الوقت- في خطوةٍ قيّمة، اختارت المقاومة الفلسطينية اسم "عصا موسى" لعملياتها الجديدة ضد المحتلين في غزة، دلالةً على إرادة الفلسطينيين الصلبة في مواجهة العدو، وصمودهم في وجه المخطط الإجرامي للصهاينة المسمى "عربات جدعون 2"، ووفقًا لبعض المصادر الاخبارية، فقد أعلنت المقاومة الفلسطينية الأسبوع الماضي، عقب إعلان الصهاينة بدء مخطط "عربات جدعون 2" الإجرامي، واجتياحٍ واسعٍ لمدينة غزة واحتلالها، عن بدء عملية "عصا موسى".
كيف ستصمد عصا موسى في وجه الصهاينة؟
يرى المراقبون أن اختيار المقاومة الفلسطينية اسم "عصا موسى" لعمليتها الجديدة ضد الكيان الصهيوني في غزة، بغض النظر عن أبعادها العسكرية، يحمل رسالةً دينيةً ومهمة، باختيارهم هذا الاسم، يؤكد الفلسطينيون أنهم لن يستسلموا للظلم، وسيقاتلون العدو، كما صمد النبي موسى في وجه غطرسة فرعون بعصاه.
وسبق أن نفذت المقاومة الفلسطينية عملية "حجارة داوود" ردًا على عدوان الكيان الصهيوني على غزة، كما صمد النبي داوود في وجه غطرسة جالوت وظلمه بحجر، ويعتقد المراقبون أن المقاومة الفلسطينية عازمة على إفشال أهداف إسرائيل في خطة "عربات جدعون" من خلال الاستعداد لمواجهة جديدة، واعتماد تكتيكات ميدانية تهدف إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالجيش الصهيوني، كما فشلت "عربات جدعون".
تكتيكات المقاومة في محاصرة المحتلين
تشير العمليات الميدانية الأخيرة لكتائب القسام في مدينة غزة، والتي رافقتها خسائر فادحة في صفوف الجنود الصهاينة، إلى سعيها لتحقيق أهداف استراتيجية تُوجه ضربة قاصمة للجيش الصهيوني، وتُبطل الإنجازات الدعائية لمجلس الوزراء، وينفذ المقاومون في هذا المجال عمليات متقدمة تهدف إلى أسر عدد من الجنود الصهاينة الآخرين، منها عمليات نُفذت في الأسابيع الأخيرة، لجأ فيها جيش الاحتلال إلى بروتوكول هنيبعل وقتل هؤلاء الجنود لمنع أسر جنوده.
وفي 20 أغسطس/آب، هاجم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، معسكرًا جديدًا للجيش الصهيوني شرق خانيونس، ما أسفر عن خسائر فادحة في صفوفهم، وكاد جندي صهيوني أن يُأسر، وتواصلت هذه العمليات يوم السبت الماضي في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، خلال اشتباكات مباشرة بين المقاومين والجيش الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، أفادت وسائل إعلام عبرية بفقدان أربعة جنود إسرائيليين على الأقل، واضطرار طائرات مقاتلة ومروحيات إسرائيلية للتدخل، قال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الأسبوع الماضي، تعليقًا على عمليات المقاومة الجديدة ضد المحتلين، إن خطط العدو الإجرامية لاحتلال غزة ستكون كارثة على السلطتين السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني، وإن جيش الكيان سيدفع الثمن بدماء جنوده، وهذا يزيد أيضًا من احتمال وقوع جنود جدد في قبضة جيش الاحتلال.
وفي هذا الصدد، صرّح أحد القادة الميدانيين للمقاومة في مقابلة مع الجزيرة: "لقد استغل المقاتلون الفلسطينيون جميع المواجهات المباشرة السابقة مع قوات الاحتلال، والآن يعرفون كيف يوقعونهم في كمائن مُدبّرة"، وأضاف: "إن القوة النارية التي استخدمها الصهاينة خلال الهجوم على المناطق السكنية لا تحفظ جنودهم، وقد استطاعت المقاومة تكييف خططها مع تحركات العدو، وضمنت إيقاع قوات الاحتلال في كمائنها المُتقدّمة".
رسائل وأهداف عملية عصا موسى
صرح الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة في هذا الصدد: إن الخطة العسكرية لكيان الاحتلال، المسماة "مركبات جدعون 2"، تُعبّر عن طموحات هذا الكيان في السيطرة الكاملة على قطاع غزة بالقوة، إلا أن المقاومة الفلسطينية ردّت على هذه الخطة الإجرامية للعدو بعملية عصا موسى، وعصا موسى تُشير مباشرةً إلى معجزة النبي موسى، التي أبطلت سحر فرعون وقلبت المعادلات.
وأضاف: هذه الرمزية الدينية ليست مجرد اسم، بل تعكس صراع الروايات والأرواح بالتوازي مع المعركة البرية، ففي ظل سعي المحتلين لإضفاء شرعية تاريخية وأيديولوجية على جرائمهم، تستخدم المقاومة الرموز القرآنية لإيصال رسائل أخلاقية إلى جمهورها وتحدي العدو.
أكد الكاتب الفلسطيني: "ستصمد عصا موسى في وجه مركبات جدعون"، وستستخدم المقاومة الفلسطينية تكتيكات حرب العصابات التي يتقنها مقاتلوها بمهارة خاصة، بما في ذلك الكمائن المتطورة، واستخدام الأنفاق والمتفجرات، والهجمات على خطوط الإمداد والإمداد للعدو.
وأكد وسام عفيفة: "أثبتت هذه التكتيكات أن المقاومة الفلسطينية، بمواردها المحدودة، قادرة على تحدي جيش الاحتلال، الذي يمتلك أحدث الأسلحة في العالم، وبهذه التكتيكات، أجبرت المحتلين مرارًا وتكرارًا على التراجع"، وقال الكاتب الفلسطيني: "المواجهة الجديدة بين المقاومة والكيان الصهيوني في غزة لن تكون مواجهة أسماء، بل مواجهة إرادات واستراتيجيات، ففي حين يسعى الجيش الإسرائيلي إلى السيطرة الميدانية الشاملة على قطاع غزة، لا تزال المقاومة ممسكة بزمام المبادرة على محاور مختلفة، ويمكنها مواصلة المعركة طويلًا".
"إسرائيل" في أعقاب الهزائم المتكررة
ويشير اسم "عربات جدعون" إلى الخطة العسكرية الإسرائيلية في غزة في مايو الماضي، حين أعلن الجيش الإسرائيلي عن هدفه توسيع نطاق الحرب ونقل سكان شمال غزة إلى رفح جنوب القطاع. ثم تحركت القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي لاحتلال أجزاء واسعة من غزة تدريجيًا، وأرادت الحفاظ على وجودها العسكري في غزة على المدى الطويل بهدف القضاء على حماس وتدمير أنفاقها بالكامل.
ووفقًا للروايات التي يقدمها الصهاينة، يرتبط اسم "عربات جدعون" بالتراث الديني اليهودي، حيث يزعمون أن جدعون كان قائدًا عسكريًا إسرائيليًا استطاع هزيمة جيوش كبيرة بجيش صغير، وكان جيش الاحتلال قد أعلن عن اكتمال خطة "عربات جدعون" الشهر الماضي، إلا أنها لم تحقق أي نتائج، وأعلن انتهاء "عربات جدعون 1" دون تحقيق أي من أهداف الخطة.
وكُشف مؤخرًا عن فشل خطة "عربات جدعون" في وثيقة داخلية لجيش الدفاع الإسرائيلي، نشرتها القناة 12 التلفزيونية التابعة للكيان، والتي أكدت أن العملية ركزت على تدمير المباني، وأن الجيش الإسرائيلي ارتكب كل خطأ ممكن في إدارة المعركة، خلافًا لعقيدة الحرب، كما أكدت الوثيقة أن "عربات جدعون" ساهمت في فقدان "إسرائيل" الشرعية الدولية في حربها على غزة.
ورغم هذا الفشل، أطلق الجيش الإسرائيلي، بأوامر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نسخة ثانية من "عربات جدعون" بنفس الأهداف الفاشلة، وهي خطة لاقت انتقادات شديدة في الأوساط العبرية، وقال إسحاق باراك، جنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي ومسؤول سابق عن معالجة الشكاوى العسكرية في هذا الصدد، إن خطة احتلال غزة بعيدة المنال وستؤدي إلى فوضى واسعة النطاق في "إسرائيل".
وأكد الجنرال الصهيوني: "إن حالة القوات البرية للجيش تفسر بوضوح لماذا لم نتمكن من هزيمة حماس، كما أن نقص القوى البشرية قلص أيضًا من قدرة الجيش على البقاء في الأراضي المحتلة في غزة؛ وخاصة أن الجيش لا يملك قوات محترفة كافية للتعامل مع مئات الكيلومترات من الأنفاق في غزة".