الوقت- منذ اندلاع العدوان على غزة، ظنّ الكيان الصهيوني وداعموه في واشنطن، وعلى رأسهم دونالد ترامب، أن المقاومة ستنهار تحت وطأة القصف والحصار والتجويع، لكن الواقع جاء على النقيض تمامًا؛ فقد أظهرت المقاومة بأسًا غير مسبوق، وأثبتت أنها قادرة على الصمود والقتال في أصعب الظروف، موجهة ضربات موجعة لجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، هذا الصمود لم يكن مجرّد فعل دفاعي، بل كان رسالة استراتيجية بأن إرادة الشعوب أقوى من ترسانات الأسلحة.
ومع مرور الوقت، تكشّف عجز ترامب عن فرض رؤيته لإنهاء الحرب، رغم محاولاته تسويق خطط ظاهرها السلام وباطنها الإذلال، المقاومة لم تكتفِ بإفشال رهانات العدو، بل أذلّت أركانه على مدى السنوات الماضية، وحوّلت حلمه بالسيطرة الكاملة إلى كابوس سياسي وعسكري، في مشهد بات فيه اليأس ينهش صفوف الكيان الصهيوني، لم يعد السؤال: متى تنتصر المقاومة؟ بل: كيف ستعيد تشكيل معادلات القوة في المنطقة بعد هذا الصمود الأسطوري؟
ترامب بين وهم الوساطة وفشل الإملاءات
دونالد ترامب، الذي لطالما قدّم نفسه صانع صفقات، وجد نفسه اليوم أمام واقع يعاند كل خططه، محاولته الأخيرة لطرح مبادرة "إنهاء الحرب" عبر نزع سلاح المقاومة وتقديم هذا المقترح إلى الدول العربية، ليست إلا محاولة فاشلة لإلباس الهزيمة ثوب النصر.
المقاومة رفضت منذ البداية أي شروط تنتقص من حقها في الدفاع، وأثبتت أنها ليست في موقع الضعيف الذي يُملى عليه.
ترامب، في سعيه لتلميع صورته السياسية، تجاهل الحقائق على الأرض، الكيان الصهيوني عاجز عن تحقيق أهدافه، والعمليات العسكرية لم تنهِ وجود حماس ولا قدرتها على الرد، بل على العكس، أفرزت الحرب معادلات جديدة جعلت المقاومة أكثر تماسكا وشعبية، مبادرة ترامب لم تكن سوى إعادة تدوير لأفكار قديمة أثبتت فشلها، وجاء توقيتها في ظل تصاعد جرائم العدو، ليكشف عن انفصاله التام عن الواقع الميداني، وليعزز صورة الولايات المتحدة كطرف منحاز للعدوان لا كوسيط نزيه.
الكيان الصهيوني بين التصعيد واليأس
الكيان الصهيوني يعيش حالة من التخبط الاستراتيجي غير المسبوق، بعد سنتين من العمليات العسكرية التي دمّرت البنية التحتية في غزة وأوقعت آلاف الشهداء، لم يحقق الاحتلال أيًا من أهدافه المعلنة، قرارات المجلس الوزاري الأمني بالتحضير لاحتلال مدينة غزة بالكامل تعكس عجزًا عن تقديم حلول سياسية أو عسكرية ناجعة. العمليات الميدانية، مهما بلغت قوتها، لم تحرر الأسرى الذين يعدّون من أبرز ذرائع استمرار الحرب، حتى ما تسمى "الإنجازات" الميدانية كانت قصيرة الأثر، إذ واجهت المقاومة كل هجمة بصلابة وأفشلتها.
هذا الإخفاق أفرز انقسامات داخل القيادة الصهيونية نفسها، بين من يدعو لمزيد من التصعيد الدموي ومن يرى أن الحل السياسي بات ضرورة، لكن العامل المشترك بينهم جميعًا هو إدراكهم أن المقاومة لم تنكسر، وأنهم أمام خصم يمتلك نفسًا طويلًا وقدرة على استنزاف العدو في كل مرحلة.
المقاومة.. إرادة شعبية ومعادلات جديدة
ما يميز هذه الجولة من المواجهة هو أن المقاومة تحوّلت بشكل كبير إلى مشروع وطني جامع يحظى بدعم جماهيري واسع في فلسطين والمنطقة، هذا الدعم الشعبي جعل أي محاولة لعزل المقاومة أو نزع سلاحها أشبه بالمستحيل.
في ظل تهديدات الكيان الصهيوني باجتياح غزة وتهجير سكانها، وقفت المقاومة لتؤكد أن أي عدوان سيُقابل بعمليات نوعية، هذه المعادلة الردعية لم تأتِ من فراغ، بل من تراكم سنوات من الخبرة الميدانية والاستعدادات العسكرية، حتى في ظل الحصار الخانق والدمار الهائل، استطاعت المقاومة الحفاظ على بنيتها التنظيمية، وتطوير قدراتها على المواجهة، ما أربك حسابات العدو، الرسالة واضحة: لا يمكن فرض الاستسلام على شعب يقاتل من أجل حريته، ولا يمكن إخضاع إرادة جماعية تسعى لانتزاع حقوقها التاريخية مهما بلغ حجم المؤامرات.
فشل المشروع الأمريكي الصهيوني في إخضاع غزة
التحالف بين الكيان الصهيوني وواشنطن أثبت مرة أخرى أنه قائم على منطق القوة العمياء، لكنه اصطدم بحقيقة أن القوة العسكرية وحدها لا تكسر إرادة الشعوب، كل الخطط التي طرحتها الولايات المتحدة، سواء عبر ترامب أو غيره، كانت تهدف إلى ضمان أمن الاحتلال وإدامة تفوقه، متجاهلة جوهر الصراع القائم على الاحتلال والحرمان من الحقوق. رفض المقاومة لهذه المشاريع يعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة الصراع، ووعيًا بأن أي تنازل تحت النار يعني فتح الباب لمزيد من الإملاءات.
واشنطن، التي طالما قدمت نفسها كوسيط، تبدو اليوم شريكًا كاملًا في العدوان، ما أفقدها أي شرعية في عيون الشعوب الحرة. الفشل في إخضاع غزة لا يعني فقط هزيمة مشروع الاحتلال، بل يفتح المجال أمام إعادة رسم التوازنات الإقليمية لمصلحة قوى المقاومة، ويضع حدًا لأوهام التفوق المطلق التي طالما روج لها العدو.
في النهاية، المشهد الراهن يثبت أن المقاومة ليست مجرد حدث عابر في تاريخ الصراع، بل هي حقيقة راسخة تتحدى الزمن وتغيّر المعادلات، فشل ترامب والكيان الصهيوني في تحقيق أهدافهما، رغم كل أدوات الضغط العسكري والسياسي، يعكس عمق التحول في ميزان القوة، ومع كل يوم يمر، يتأكد أن إرادة الشعوب أقوى من كل التحالفات الظالمة، وأن زمن الإملاءات قد ولى.