الوقت- مرّ على سوريا عام كامل تقريباً بعد سقوط حكومة بشار الأسد، وما زالت البلاد تعيش حالة من الفوضى السياسية والأمنية العميقة، سقوط النظام السابق أدى إلى فراغ سياسي واسع، حيث لم تستطع القوى الجديدة فرض سيطرتها بشكل كامل على الأرض، هذا الفراغ خلق بيئة مثالية للصراعات المحلية والإقليمية، وأدى إلى تفتت السلطة في مناطق عديدة من البلاد، مع استمرار الانقسامات الداخلية بين الفصائل المختلفة.
مع غياب حكومة مركزية قوية، ظهرت جماعات مسلحة تتنافس على السيطرة على المدن والقرى، ما أدى إلى تصاعد حوادث العنف والاشتباكات المسلحة، وفي هذا السياق، دخلت جماعة الجولاني على الساحة، وتمكنت من فرض نفوذها على الحكومة المؤقتة، ما أضاف طبقة جديدة من التعقيد السياسي وقلص من فرص الاستقرار، سيطرة الجولاني وجماعته المسلحة على مفاصل الحكومة المؤقتة أثارت قلق السكان المحليين، الذين أصبحوا يعيشون تحت ضغط مزدوج من الفوضى الأمنية والهيمنة العسكرية.
الانهيار الاقتصادي وتأثير العقوبات
على الصعيد الاقتصادي، تواجه سوريا انهياراً شبه كامل. فقد أدى سقوط الأسد إلى توقف مشاريع التنمية وإغلاق الكثير من المؤسسات الاقتصادية الحيوية، ما زاد معدلات البطالة والفقر، البنية التحتية الأساسية تعاني من تدمير واسع، ما أثر على الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية.
العقوبات الغربية، التي كانت تهدف رسمياً لضغط النظام السابق، انعكست سلباً على المواطنين بعد سقوطه، إذ تعذر على البلاد استعادة التجارة أو جذب الاستثمارات، أسعار المواد الأساسية ارتفعت بشكل كبير، وأصبح الوقود والدواء نادرين، بينما يزداد الفقر واليأس بين السكان يوماً بعد يوم.
على الرغم من الوعود الغربية بتحسين الوضع الاقتصادي بعد سقوط الأسد، إلا أن الواقع على الأرض يظهر أن هذه الوعود لم تتحقق، وأن الفجوة بين التصريحات الرسمية والحقائق المعيشية للسوريين كبيرة جداً.
الوعود الغربية والإحباط الشعبي
تكررت الوعود الغربية بتقديم دعم اقتصادي وسياسي لإعادة بناء سوريا بعد سقوط الأسد، لكنها لم تترجم إلى أفعال ملموسة، الشعب السوري، الذي كان يأمل في حياة أكثر أماناً واستقراراً بعد الإطاحة بالحكومة السابقة، وجد نفسه غارقاً في مشاكل يومية متزايدة.
تدخل الغرب غالباً كان مشروطاً بالمطالب السياسية، ما أضعف الثقة بين السوريين والدول الأجنبية، السياسات المتذبذبة وعدم تنفيذ الوعود أوجد شعوراً عاماً بالإحباط، إذ يواجه المواطنون صعوبة في تحقيق أي استقرار اقتصادي أو سياسي، في وقت تزداد فيه معاناتهم الإنسانية.
سيطرة الجولاني والجماعات المسلحة على الحكومة المؤقتة
بعد سقوط الأسد مباشرة، حاولت القوى المعارضة إنشاء حكومة مؤقتة لتسيير شؤون البلاد، إلا أن سيطرة جماعة الجولاني المسلحة على مفاصل هذه الحكومة قلبت التوازن، أصبح القرار السياسي مرتبطاً بالقوة العسكرية، وفرضت الجماعة نفسها كجهة نافذة على السياسات الداخلية والخارجية.
هذا التمدد العسكري أثر على قدرة الحكومة المؤقتة في تقديم خدمات أساسية للسكان، وزاد من الصراعات مع الفصائل المحلية الأخرى، التي رفضت سيطرة الجولني واعتبرت ذلك انقلاباً على الثورة من الداخل، التدخل الخارجي لجماعات مسلحة مدعومة إقليمياً ساهم في تعقيد المشهد، وجعل الحوار السياسي الداخلي شبه مستحيل في ظل وجود تهديد دائم بالعنف.
الأزمة الإنسانية: حياة تحت التهديد
تستمر الأزمة الإنسانية في سوريا في التفاقم، ملايين المدنيين يعيشون في ظروف صعبة، حيث يعاني الكثيرون من الجوع والفقر وانعدام المأوى، الأطفال والنساء هم الأكثر تضرراً، إذ فقدوا مصادر التعليم والرعاية الصحية، وعانوا من النزوح المتكرر، وجود الفوضى المسلحة وحالة الانقسام السياسي أعاق وصول المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات، الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والتعليم تراجعت بشكل حاد، واللاجئون الداخليون والخارجيون يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتهم اليومية.
تداعيات الفوضى على المستقبل السوري
الوضع الراهن يشير إلى مستقبل غير مستقر لسوريا، استمرار الانقسامات السياسية والفوضى المسلحة يعيق جهود إعادة بناء الدولة، ويجعل مسألة الأمن والاستقرار على المدى الطويل شبه مستحيلة، الانهيار الاقتصادي والفوضى الإدارية يعقدان أي محاولة لإعادة الإعمار، بينما الوعود الغربية لم تقدم حلولا فعلية.
التجربة السورية تظهر أن الحلول السياسية الخارجية وحدها لا تكفي، وأن الاستقرار يحتاج إلى جهود وطنية حقيقية تشارك فيها جميع القوى السورية، السيطرة العسكرية على الحكومة المؤقتة من قبل جماعة الجولني تثبت أن فرض الاستقرار بالقوة يؤدي إلى تعميق الأزمة وعدم ثقة الشعب في أي سلطة جديدة.
في النهاية،بعد عام على سقوط الأسد، تبدو سوريا غارقة في مستنقع من الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية، مع استمرار تأثير الجماعات المسلحة على الحكومة المؤقتة، الوعود الغربية لم تتحقق، والفوضى مسيطرة على المشهد، ما جعل الحياة اليومية للسوريين مليئة بالتحديات والمعاناة.
الدرس الأساسي هو أن الوعود السياسية وحدها لا تكفي لمعالجة أزمات دولة متأزمة، وأن الطريق نحو الاستقرار يتطلب جهودًا وطنية حقيقية، بعيدًا عن الهيمنة المسلحة والتدخلات الخارجية، الأزمة السورية اليوم تبرز الحاجة الماسة إلى حلول شاملة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب السوري أولًا، مع ضمان فصل السلطة السياسية عن الهيمنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار.