الوقت- رغم الدعوات العالمية لوقف الحرب في غزة فورًا، لم يكتفِ الكيان الصهيوني بتجاهل هذه المطالب، بل بدأ جولة جديدة من الهجمات على المدارس والمستشفيات والملاجئ المدنية، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من النساء والأطفال.
في أحدث جرائمه في غزة، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الاثنين مدرسة فهمي الجرجاوي، وهي مأوى للاجئين الفلسطينيين في حي الدرج وسط مدينة غزة، متسببًا في كارثة ومجزرة مروعة.
وأعلنت مصادر طبية غزية استشهاد 36 شخصًا وإصابة آخرين في هذه الجريمة، وكان الأطفال هم الضحايا الرئيسيون لهذه الجريمة هذه المرة، هذا النوع من الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ليس جديدًا، فمنذ بداية حرب غزة، دأب جيش الاحتلال على استهداف المناطق المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومخيمات اللاجئين.
إن قصف المدارس التابعة للأمم المتحدة، ومهاجمة المستشفيات العاملة، بل حتى تدمير الملاجئ التي لجأ إليها آلاف النساء والأطفال وكبار السن، ليست سوى بعض الجرائم التي ارتكبتها تل أبيب خلال هذه الحرب.
وفقًا لاتفاقيات جنيف، يُحظر شنّ هجمات على البنى التحتية الطبية والتعليمية والمدنية في أوقات الحرب، ويجب محاكمة المخالفين كمجرمي حرب، إلا أن "إسرائيل"، في تجاهل واضح لهذه المبادئ، كررت هذه الهجمات مرارًا وتكرارًا وبشكل منهجي، ما جعل الإفلات من العقاب أمرًا روتينيًا.
وقد أدانت المنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان هذه الأفعال مرارًا وتكرارًا، ودعت السلطات الصهيونية إلى محاسبتها، إلا أن غياب الإرادة السياسية الجادة من جانب القوى العالمية للحد من هذه السلوكيات أدى إلى استمرار هذه الجرائم وتوسعها.
الآن، بالنسبة لكيان الاحتلال، أصبحت الهجمات على المدارس والمستشفيات جزءًا من استراتيجية عسكرية، وقد كشف هذا النهج اللاإنساني عن وجه الكيان الحقيقي للعالم أكثر من أي وقت مضى.
أهداف تل أبيب الرئيسية من قصف المناطق المدنية
تُعدّ الهجمات على المناطق المدنية ومستوطنات اللاجئين جزءًا من خطة منظمة وطويلة الأمد للإبادة الجماعية، وتهجير السكان قسرًا، وصولًا إلى احتلال غزة بالكامل وتغيير تركيبتها الديموغرافية لمصلحة الصهاينة؛ وهي سياسة تُطبّق منذ سنوات في الضفة الغربية المحتلة من خلال بناء المستوطنات الصهيونية.
بتدميرها الممنهج للمدارس والبنية التحتية الحيوية، تُصعّب "إسرائيل" على الناس مواصلة حياتهم الطبيعية وتُجبرهم على الهجرة القسرية من أرضهم، تُمثّل هذه العملية شكلاً من أشكال التطهير العرقي، هدفه النهائي هو التدمير التدريجي لهوية الشعب الفلسطيني وأرضه ومستقبله.
إن سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الجيش الصهيوني حاليًا تهدف إلى تسليم الفلسطينيين خرابًا لا يصلح للسكن، وهو عمل يُشكّل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، في هذا السياق، لا يُعدّ الهجوم على المدارس محاولةً لتدمير الرموز الثقافية والتعليمية الفلسطينية فحسب، بل هو أيضًا تكتيكٌ لحرمان الأجيال القادمة من التعليم والوعي والتمكين في مواجهة الاحتلال.
من جهةٍ أخرى، تهدف هذه الهجمات إلى ممارسة ضغطٍ نفسي واجتماعيٍّ مكثفٍ على الشعب الفلسطيني لتحريضه ضد المقاومة، وخاصةً حركة حماس، إن تدمير البنى التحتية الحيوية، وتدمير المدارس، وتشريد آلاف الأشخاص، جزءٌ من سياسة الأرض المحروقة، التي لا تهدف إلى تحقيق نصرٍ عسكري، بل إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، بهذه الاستراتيجية، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إحداث شرخٍ بين الشعب وقوى المقاومة، ما يُهيئ أرضيةً لانهيار الدعم الشعبي لحماس، ويأمل أن تُجبر هذه الضغوط حماس على إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة، إلا أن هذه الإجراءات لم تُفشل المقاومة فحسب، بل زادت أيضًا من التعاطف الدولي مع شعب غزة، وألهبت الرأي العام ضد الصهاينة.
القصف، رسالة نتنياهو لدعوات وقف إطلاق النار
وقع قصف مدرسة الجرجاوي في الوقت الذي كان المفاوضون الأمريكيون يتفاوضون فيه مع نتنياهو بشأن قبول اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى الأحياء والأموات، ويُقال إن ويتاكر، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، هو من اقترح هذه الخطة، وقد وافقت عليها حماس.
على الرغم من أن الولايات المتحدة تُعتبر حليفًا استراتيجيًا للكيان الصهيوني، ومتواطئة في إبادة الفلسطينيين، إلا أنها سعت في الأسابيع الأخيرة إلى وقف القتال في غزة، انطلاقًا من مصالحها السياسية، ويُعدّ الضغط على تل أبيب لوقف الهجمات محاولةً لتحسين صورة الولايات المتحدة دوليًا، والحفاظ على تحالفها مع الدول العربية التي تلعب دور الوسيط.
إلا أن تل أبيب، بإصدارها أمرًا جديدًا باستدعاء قوات الاحتياط وتكثيف القصف، أظهرت عدم نيتها تبادل الأسرى أو الموافقة على وقف إطلاق النار؛ وهي مسألة يراها الكثيرون في الأراضي المحتلة بمثابة مساعي نتنياهو للحفاظ على بقائه السياسي، وتعتقد مصادر سياسية إسرائيلية أن نتنياهو، بسبب الضغوط الداخلية الشديدة والخلافات داخل الحكومة وتراجع الرأي العام، يرفض عمدًا إنهاء الحرب حفاظًا على تماسك حكومته الهشة، ولذلك، رفضت تل أبيب في الأيام الأخيرة حتى خطة وقف إطلاق النار التي اقترحتها الولايات المتحدة، والتي عُرضت بدعم من دونالد ترامب.
إن الوحشية الصهيونية في غزة في الأسابيع الأخيرة جاءت نتيجة هزائم عسكرية متتالية وعجز عن تحقيق أهدافها المعلنة، في حين أنه في ظل تنامي تمرد الجنود والاحتجاجات الداخلية واسعة النطاق ضد استمرار الحرب، لا يوجد أفق واضح لتحقيق نجاح في الجولة الجديدة من العمليات العسكرية للجيش في غزة، بعد هذا الفشل، تبنى الكيان الصهيوني استراتيجية إجرامية، ويحاول تعويض هزيمته العسكرية بتدمير غزة بالكامل، مستهدفًا المدارس والمستشفيات والملاجئ والمناطق السكنية.