواتها، لا سيما في منطقة الرقة وحول مطار الطبقة وريف حلب الشمالي”. وذكرت الصحيفة أن العمليات السورية سمحت باحتواء هجمات داعش في المنطقة وعرقلة خطوط إمدادها نحو الغرب العراقي وتأخير هجومها على أربيل.
يبدو من خلال هذه الزيارة التي يقوم بها وفد المخابرات الأمريكية إلى سوريا، أن أمريكا انتقلت من مرحلة التنسيق الأمني عبر طرف ثالث إلى التنسيق المباشر، وهذا ناجم عن قناعة بأهمية التعاون مع دمشق لمواجهة المنظمات الارهابية.
لا شك بأن التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة وسوريا في مجال مكافحة الارهاب سيكون له أثر كبير في مواجهة هذه الظاهرة التي تتهدد المنطقة والعالم، والتي تجاوز خطرها سوريا ليمتد حتى للدول الصانعة لها، لكن هذا التنسيق مشروط بصدق نوايا الولايات المتحدة وجديتها وابتعادها عن سياسة الكيل بمكالين من خلال دعم هذه الجماعات في مكان ما وضربها في مكان آخر.