الوقت - تتصاعد وتيرة النقاش الدولي بشأن طبيعة النظام السياسي الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، في ظل اتهامات متزايدة بوصفه نظامًا عنصريًا يشبه نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي شهدته جنوب أفريقيا سابقًا. يتكرر هذا التشبيه في تحليلات سياسية وقانونية عدة، مستندًا إلى سياسات وممارسات تمييز منهجية تستهدف الفلسطينيين وتؤكد هيمنة مجموعة عرقية على أخرى. في هذا المقال، سنعرض الوقائع، ونحلل أوجه التشابه والاختلاف بين النظامين، ونتناول احتمالات مصير النظام الإسرائيلي في ضوء التجارب التاريخية والدولية.
سياسات الاحتلال والتمييز المنهجي
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، انتهجت السلطات الإسرائيلية سلسلة من السياسات التي تهدف إلى تعزيز التفوق اليهودي على الفلسطينيين، مما أدى إلى نشوء نظام فصل عنصري يعزز التمييز السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي.
أولًا، في الجانب السياسي، يتمتع اليهود الإسرائيليون بحقوق كاملة كمواطنين، بينما يُحرم ملايين الفلسطينيين من الجنسية الإسرائيلية، ويعيشون تحت سلطة عسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يفرض عليهم قيودًا صارمة على حرية الحركة والمشاركة السياسية. وقد أكدت تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، أن الفلسطينيين يعاملون كمجموعة مقموعة محرومة من الحقوق الأساسية.
ثانيًا، فيما يتعلق بحرية التنقل، يفرض الاحتلال الإسرائيلي نظام حواجز ومعابر وإجراءات تعيق حركة الفلسطينيين، مما يؤثر سلبًا على حياتهم اليومية وإمكانية الوصول إلى العمل والتعليم والرعاية الصحية، وهو ما تم توثيقه بشكل واسع في تقارير الأمم المتحدة.
ثالثًا، تستمر إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والتي تعتبرها الأمم المتحدة غير قانونية بموجب قرارات متعددة. هذه المستوطنات تؤدي إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتقسيمها إلى مناطق معزولة، ما يعزز الفجوة الجغرافية والاجتماعية بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود.
رابعًا، يفرض الاحتلال سيطرة اقتصادية على الموارد الطبيعية، مثل المياه والأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى تدهور الظروف الاقتصادية للفلسطينيين ويفاقم الفجوة الاقتصادية بينهم وبين اليهود الإسرائيليين.
أوجه التشابه والاختلاف بين النظامين
تؤكد العديد من الدراسات والتقارير، ومنها تقرير منظمة العفو الدولية عام 2021، أن هناك أوجه تشابه واضحة بين النظام الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
من حيث الفصل الجغرافي والاجتماعي، يشبه النظام الإسرائيلي نظام الأبارتايد في فرض فصل بين السكان بناءً على العرق أو الدين. فجدران الفصل، والحواجز الأمنية، والقوانين التي تمنع التفاعل الاجتماعي، كلها أدوات تستخدم لفرض الفصل والتفرقة بين الفلسطينيين واليهود.
قانون القومية الإسرائيلي الذي أقر عام 2018، والذي يعزز الطابع اليهودي للدولة على حساب حقوق الأقليات، يوازي إلى حد بعيد قوانين الفصل التي اعتمدها نظام الأبارتايد والتي كرست هيمنة مجموعة واحدة على أخرى.
على المستوى الدولي، واجه النظام الإسرائيلي ضغوطًا متزايدة، شملت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي خطوات تشبه الحركات الدولية التي قادت إلى انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ومع ذلك، توجد اختلافات جوهرية. فالنظام الإسرائيلي يعمل في سياق جغرافي وتاريخي مختلف، يعاني من تعقيدات دينية وسياسية لا توجد في جنوب أفريقيا، كما أن دولة الكيان الإسرائيلي معترف بها دوليًا وتتمتع بدعم سياسي كبير من دول مثل الولايات المتحدة، ما يجعل مقارنتها بنظام الأبارتايد ليست متطابقة تمامًا.
ما مستقبل النظام الإسرائيلي؟
في ضوء الوقائع والتحليل، يمكن القول إن هناك مبررات قوية لوصف النظام الإسرائيلي في بعض ممارساته كنظام فصل عنصري يشبه نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، مع الاحتفاظ بالاختلافات الجوهرية بين السياقين.
إذا استمرت إسرائيل في سياساتها الحالية، فمن المرجح أن تواجه ضغوطًا دولية متزايدة قد تؤدي إلى تغييرات جذرية، كما حدث مع جنوب أفريقيا. وتجارب التاريخ تؤكد أن أنظمة الفصل العنصري لا تدوم، وأنها تواجه رفضًا شعبيًا ودوليًا متناميًا.
يبقى السؤال الأساسي: هل ستختار إسرائيل طريق الحوار والحلول السلمية العادلة، التي تضمن حقوق الفلسطينيين وتحقق السلام والاستقرار، أم ستواصل سياساتها التي قد تقودها إلى عزلة دولية متزايدة وأزمات داخلية متصاعدة؟
هذه القضية ستظل في صلب النقاش السياسي الدولي، وتبقى العدالة والمساواة الأساس لتحقيق أي حل دائم في المنطقة.