الوقت – في ظل استمرار العدوان الوحشي على قطاع غزة، تتكشف يوماً بعد يوم ملامح أزمة عميقة يعيشها الكيان الصهيوني، ليس فقط على المستوى العسكري، بل على الصعيد السياسي والمعنوي أيضاً. خطاب قائد حركة أنصار الله في اليمن جاء ليعكس إدراكاً واعياً لطبيعة هذا الصراع، وليرسم ملامح قراءة استراتيجية تكشف ضعف العدو وتفضح تواطؤ حلفائه، عرباً وغرباً.
الخطاب لم يكن مجرد تنديد بالجرائم، بل كان تحليلاً معمقاً لحقيقة ما يجري خلف الكواليس، بدءاً من الحصار الخانق الذي يقتل أطفال غزة جوعاً، مروراً بمحاولات نزع سلاح المقاومة في لبنان وغزة، وصولاً إلى اقتحامات المسجد الأقصى وخطط التهويد الممنهجة. في عالم عربي يتأرجح بين الصمت والتطبيع، جاء صوت قائد حركة أنصار الله ليعيد التأكيد على أن المعركة ليست معركة غزة وحدها، بل هي معركة أمة بأكملها في مواجهة مشروع استعماري إحلالي لا يعرف إلا لغة الدم والنار.
مأزق الاحتلال في غزة
يرى قائد حركة أنصار الله في اليمن أن الكيان الصهيوني يواجه مأزقاً وجودياً في غزة، حيث فشلت آلته العسكرية في تحقيق أهدافها رغم خمسة أشهر من الحصار الكامل والتدمير الممنهج. تصريحات قائد حركة أنصار الله تكشف أن العدو يقف أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما احتلال القطاع بالكامل، وهو خيار يدرك تكلفته الباهظة، أو السيطرة على أجزاء منه في محاولة لحفظ ماء الوجه، غير أن كلا الخيارين محكوم عليه بالفشل في ظل صمود المقاومة وقدرتها على استنزاف القوات المعتدية. ما يزيد مأزق الكيان الصهيوني تعقيداً هو تواطؤ الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية التي تقدم الغطاء السياسي والدعم اللوجستي لجرائمه، في وقت تتكدس فيه آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات على أبواب المعابر المغلقة، هذا المأزق ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة طبيعية لتراكمات من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها العدو في تقدير قدرات المقاومة، معتقداً أن الحصار والتجويع يمكن أن يركع شعباً خبر الصمود في وجه أعتى آلات الحرب.
نزع سلاح المقاومة
يحذر قائد حركة أنصار الله في اليمن من أن الدعوات المتكررة لنزع سلاح المقاومة في غزة ولبنان ليست سوى امتداد لمخطط أمريكي–صهيوني يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من جذورها. هذه الدعوات، التي يروّج لها بعض الأنظمة العربية، تأتي في لحظة يمارس فيها العدو أبشع أشكال القتل والتهجير والتهويد، ما يجعل المطالبة بتجريد الشعوب من وسائل الدفاع نوعاً من الخيانة الموصوفة. فالسلاح في يد المقاومين لم يكن يوماً أداة للعدوان، بل وسيلة للبقاء وردع المعتدي، وهو الحق الطبيعي لأي شعب تحت الاحتلال.
قائد حركة أنصار الله وصف هذه الطروحات بأنها "حمقاء وخطيرة"، لأنها تمنح الكيان الصهيوني فرصة ذهبية لفرض سيطرته الكاملة دون أي عائق، وتحويل الأرض المحتلة إلى سجن مفتوح تحت إدارة المستوطنين. التاريخ القريب يثبت أن المقاومة المسلحة وحدها هي التي أوقفت أطماع العدو، كما حدث في لبنان حين منعت سواعد المجاهدين عودة الاحتلال. أما الرهان على التسويات السياسية والاتفاقيات، فقد ثبت فشله على مدار عقود، حيث لم يجنِ الفلسطينيون منه سوى المزيد من الدماء والمجازر.
التواطؤ العربي والصمت المريب
لا يقل خطر التواطؤ العربي عن خطر العدوان الصهيوني نفسه، بل ربما يضاعف من آثاره الكارثية. قائد حركة أنصار الله وجّه انتقادات حادة لبعض الأنظمة العربية التي اختارت الصمت أو الانخراط في مشاريع التطبيع، تاركة الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحيداً. هذا الصمت، كما وصفه، ليس حياداً، بل مشاركة فعلية في الجريمة، لأن الامتناع عن الفعل في لحظة تحتاج فيها الأمة للتحرك هو اصطفاف ضمني مع العدو.
الأخطر من ذلك أن بعض العواصم العربية تحولت إلى منصات لتسويق مشاريع دولية تُعيد إنتاج الاحتلال بلباس جديد، مثل مؤتمرات "حل الدولتين" التي تربط أي تسوية بتجريد المقاومة من سلاحها، متجاهلة أن الكيان الصهيوني لم يلتزم يوماً بأي اتفاق. هذا التخاذل يضرب في العمق روح التضامن العربي–الإسلامي، ويمنح العدو فسحة زمنية لمواصلة مخططاته في التهويد والتهجير. الحوثي شدد على أن الشعوب لا تشارك حكوماتها هذه المواقف، وأن الإرادة الشعبية ما زالت منحازة للمقاومة، لكنها تحتاج إلى قيادة جريئة تكسر قيود التبعية للخارج وتعيد القضية الفلسطينية إلى مكانتها المركزية في وجدان الأمة.
المسجد الأقصى والقدس في قلب المعركة
يضع قائد حركة أنصار الله في اليمن قضية المسجد الأقصى والقدس في صدارة المواجهة مع الكيان الصهيوني، مؤكداً أن ما يجري هناك ليس مجرد تجاوزات متفرقة، بل خطة ممنهجة لفرض واقع جديد يقوم على تقسيم زماني ومكاني للأقصى وتفريغ المدينة من أهلها الأصليين. الاقتحامات الأخيرة، التي وصلت في يوم واحد إلى قرابة أربعة آلاف مستوطن، تكشف عن مستوى التصعيد الذي يخطط له العدو تحت غطاء الصمت العربي والإسلامي. الحوثي وصف هذه الممارسات بأنها "جريمة مركبة" تمزج بين الاعتداء الديني والاستيطان السياسي، حيث يوازي اقتحام الأقصى عمليات هدم المنازل في القدس، كما حدث في جبل المكبر، ونفي العلماء والخطباء بهدف تدمير البنية الروحية والثقافية للمدينة.
هذه الإجراءات ليست معزولة عن باقي المشهد في الضفة وغزة، بل هي جزء من مشروع شامل لتهويد فلسطين وطمس هويتها. التحذير الذي أطلقه الحوثي يتجاوز البعد الفلسطيني المحلي، فهو دعوة للأمة بأسرها لتحمل مسؤوليتها تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين، قبل أن تجد نفسها أمام واقع مفروض لا رجعة فيه. فالمعركة على القدس ليست قضية شعب واحد، بل هي معيار لكرامة الأمة ومقياس لحريتها، وأي تقاعس عن حمايتها هو تفريط في أقدس ما تملك الأمة من تراث وعقيدة.
الخاتمة
يُظهر خطاب قائد حركة أنصار الله في اليمن أن ما يجري في غزة والقدس والضفة الغربية ليس مجرد جولة من جولات الصراع، بل هو معركة وجودية تحدد مصير الأمة أمام مشروع استيطاني إحلالي متجذر. الكيان الصهيوني، رغم ما يملكه من ترسانة عسكرية ودعم سياسي أمريكي وغربي، يقف اليوم أمام مقاومة تعرف جيداً كيف تُحبط مخططاته وتستنزف قدراته.
في المقابل، يكشف المشهد عن هشاشة الموقف العربي الرسمي الذي تماهى مع الضغوط الدولية، متجاهلاً أن التنازل أمام العدو لا يجلب سلاماً بل يفتح شهية المحتل لمزيد من القضم والتهويد. الرسالة الجوهرية التي أراد الحوثي إيصالها هي أن السلاح ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية الأرض والعرض والمقدسات، وأن نزع سلاح المقاومة هو تسليم مفتاح البيت للصّ السارق.
إن معركة غزة والقدس هي اختبار حقيقي لضمير الأمة، ومقياس لإرادتها في مقاومة الاحتلال، ونداء لكل الأحرار بأن الصمت خيانة، والتطبيع انتحار سياسي وأخلاقي. فإذا كان العدو اليوم عاجزاً عن تحقيق نصر حاسم، فإن الفضل يعود لدماء الشهداء وصمود المقاومين، ولمن يرفع صوته عالياً في وجه الهيمنة والظلم، مؤكداً أن زمن الهزيمة النفسية قد ولى، وأن الكلمة الأخيرة ستكون دائماً للمقاومة.