الوقت- حرب وجود ومنافسة على ابرام التسويات المنفردة، هذا ما يمكن أن يوصف به الوضع في بلدة عرسال اللبنانية، اذ إندلعت يوم أمس إشتباكات عنيفة بين تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" في جرود عرسال من الجهتين اللبنانية والسورية توسعت رقعتها لتمشل كل مناطق الواقعة تحت سيطرة الفصيلين الارهابيين، مما استدعى تدخل محدود من الجيش اللبناني ليحل بعض نقاط الخلاف بين التنظيمين على طريقته.
أصل الحكاية والخلاف في جرود القلمون:
لا صوت يلعو على صوت الرصاص في كل بلدات البقاع الشمالي وخصوصا ضواحي عرسال، مشهد يلخص حال المنطقة الحدودية، اذ بقي الوضع المنفجر سيد الموقف بين داعش والنصرة.
خلافات جديدة لها أصل، تعود آخرها الى حوالي اسبوعين ماضيين، و بسبب خلافات على مناطق تقاسم النفوذ في المنطقة بين "داعش" و"النصرة" ، ورغبة التنظيمين في إقامة معسكرات قريبة من بعضهما، اشتعلت المنطقة الحدودية، بين رفاق السلاح الارهابي.
شرارة الخلافات هذه المرة انطلقت من جرد الجراجير – قارة حيث تحظى جبهة النصرة بثقل ليس بالقليل في الجزء القريب منشمال الشرقي من جرود عرسال، ورفضت النصرة تسليم المنطقة إلى داعش سابقاً بحكم تقسيم مناطق السيطرة بينهما بعد تراجع النصرة من جرود القلمون وتوجهها نحو جرود عرسال.
فأبو مالك التلي أمير النصرة في القلمون رفض تقدم تنظيم داعش نحو أماكن نفوذه، فشن هجوما نحو نقاط التنظيم انطلاقا من جرود الجراجير السورية نحو جرود عرسال، ما ادى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.
الى ذلك اثار قيام جبهة النصرة بتجنيد شبان من بلدة عرسال بينهم بعض اللبنانيين والبقية من السوريين الذين كانوا في المخيمات غضب تنظيم داعش ودفع الآخير إلى إقامة حواجز تضيق على حركة جبهة النصرة في المنطقة.
سير المعارك في الجرود:
بعد أن ابتدأت النصرة بالهجوم المباغت، استعاد تنظيم داعش زمام الأمور بالرغم من طبيعة المنطقة الجبلية والعوامل الجوية القاسية، وشن هجوم مضاد على النصرة، استعادة من خلاله مواقعه في مرتفع قلعة الحصن وسهل عجرم والمخيم العسكري ومنطقة الملاهي في شرق بلدة عرسال، في حين تمكن داعش من أسر عناصر من النصرة ونقلهم إلى مراكزه الخلفية، لتدخل مواقع ونقاط في الزمراني، وادي ميرا، جرود فليطا ـ الجراجير في القلمون، خط النار، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة، مما اضطر مسؤول جبهة النصرة في القلمون ابو مالك التلي الى الانسحاب من بعض المناطق لتعزيز أخرى.
وفي هذه الاثناء سارع تنظيم داعش الى تعزيز قواته، فقام بحشد عناصره من جرود راس بعلبك نحو جرود عرسال، مما استدعى دخول الجيش اللبناني على خط المواجهة، فقام الجيش اللبناني برصد التحركات الكثيفة للتنظيم واستهدفها بالمدفعية الثقيلة واسقط القتلى والجرحى في صفوفهم، حيث استهدفت مدفعية الجيش اللبناني التابعة للكتيبة 65 في اللواء السادس والمتمركزة في مرتفعات الطيبة بفعالية بالقصف المدفعي على داعش في جرود عرسال أيضا، وهي من المرات النادرة التي تشارك فيها تلك المدفعية، وذلك خشية من التقدم نحو مراكز الجيش في المنطقة الفاصلة بين بلدة عرسال وجرودها، فيما تحركت قوة كبيرة من الجيش اللبناني وإتجهت من ثكنة الشيخ عبداالله في بعلبك الى جرود عرسال وعلى متنها مدفعية وعناصر مقاتلة لدعم المراكز وتعزيزها، بعدما سيطرة داعش على مراكز متقدمة للنصرة مقابل مراكز الجيش اللبناني، وسط خشية من تقدم النصرة نحو بلدة عرسال.
وفي هذه الاثناء حاول عدد من عناصر تنظيم داعش التسلل من ناحية عرسال للتخفيف من نسبة خسائرهم، ومباغتت النصرة بهجوم خلفي انطلاقا من المواقع التي استردتها من ساعات من جبهة النصرة في سهل عجرم ومنطقة الملاهي، ولكن الجيش اللبناني كان حاضراً ايضاً و تصدى لها بغزارة نارية.
حزب الله هو الآخر لم يكن يكن بعيد عن مجريات الأمور وأن لم ينخرط فيها بشكل مباشر، حيث إنتشر مجاهدي المقاومة بكثافة في الجهة السورية مقابل مناطق الاشتباكات كما من الجهة اللبنانية من جهة يونين – نحلة خشية من تطور الامور الميدانية.
الوقوف على نتائج المعارك في عرسال وجرودها؟
يقول الخبير في الشؤون العسكرية د. أمين حطيط أنّ البنية الدفاعية والنارية والميدانية للبنان كافية للتصدي للخطر "الداعشي"، موضحاً أن الخطوة "الداعشية" رفعت نسبة الخطورة لأنها تمكنت من السيطرة على ثلاثة معابر جديدة بالإضافة الى المعبرين اللذين في حوزتها، وهو ما يرفع منسوب القلق، حيث استطاعت "داعش" أن تنتزع 25 الى 30 بالمئة من الأراضي التي تسيطر عليها "النصرة" في القلمون. الأمر الذي يجعل الخطر "الداعشي" يتقدّم من ذاك الاتي من "النصرة" من حيث قدرته على التوسع".
ويقول حطيط أن طموحات الولاية الداعشية في لبنان والتي تبدأ بحلم السيطرة على مساحة 10452 كلم، لينخفض السقف بالسعي لتأمين الجزء الواقع شمالي خط عرسال-طرابلس أو "أضعف الطموحات" عبر امتلاك السيطرة على ممر (بعرض 50 كلم) من عرسال باتجاه عكار نزولاً الى طرابلس. وفق حطيط الضربات التي تلقتها "النصرة" في سوريا ولبنان ضيّقت طموحات السيطرة لديها ليتقدم المشروع "الداعشي" في وجهها".