الوقت- رغم ان المؤتمر الذي تستضيفه طهران يومي 3 و 4 من شهر كانون الاول / ديسمبر لوزراء اعلام الدول الاسلامية ، سبقه تسعة مؤتمرات مماثلة ، الا ان الظروف الاستثنائية التي تمر بها الامة الاسلامية ، ضاعفت من اهمية مؤتمر طهران ، وكذلك ضاعفت من المسؤولية الملقاة على عاتق من يواجهون الحرب الاعلامية الضروس التي تُشن على المسلمين.
الدورات السابقة لمؤتمرات وزراء الاعلام في الدول الاسلامية ، كانت تعقد وهناك اجماع شبه تام بين وسائل الاعلام الاسلامية ، مهما اختلفت توجهاتها ومشاربها ، على هوية العدو الرئيسي للامة ، وعلى ضرورة واهمية الوحدة بين المسلمين ، وعلى طبيعة الاخطار والتحديات المحدقة بالامة ، وكيفية مواجهتها ، اما اليوم فانقلبت الامور راسا على عقب ، ولم يعد العدو هو ذلك المتربص بالبيت الاسلامي من الخارج يتحين الفرص للانقضاض عليه ، بل خرج العدو بين ظهراني المسلمين ، يرفع شعارهم ويحمل رايتهم ويزايد عليهم في دينهم ، فاختلق اعداء للمسلمين من بين المسلمين ، وحاول ويحاول شطب الصهاينة ، مغتصبي اقدس مقدسات المسلمين والمتربصين بالامة الدوائر ، من ذاكرة الانسان المسلم ، وعاث في المجتمعات الاسلامية فسادا ، فالتبس الامر على الكثيرين ، بعد ان اعطب بوصلتهم ، التي تشير في كل لحظة الى جهة ما بانها العدو الجديد ، فيتقاتل المسلمون ، وتُسفك دماؤهم ، وتُهدم بيوتهم ، وتُتشتت مجتماعتهم ، وتُتفكك دولهم.
ان تراجع اهمية القضية الفلسطينية وحتى تراجع اهمية المسجد الاقصى والمقدسات الاسلامية في فلسطين المحتلة وفي سوريا والعراق وباقي الدول الاسلامية الاخرى ، الى قعر سلم اولويات الانسان المسلم ، مرده حالة التيه التي يعيشها هذا الانسان الذي يتعرض ليل نهار ، لقصف اعلامي لا يرحم ، افقده توازنه ، واصبح كالمشلول تقوده الاحقاد والعصبية والطائفية الى حيث تريد ، دون ادنى مقاومة او تردد ، فهذا الانسان الذي كانت تثور دماء الغيرة الاسلامية في عروقه لمجرد رؤيته طفلا فلسطينيا يُقتل على يد الصهاينة ، او بمجرد ان يتناهى الى مسامعه ان المسجد الاقصى في خطر ، اما اليوم تبخرت غيرته وتيبست كرامته ، فلا حركة تصدر عن جوارحه وهو يرى بام عينه قوات الاحتلال الصهيوني والمستوطنين الصهاينة يدنسون المسجد الاقصى ويعلنون صراحة عن نيتهم هدمه ، وهو موقف يشبه موقفه من اعلان الصهاينة ان "اسرائيل دولة يهودية" ، فهو اعلان يعتبر مقدمة لطرد ما تبقى من الفلسطينيين من ارض ابائهم واجدادهم.
عندما يكون هذا هو موقف الانسان المسلم المعطوب البوصلة من اقدس مقدساته ، فان موقفه من قضايا دون ذلك كالوطن والمواطنة والاخوة الاسلامية والمراة والحياة والاخر بشكل عام ، سيكون كوارثيا ، كما هو حال المسلمين اليوم ، حيث تُباع المراة والطفل بالاسواق ، وتُذبح الشباب ، وتُمثل بالجثث ، وتؤكل احشاء البشر ، وتُحز الاعناق بهدف التلذذ ، ويُصلب الناس احياء وامواتا ، وتُقطع الاطراف ، وتُفجر الجوامع والمساجد والحسينيات والتكايا والكنائس والجامعات والمدارس ورياض الاطفال والمستشفيات والمعامل والمقاهي والمطاعم ، على رؤوس من فيها ، والملفت ان كل هذه الجرائم تنفذ على صيحات الله اكبر ولله الحمد ، والملفت ايضا ان كل ضحايا هذه المجازر هم مسلمون يشهدون الا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) ، ومؤمنون بالله ورسله وكتبه وملائكته وبيوم الحساب وبالجنة والنار.
التشويه لم يطل الحياة والدين والانسان اثر هبوب الريح الطائفية الصفراء ، بل شمل التاريخ والحضارة والتراث والثقافة ، فازيلت معالم الحضارات من اساسها في العراق وسوريا وليبيا ومالي وافغانستان وباقي المناطق الاخرى في العالم الاسلامي ، وباسم الدين ايضا ، و فجرت ونبشت قبور لانبياء واولياء وصحابة ورموز دينية و وطنية وادبية وفنية ، بهدف تجريد الانسان المسلم من كل بعد تاريخي وثقافي ومعنوي يربطه بالارض والحضارة والدين ، وجعله هائما تائها لا جذر له ولا انتماء ، ولا لون له و لا امتداد ، خال من اي شعور انساني او ديني او وطني ، فيكون متقبلا لاي لون ولاي فكرة مهما كانت متطرفة ، فيتحول الى قوة مجردة للقتل والفتك والتدمير، ومن امثال هذا الانسان هم اعضاء وانصار "داعش" و"النصرة" وباقي المجموعات التكفيرية.
هنا يطرح سؤال كبير وكبير جدا نفسه على الجميع ، وهو كيف يتحول الانسان الى مثل هذا النموذج العدمي ؟ ، ومن هي الجهة التي يصب في مصلحتها ان يتحول الانسان المسلم الى مثل هذا النموذج ؟، وكيف يمكن مقاومة عملية المسخ هذه و وقفها ؟، وكيف يمكن اصلاح ما دمره هذا الانسان والجهات التي تحركه؟.
السبب الرئيسي الذي ساهم في مسخ الانسان المسلم ، هو الاعلام الطائفي ، بشقيه التقليدي والحديث ، التقليدي ويتمثل بالمنابر والخطب والتجمعات والكتب والصحف والمجلات ، والحديث ويتمثل بالفضائيات والفضاء المجازي و وسائل الارتباط الحديثة الاخرى ، وابطال الاعلامين القديم والحديث هم علماء السوء والاعلاميون الماجورون والجهات المرتبطة بالصهيونية والغرب وامريكا ، فجميع هؤلاء انخرطوا في حلف غير مقدس هدفه فصل الانسان المسلم عن واقعه وبالتالي عن قضاياه المصيرية ، فانهارت بسبب ذلك منظومته المعرفية ، وتكدست في داخله القضايا الثانوية مع القضايا الاولية ، واختلط المهم بالتافه ، والاهم بعديم الجدوى.
عملية غسل الدماغ التي تعرض لها الانسان المسلم ، لم تحدث في ليلة وضحاها ، ولا بصورة سلسة وبسيطة ، بل اُنفقت عليها مليارات الدولارات ، وعلى مدى عشرات السنين ، وجندت لها امكانيات ضخمة ، تحولت جميعها الى معاول تنهش في روح وعقل الانسان المسلم ، في غياب شبه كامل للصوت الاسلامي الاصيل المتمثل بالنخب الدينية والفكرية والاعلامية ، الذين تركوا الساحة ليزعق فيها الصوت الطائفي المشبوه ، بدعم وتحريض من الصهيونية العالمية ، التي وجدت في هذا الصوت التكفيري ، انجع وسيلة لزرع الضد النوعي في المجتمعات الاسلامية ، وهو ضد ينخر بالمجتمع الذي يصاب به ، كما تنخر الارضة بالخشب.
الاعلام الغربي ، لم يقف مكتوف الايدي ، بل تدخل وبقوة في صياغة هذا الضد النوعي ، المتمثل ب"الاسلام" التكفيري الطائفي المتزمت والمتخلف ، للضرب به على الاسلام الحقيقي المنفتح والمتسامح ، بعد ان عجز الغرب على مدى عقود طويلة ، عن الحاق الهزيمة بارادة الانسان المسلم منذ الغزو الاستعماري للبلدان الاسلامية ، وحتى بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم الاسلامي ، والمتابع للاعلام الغربي اليوم ، يتلمس وبسهولة التاثير الواضح لهذا الاعلام على الانسان المسلم ، الذي بات يسبح في المجال المغنطيسي له، الذي يوجهه كيفما يريد ومتى ما يريد؟.
بالكلام والصور شوه ودمر ، الاعلام التكفيري الصهيوني الغربي ، الشخصية الاسلامية ، وسلاح الكلمة والصورة هو امضى اسلحة الاعلام بشكل عام ، لذا آن الاون للاعلاميين في الدول الاسلامية ان يخرجوا هذا السلاح من غمده ، وان يستخدموه بالشكل الذي يقلص من تاثير الاعلامي التكفيري الصهيوني الغربي على الانسان المسلم ، وان يعيد اليه توازنه ، ليصحح موقفه من قضايا الامة ، ويعيد ترتيب الاولويات كما كانت قبل انتشار وباء التكفير والطائفية في العالم الاسلامي.
ان مؤتمر وزراء الاعلام في الدول الاسلامية الذي تحتضنه طهران ، يعتبر فرصة ذهبية امام العالم الاسلامي للوصول الى رؤية شاملة في كيفية التصدي للاعلام التكفيري الصهيوني الغربي ، الذي يستهدف الشباب المسلم بقوة الكلمة والصورة ، فليس هناك من قوة يمكن ان تؤثر على الانسان كما تؤثر عليه الكلمة ، فالنخب الاعلامية اليوم في العالم الاسلامي مدعوة اكثر من اي وقت مضى ، الى عدم التقليل من قوة سلاح العدو ، والى عدم تكرار اخطاء الماضي في ترك الاعلام التكفيري الصهيوني الغربي ، يهيمن على الاثير ويلعب بعقول شبابنا كيفما شاء ، فنحن في وسط حرب اعلامية ضروس ، وقد ولى زمن الوقوف على الحياد ، اما ان نكون مع الاسلام والشعوب الاسلامية وقضاياها الحقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، ونخرج الكلمات من اغمادها ، ونشهرها على اعداء الامة من التكفيريين والصهاينة ، واما ان نواصل التفرج على ما يحدث ، بينما التكفيريون والصهاينة يأتون على ما تبقى من ديننا واوطاننا وتراثنا وشخصيتنا ، عندها سيأنفنا حتى الموت.
بقلم: ماجد حاتمي- شفقنا