الوقت- فور الإعلان عن رفع الحظر الدولي المفروض على إيران طبقاً للإتفاق النووي المبرم بين طهران ومجموعة (5+1) في تموز/ يوليو 2015، أعلنت واشنطن أنها ستواصل فرض عقوبات اقتصادية على إيران على خلفية تطوير برنامجها للصواريخ البالیستية (البعيدة المدى)، فيما أكدت طهران أنها لن تفاوض على هذا البرنامج أو أي ملف أخر خارج إطار برنامج العمل المشترك الذي رکّز علی الملف النووي ولایشمل مجالات أخری.
وشمل قرار الحظر الأمريكي الجديد خمسة مواطنين إيرانيين و 11 شركة تدعي أن لها علاقة بتسهيل وصول مكونات الصواريخ البالستية لإيران.
وكانت طهران قد إختبرت مؤخراً وبنجاح الصاروخ بعيد المدى "عماد" الذي يعتبر أحدث جيل من الصواريخ الباليستية "أرض- أرض" المصنعة من قبل وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.
والتساؤل المطروح: لماذا فرضت أمريكا حظراً جديداً على إيران، وتحت أي ذريعة؟
الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب الإشارة إلى ما يلي:
1 – ترى أمريكا ان تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي البالیستي يشكل تهديداً لأمنها القومي ومصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة والعالم لاسيّما الكيان الإسرائيلي.
2 – تزعم أمريكا أن مواصلة إيران لتجاربها الصاروخية الباليستية يتعارض مع قرار مجلس الأمن 1929 الصادر بتاريخ 9 حزيران / يونيو 2010 والذي ألزم طهران بوقف هذه التجارب، متناسيةً أن قرار مجلس الأمن 2231 الذي صدر في تموز / يوليو 2015، أي بعد نحو 5 سنوات من صدور القرار السابق ألغى القيود التي وردت في هذا القرار وسمح لطهران بمواصلة تلك التجارب.
3 – سعت أمريكا من خلال قرارها فرض حظر جديد على إيران إلى كسب ودّ الكيان الإسرائيلي الذي وصف الإتفاق النووي بين طهران والسداسية الدولية بالسيء. وكان رئيس وزراء هذا الكيان "بنيامين نتنياهو" قد طلب ولعدّة مرات من واشنطن وحلفائها الغربيين خلال المفاوضات التي أفضت إلى الإتفاق النووي بإدراج بند في هذا الإتفاق يمنع إيران من مواصلة برنامجها الصاروخي البالیستي.
4 – تعتقد واشنطن أن تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي البالیستي يهدد مشاريعها الاستراتيجية في المنطقة، وتحديداً مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" لأنه سيضاعف من قدراتها العسكرية، ويرفع بالتالي من مستوى دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الأمريكي الآنف الذكر.
5 – تخشى واشنطن من تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي البالیستي على مستقبل حلفائها في المنطقة لاسيّما الكيان الإسرائيلي، خصوصاً وأنها تدرك جيداً مدى قدرة الصواريخ الإيرانية التي استفادت من تقنياتها قوى المقاومة لاسيّما حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة خلال العدوانين الإسرائيليين على جنوب لبنان في صيف عام 2006 وعلى قطاع غزة في صيف عام 2014.
6 – يعتقد الكثير من المراقبين أن قرار واشنطن فرض حظر جديد على إيران يهدف في الحقيقة إلى التقليل من أهمية الإنجاز التاريخي الذي حققته طهران بإبرامها الإتفاق النووي مع السداسية الدولية والذي مكّنها من إنتزاع حقها في إمتلاك التقنية النووية السلمية، ومهّد الأرضية لرفع الحظر المفروض عليها والذي إستمر لأكثر من عقد من الزمان.
7 – كانت أمريكا تتصور أن طهران ستخضع أمام إرادة الغرب فيما يتعلق بمواقفها إزاء قضايا المنطقة لاسيّما القضية الفلسطينية، لكنها أصيبت بخيبة أمل وذهبت أحلامها أدراج الرياح عندما أعلنت إيران على لسان قائد الثورة الاسلامية "آية الله السيد علي الخامنئي" أنها لن تساوم أحداً على مبادئها مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن. ولهذا قررت واشنطن فرض حظر جديد على إيران بحجة الصواريخ الباليستية كإجراء انتقامي أو "عقابي" ضد طهران.
ويعتقد المراقبون أن الإدارة الأمريكية بعدما فشلت في الضغط على طهران عبر الحظر الذي تبنت فرضه منذ أعوام في إطار محاولاتها لوضع العقبات في طريق تقدمها، أدركت بأنه لايمكن هزيمة إيران عبر هذا الحظر ولا عبر الخيار العسكري الذي تحدثت عنه كثيراً لإرضاء الكيان الإسرائيلي لأنها تعلم أيضاً أن هذا الخيار فاشل من الأساس، سيّما وأن إيران وعلى الرغم من كل الضغوط التي تحملتها تحولت لقدرة اقليمية مؤثرة وشقت طريقها بقوة ناعمة نابعة عن توجهاتها الفكرية والسياسية تجاه قضايا المنطقة والعالم.