الوقت-يشهد جيش الاحتلال الإسرائيلي أزمة حادة في قدراته البشرية، إذ تشير تقديرات رسمية إلى نقص يتراوح بين عشرة آلاف واثني عشر ألف جندي، وهو رقم غير مسبوق يضع المؤسسة العسكرية في موقف حرج أثناء الحرب الممتدة على قطاع غزة.
في هذا السياق، بدأت القيادة بدراسة إمكانية استقطاب الشباب اليهودي من الشتات، وخصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وتشجيعهم على الانضمام إلى صفوف الجيش والمشاركة في العمليات العسكرية، في خطوة تعكس محاولة إسرائيلية لسد فجوة حادة في الاحتياط العسكري.
تأتي هذه المبادرة في وقت يعاني فيه الجيش من استنزاف مستمر للموارد البشرية نتيجة العمليات المتواصلة في غزة، مع ارتفاع عدد الإصابات والخسائر بين الجنود المحليين، وتعكس هذه الخطوة أيضاً فشل السياسات الداخلية السابقة في إلزام الحريديم بالخدمة العسكرية، وهو ما أجبر القيادة على البحث عن بدائل خارجية لتجنب انهيار القدرات القتالية للجيش .
الوقائع العسكرية
كشفت اذاعة الجيش الإسرائيلي أن النقص في الجنود يقدر بين10 و12 ألفاً، ويرجع جزء كبير منه إلى امتناع الحريديم عن الخدمة العسكرية، رغم تمثيلهم نسبة كبيرة من السكان، وتدرس القيادة إطلاق حملة تستهدف الجاليات اليهودية في الخارج لتشجيع أبنائها على الانخراط في الجيش، على أمل جلب 600 إلى 700 مجند سنوياً لتخفيف الضغط على القوات المحلية.
ويأتي ذلك في وقت تستمر فيه الحرب على غزة منذ أشهر، حيث أدى استمرار العمليات العسكرية إلى استنزاف الاحتياط وإرهاق الجنود الميدانيين، ما انعكس على جاهزية الجيش وقدرته على الصمود في مواجهة مقاومة فلسطينية متزايدة التنظيم والتسليح.
وأكدت صحيفة معاريف أن الجيش يعاني من نقص فعلي يقارب 7,500 جندي داخل الصفوف، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لقدرة الجيش على الحفاظ على استمرارية العمليات.
علاوة على ذلك، تواجه القيادة تحديات كبيرة في دمج المجندين الجدد من الخارج، الذين يحتاجون إلى تدريب وتأهيل قبل المشاركة في مهام قتالية مباشرة، ما يجعل إمكانية تعويض النقص بسرعة أمراً صعب التحقيق. كما أن الاعتماد على مجندين من خارج البلاد قد يؤدي إلى صعوبات لوجستية، بما في ذلك الانتقال، الإقامة، والتأقلم مع بيئة قتالية معقدة ومكثفة.
التحليل الاستراتيجي
تعكس هذه المبادرة محاولة القيادة لمواجهة أزمة داخلية مزمنة، فبدلاً من معالجة جذور المشكلة، مثل رفض الحريديم للتجنيد أو تحسين سياسات الاحتياط، لجأت "إسرائيل" إلى البحث عن بدائل خارجية، وهو حل قصير الأمد وغير مستدام، يشير المحللون إلى أن الاعتماد على يهود الشتات يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاندماج العسكري، والتدريب، والقدرة على فهم استراتيجية الجيش الإسرائيلي التي تختلف عن بيئتهم الأصلية.
كما أن هذه الخطوة تكشف عن ضعف الصورة الرمزية للجيش الإسرائيلي كقوة لا تهزم، إذ إن الإعلان عن البحث عن جنود من الخارج يعكس ضغطاً داخلياً غير مسبوق وتهديداً للقدرة القتالية، بالإضافة إلى ذلك، يعاني الجيش من آثار نفسية على الجنود المحليين الذين يواجهون ضغوطاً هائلة نتيجة استمرار العمليات والخسائر البشرية، ما يزيد من أهمية تعزيز الروح المعنوية قبل التفكير في زيادة عدد الجنود.
البعد السياسي والدبلوماسي
سياسياً، تظهر المبادرة ازدواجية الخطاب الإسرائيلي بوضوح، إذ يدعو نتنياهو الجاليات اليهودية للقتال، بينما يعيش أبناؤه في الخارج بعيداً عن ساحات المعارك، هذا التناقض يثير التساؤلات حول مصداقية الدعوات الرسمية ويزيد من إحساس الجنود المحليين بعدم العدالة، ما قد يؤثر على الروح المعنوية للجيش.
دبلوماسياً، تحمل الدعوة لتجنيد يهود الشتات بعداً دعائياً، إذ تسعى "إسرائيل" لإظهار دعم عالمي لعملياتها في غزة، بينما تواجه انتقادات دولية واسعة بسبب الخسائر المدنية والحقوقية المستمرة، ومن المحتمل أن تواجه هذه المبادرة معارضة داخل المجتمعات اليهودية في الخارج، الذين قد يرون أن حياتهم وأمنهم يُستغل لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية بعيدة عنهم.
ردود فعل المجتمع الدولي والشتات
من المتوقع أن تكون ردود فعل الجاليات اليهودية في الخارج متباينة. فبينما قد يستجيب بعض الشباب للنداء الوطني، فإن الأغلبية ستتردد بسبب الحياة المستقرة والآمنة في بلدانهم الأصلية، وقد تثير المشاركة في الحرب انتقادات من الحكومات الغربية، التي ستجد نفسها أمام ضغط شعبي وأخلاقي بسبب إرسال رعاياها إلى صراع معقد ومكلف.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر هذه التجربة على العلاقات بين "إسرائيل" واليهود في الشتات، إذ قد يشعر البعض أن حياتهم تُستغل لتحقيق أهداف سياسية، ما يخلق فجوة بين إسرائيل وجالياتها خارج حدودها، وقد يؤدي ذلك إلى انقسامات داخل المجتمعات اليهودية، بين من يدعم سياسات "إسرائيل" العسكرية ومن يعارضها، ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاجتماعي للشتات.
في الختام، أزمة التجنيد الحالية في إسرائيل، ليست مجرد نقص في الأفراد، بل ضعف القدرة على إدارة الأزمة داخلياً واستراتيجياً، تجنيد يهود الشتات قد يوفر دعماً محدوداً على المدى القصير، لكنه لا يعالج جذور المشكلة، ولا يضمن استدامة الحلول، يبقى المستقبل العسكري والسياسي لـ"إسرائيل" مرتبطاً بمدى قدرتها على معالجة هذه التحديات داخلياً وتحقيق مساواة حقيقية في الخدمة، وإلا فإن التحديات الحالية ستستمر في تهديد صورة الجيش واستقرار المجتمع الداخلي على حد سواء.