الوقت – كان الخبراء والمحللون في وقت من الاوقات يعتقدون ان الاكراد الذين يعيشون في ايران وتركيا والعراق وسوريا يمكنهم تشكيل "كردستان الكبرى" اذا وحدوا مناطقهم خاصة في ظل وجود نزعة قومية قوية لدى الاكراد الى جانب دعم بعض الدول مثل امريكا لهذه الفكرة ظنا منهم بانهم يستطيعون ايجاد "دومينو" التجزئة والتقسيم في هذه المنطقة، لكن الآن قد غير هؤلاء الخبراء والمحللون رأيهم ويمكن القول في أقل تقدير ان ذلك الحلم الكردي غير قابل للتنفيذ على الاقل في الظروف السياسية والاقتصادية والامنية الحالية.
ويمكن القول ان هذا الحلم الذي راود بعض الاكراد في القرن العشرين اصبح الآن جزءا من الأرشيف لأن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية الحاكمة في الدول الاربعة التي ذكرناها والاكراد الذين يسكنون فيها قد تغيرت بشكل اصبحت حتى مسألة الوحدة بين المنطقتين الكرديتين في العراق وسوريا امرا بعيدا عن الافكار والاذهان رغم الاوضاع السائدة في هذين البلدين.
لقد ظن البعض ان تشكيل اقليم كردستان العراق سيحرض باقي الاكراد في المنطقة الى اتباع نفس النهج من اجل الاستقلال او الحصول على الحكم الذاتي وما شابه ذلك لكن اذا نظر هؤلاء الى الاوضاع السياسية والامنية في تركيا وايران فانهم يكتشفون بأن هذه الاوضاع تختلف عن العراق تماما كما ان الاكراد يحظون بحكم ذاتي في سوريا الان فقط نظرا للحالة الطارئة التي تعيشها سوريا.
ان اقليم كردستان العراق ايضا يعيش قضايا داخلية معقدة فمحافظتي دهوك واربيل في هذا الاقليم يسيطر عليهما حزب مسعود بارزاني وهما تحاذيان تركيا وسوريا وان محافظتي السليمانية وحلبجة التي يسيطر عليهما حزب جلال طالباني و حركة التغيير التي يتزعمها نوشيرفان مصطفى والتيارات الاسلامية تحاذيان ايران وان هذه الاحزاب الاخيرة تسيطر ايضا على كركوك التي تقع خارج اقليم كردستان ولذلك يمكن القول ان اقليم كردستان العراق يواجه دوما مشاكل فيما يتعلق بعلاقاته الخارجية لأن الطالبانيين وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية لديهما علاقات طيبة مع ايران والاطراف الشيعية في العراق فيما بنى البارزانيون علاقات وثيقة مع تركيا والاطراف السنية في العراق.
واذا اردنا ان نعرف الجهة الاكثر تأثيرا في كردستان العراق فيجب ان نقول ان تيار بارزاني يمتلك عدة ادوات هامة ومؤثرة في اقليم كردستان ومنها الخلافات الموجودة بين التيارات المعادية لبارزاني وبقاء البارزاني كجهة وحيدة ترفع علم القومية الكردية لان معارضيه هم إما من اليساريين وإما من الاسلاميين، ويضاف الى هذا كله سيطرة تيار بارزاني على تجارة نفط اقليم كردستان وصادراته بشكل كامل ووجود وسائل اعلامية قوية لهذا التيار الذي يحتفظ الان بعلاقات قوية مع تركيا من اجل الحفاظ على ممر نحو الاسواق العالمية والدخول في النادي الامريكي.
ان مسعود بارزاني الذي سافر الى تركيا بعد يومين فقط من دخول القوات التركية الى الموصل في العراق لاقى ترحيبا واسعا هناك ورفع علم اقليم كردستان العراق في اللقاءات التي حضرها بارزاني، ويمكن القول ان الاتراك يريدون الآن الاستفادة من اكراد العراق لحل مشكلتهم مع حزب العمال الكردستاني كما تريد أنقرة ايضا ادخال الاكراد في اللعبة الامريكية الجارية في المنطقة خدمة لمصالح تركيا.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا ١٢ مليار دولار في الوقت الحالي لكن ٨ مليارات دولار منه هو حجم تبادلات اقليم كردستان مع تركيا وقد تحول اقليم كردستان الى سوق كبير ومربح للشركات التركية، وقد بدات تركيا تصدير نفط اقليم كردستان الى الاسواق العالمية عبر اراضيها رغم معارضة الحكومة العراقية وامريكا كما من المقرر ان يصدر اقليم كردستان الغاز الطبيعي ايضا الى تركيا في عام ٢٠١٧ وهذا يقدم لتركيا مصدرا جديدا للطاقة في الوقت الذي تعيش أنقرة هواجس في هذا المجال.
ويستفيد اردوغان ايضا من الاكراد السوريين الذين يدينون بالولاء لبارزاني في الحرب الجارية في سوريا كما يبدو ان الاتراك سيدعمون مساعي بارزاني للانفصال عن العراق مستقبلا لكن في نفس الوقت يعتقد المراقبون ان علاقات اقليم كردستان مع تركيا هي علاقات بين حزب العدالة والتنمية التركي وبين حزب بارزاني واذا ضعف اي من هذين الحزبين في المستقبل فليس معلوما كيف ستصبح علاقات هذا الاقليم مع تركيا؟