الوقت- تتفاقم الأزمة داخل إسرائيل على خلفية التحقيقات المتعلقة بهجوم 7 أكتوبر، الذي ما زال يلقي بثقله على الحكومة والجيش، ويكشف تصدعات عميقة بين القيادات. فقد وصل الخلاف بين وزير الدفاع إسرائيل كاتس ورئيس الأركان الجنرال إيال زامير إلى مرحلة غير مسبوقة من المواجهة العلنية، بعد قرار كاتس تجميد التعيينات العسكرية لمدة ثلاثين يوماً، ومطالبته بإعادة فحص التحقيقات التي أجراها الجيش حول الإخفاقات التي سبقت الهجوم.
تحوّل هذا الخلاف من اختلاف إداري أو مهني إلى صدام مباشر يتضمن اتهامات مبطنة حول المسؤولية عن الفشل الأمني، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتدخل وعقد لقاءات منفصلة لمحاولة احتواء الأزمة، في وقت تتصاعد فيه التسريبات حول نية إقالة وزير الدفاع وتعيين شخصية بديلة، وهي تسريبات سارعت رئاسة الحكومة إلى نفيها.
الأزمة تجاوزت حدود النقاش الداخلي لتصبح صراعاً عميقاً حول المسؤولية عن أكبر اختراق أمني لإسرائيل منذ عقود، وحول مستقبل القيادة العسكرية والسياسية برمتها.
قرار كاتس بتجميد التعيينات يعمّق الشرخ
الخطوة التي فجرت الأزمة تمثلت في إصدار وزير الدفاع أمراً بتجميد التعيينات العسكرية العليا لمدة شهر. القرار جاء في لحظة حساسة، خصوصاً بعد أن اتخذ رئيس الأركان إجراءات تأديبية بحق عدد من كبار الضباط على خلفية نتائج لجنة التحقيق العسكرية المعروفة باسم "ترجمان".
كاتس برر قراره بأن التحقيقات لم تكن شاملة، وأن هناك معلومات استخباراتية منذ سنوات تشير لوجود مؤشرات على نية شن هجوم كبير، لكنها لم تُستغل بالشكل المناسب. وبذلك طرح الوزير تساؤلات حول مدى عمق التحقيق العسكري، وهل تناول جذور الإخفاق الحقيقي أم اكتفى بمحاسبة حلقات معينة دون أخرى.
قرار كاتس جاء أيضاً في سياق سياسي داخلي شديد الحساسية، حيث تسعى الحكومة لتخفيف الانتقادات الموجهة إليها، فيما يواجه نتنياهو ضغوطاً من عائلات الضحايا ومن المعارضة التي تتهم الحكومة بالتقاعس. هذه الظروف جعلت خطوة الوزير تُقرأ على أنها محاولة لرسم حدود واضحة بين المسؤولية العسكرية والمسؤولية السياسية، وهو ما أثار غضب رئيس الأركان.
رد زامير: الجيش ليس ساحة لتصفية الحسابات السياسية
رئيس الأركان إيال زامير رد على قرار كاتس بسرعة وبنبرة حادة، محذراً من أن تدخل القيادة السياسية في عمل الجيش يضر بقدرته على استعادة جاهزيته. واعتبر أن إعادة فتح التحقيق "لا يستند إلى اعتبارات مهنية" بل يحمل طابعاً سياسياً قد يؤدي إلى إرباك المؤسسة العسكرية في فترة تتطلب أقصى درجات الانضباط.
وفق تقديرات عدة، فإن زامير يرى أن الجيش قام بالفعل بأوسع مراجعة داخلية في تاريخه وأن العقوبات التي اتخذت بحق ضباط كبار كانت ضرورية لاستعادة الثقة بالمؤسسة. لكن تدخل كاتس بحسب انطباع القيادة العسكرية قد يُضعف سلطة رئيس الأركان ويحرج الجيش أمام الرأي العام، ويخلق انطباعاً بأن التحقيق لم يكن كافياً أو أن قيادة الجيش تحاول إخفاء شيء. هذا التوتر جعل المؤسسة العسكرية تتعامل بحذر شديد، وسط مخاوف من أن يتحول الخلاف إلى أزمة ثقة بين الجيش والحكومة، وهي سابقة خطيرة في تاريخ إسرائيل.
دخول نتنياهو على خط الأزمة ومحاولات لإطفاء الحريق
أمام تصاعد الأزمة، استدعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلاً من كاتس وزامير إلى مكتبه. ورغم أن التسريبات الأولية تحدثت عن اجتماع ثلاثي، إلا أن الواقع كان مختلفاً، إذ عقد نتنياهو لقاءين منفصلين مع كل طرف، في مؤشر على عمق الخلاف وعدم إمكانية جمعهما في غرفة واحدة في تلك اللحظة الملتهبة.
اللافت أن هذه الخطوة جاءت بعد تقارير إعلامية تحدثت عن نية نتنياهو إقالة كاتس وتعيين شخصية سياسية أخرى في منصبه، وهي تقارير نفتها رئاسة الحكومة رسمياً، لكنها تعكس حجم الارتباك داخل الائتلاف.
تحركات نتنياهو تهدف بالأساس إلى منع انهيار العلاقة بين المؤسستين السياسية والعسكرية، لأن أي خلل في التنسيق بينهما قد تكون له تداعيات خطيرة على العمليات الجارية وعلى الوضع الأمني العام، خاصة في ظل استمرار التوتر على عدة جبهات.
أبعاد سياسية واستراتيجية للصراع الداخلي
الأزمة الحالية ليست مجرد تصادم بين شخصيتين، بل تعكس صراعاً أعمق حول كيفية تعريف “المسؤولية” بعد هجوم 7 أكتوبر. فهناك ثلاثة مستويات داخل إسرائيل تتنافس على رواية ما جرى:
- المستوى العسكري الذي يسعى إلى تأكيد أنه قام بواجبه في التحقيق والمحاسبة.
- المستوى السياسي الذي يحاول تجنب تحميله المسؤولية المباشرة.
- الرأي العام الذي يطالب بتحقيق مستقل وشفّاف لا يخضع لتجاذبات السياسة.
إعادة فتح التحقيق، أو حتى إثارة فكرة إعادة فحصه، تضع الحكومة في مواجهة الجيش، وتفتح الباب أمام سؤال كبير: من الذي فشل فعلياً في منع الهجوم؟ وهل كانت المعلومات الاستخباراتية المتوفرة كافية لو تم التعامل معها بشكل مختلف؟
بعض المراقبين يرون أن نتنياهو وسط عاصفة سياسية بين كاتس وزامير قد تعصف بحكومته إذا فُتح ملف المسؤولية على مصراعيه.
تداعيات الأزمة على مستقبل المؤسسة الأمنية والسياسية
من الواضح أن هذا الشرخ الداخلي لن يكون تأثيره محدوداً على العلاقات الشخصية بين القادة، بل سيترك بصمات عميقة على توازن القوى داخل إسرائيل. فالجيش يواجه تحديات في الحفاظ على هيبته وقدرته على اتخاذ قرارات مهنية دون تدخل سياسي، بينما تحاول الحكومة أن تظهر بأنها جادّة في محاسبة المسؤولين.
الأزمة كشفت أيضاً عن قلق داخل الائتلاف الحاكم من أن تؤدي نتائج التحقيقات إلى تغييرات كبيرة في قيادة الجيش وربما في الحكومة نفسها. كما أنها تنذر بصراع طويل حول كيفية صياغة “الرواية الرسمية” لهجوم 7 أكتوبر.
ورغم تدخل نتنياهو، فإن المؤشرات الحالية تُظهر أن الخلاف لم يُحل بعد، وأن الأزمة مرشحة للتصاعد أو الانفجار مرة أخرى في أي لحظة، خاصة إذا صدرت قرارات مفاجئة بشأن التعيينات أو التحقيقات.
