الوقت - مرّ أكثر من 20 شهرًا على حرب غزة، ولا يزال نتنياهو يُكرر ادعاءه بالنصر، تُعدّ الحرب الدائرة حاليًا في غزة أطول حرب منذ قيام الكيان الصهيوني، لم يتوقع أي خبير في أكتوبر 2023، عندما بدأت حرب غزة، أن تستمر هذه الحرب بضراوةٍ لعشرين شهرًا أخرى، بل توقع الصهاينة أنفسهم السيطرة الكاملة على غزة قريبًا، لكن غزة لم تخضع بعدُ للسيطرة الكاملة للكيان الصهيوني، يقصف الاحتلال غزة بأقصى قوة ممكنة منذ 20 شهرًا، تضرر أو دُمر أكثر من 85% من منازل غزة، لكن غزة لا تزال بعيدة عن السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي.
40% فقط
على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرر مرارًا رغبته في السيطرة على قطاع غزة بأكمله، إلا أن إعلان الجيش يوم الأحد أظهر أن "إسرائيل" لم تتمكن حتى الآن إلا من السيطرة على 40% من مساحة غزة بأكملها، ووفقًا لصحيفة التلغراف، يُقدر الجيش أنه في حال إنشاء ثلاث مناطق في غزة خلال الشهرين المقبلين، سيتمكن الكيان من زيادة سيطرته على غزة إلى أكثر من 70%، لكن الأمور لا تزال غير مؤكدة، لأنه قبل ذلك، عندما بدأت حرب غزة، حدد نتنياهو أربعة أهداف لنفسه، ولكن بعد 20 شهرًا، لم يتحقق أي منها تقريبًا.
بشكل عام، كان لدى نتنياهو أربعة أهداف مُعلنة بعد الـ 7 من أكتوبر وعملية عاصفة الأقصى: إعادة الأسرى؛ القضاء على جميع فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان؛ إنهاء برنامج الصواريخ الإيراني وإضعاف محور المقاومة التابع له؛ وأخيرًا، إرساء نظام جديد في المنطقة بقيادة "إسرائيل"، ومع ذلك، لم يحقق الكيان الصهيوني أيًا من هذه الأهداف حتى الآن.
تحديات نتنياهو لوقف الحرب
يُعدّ وقف الحرب في غزة أحد أكبر التحديات التي يواجهها نتنياهو حاليًا، يُنظم قطاع كبير من المجتمع الصهيوني احتجاجات أسبوعية تطالب بإنهاء فوري للحرب في غزة وتبادل الأسرى، لكن نتنياهو رفض حتى الآن أي خطة لوقف الحرب، وقدّم خططًا بديلة لمواصلة الحرب، لأنه لا يسعى إلى وقفها.
يعود سبب منع نتنياهو لوقف الحرب في غزة إلى قضايا داخلية وقضائية تتعلق به، يكمن جوهر معضلة نتنياهو الحالية في سلسلة من تهم الفساد عام ٢٠١٦، أدت تحقيقات الشرطة اللاحقة إلى توجيه اتهامات لنتنياهو عام ٢٠١٩ بخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال.
منذ أن أصبحت هذه التهم علنية، انخرط نتنياهو في مناورات سياسية مختلفة لتجنب مواجهة المحاكمة والإدانات المحتملة وأحكام السجن المحتملة، إنه عازم على بذل كل ما يلزم للبقاء في السلطة، حتى لو تطلب ذلك مطالبة حلفائه المتشددين ووزراء متشددين مثل سمورتريش وبن غفير، وزيري المالية والأمن الداخلي، بمواصلة الحرب.
ونتيجةً لذلك، يدفع نتنياهو بخيار الحرب في غزة بما يرضي السياسيين المتشددين في حكومته، وذلك للحفاظ على حكومته ومنع استقالة الوزراء المتشددين، لأنه يعلم أن وقف الحرب يعني استقالة وزراء الحكومة، وبالتالي فقدان نتنياهو لرئاسة الوزراء، وأن فقدان السلطة يعني محاكمته وربما سجنه.
في الواقع، لطالما صوّر نتنياهو نفسه، طوال مسيرته السياسية، على أنه السياسي الوحيد القادر على ضمان أمن اليهود و"إسرائيل" للبقاء في السلطة، وهو الآن يحاول الحفاظ على سلطته بمواصلة الحرب في غزة.
الطريق الصعب لمواصلة الحرب في غزة
في الوقت نفسه، يواجه نتنياهو صعوبات جمة في استمرار الحرب في غزة، في هذا القسم من التقرير، سنتناول بعض تحديات استمرار الحرب في غزة التي تواجه نتنياهو:
الصراعات الداخلية: تشير التقارير الواردة من الأراضي المحتلة إلى أن أعدادًا متزايدة من الشباب الإسرائيلي ينصرفون عن الحرب في غزة يوميًا، وأن المجتمع الصهيوني يطالب أكثر من أي وقت مضى بإنهاء الحرب لصالح تبادل الأسرى، وتُقام احتجاجات مناهضة للحرب أسبوعيًا تقريبًا في تل أبيب، وقد أُلقي القبض على ألون لي غرين، وهو من سكان الأراضي المحتلة ومعارض للحرب في غزة، وثمانية آخرين يوم الأحد، إلى جانب حوالي 600 آخرين، لمشاركتهم في احتجاجات مناهضة للحرب على طول حدود غزة، حيث أمضوا ليلتين وثلاثة أيام تقريبًا في السجن قبل وضعهم قيد الإقامة الجبرية، ويُعد هؤلاء جزءًا من موجة معارضة متنامية في "إسرائيل" للحرب الدائرة في غزة، وقد أثار استمرار احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة احتجاجات واسعة النطاق داخل الأراضي المحتلة، حيث دعت عائلاتهم ومنظمات المجتمع المدني إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف الحرب في غزة، وتُظهر استطلاعات الرأي أن 67% على الأقل من الإسرائيليين يريدون إنهاء الصراع في غزة وعودة الرهائن إلى ديارهم.
المعارضة الدولية: أثار التصعيد الحاد للحرب في غزة ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان الفلسطينيين المعرضين لخطر المجاعة، أشدّ الإدانات من بعض حلفاء "إسرائيل" الغربيين منذ بدء حرب غزة. ووقّعت عدة دول أوروبية، منها كندا، رسالةً تُعارض تصعيد الحرب في غزة، ولم تُوجّه الولايات المتحدة، بصفتها الداعم الأقوى لـ"إسرائيل"، انتقاداتٍ علنيةً لتصعيد "إسرائيل" للهجمات على غزة، لكن ترامب تجاوز نتنياهو بالتفاوض مباشرةً مع حماس، وتوصل إلى اتفاقٍ منفصلٍ معها لإطلاق سراح آخر رهينة أمريكي على قيد الحياة، ولم يزر إسرائيل خلال رحلته إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي.
وقد ركّزت معظم الانتقادات الدولية للحرب في غزة على الوضع الإنساني المتردي في غزة، والذي يُمثّل نتيجةً مباشرة للحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ شهرين، وقد دفع الحصار، الذي منع وصول الغذاء والدواء وغيرها من المساعدات الأساسية إلى غزة، وكالات الإغاثة إلى التحذير من تناقص الإمدادات الغذائية، ويُبلغ الأطباء عن سوء تغذية بين الأطفال.
القيود العسكرية: من جهة أخرى، يواجه الكيان الصهيوني قيودًا عسكرية كبيرة لمواصلة حربه على غزة، وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأن بعض القادة العسكريين في الجيش وقّعوا عريضة طالبوا فيها بإنهاء الحرب.
قبل أسبوعين، نظّم ألف طيار وعضو في سلاح الجو الصهيوني احتجاجات عسكرية، وسرعان ما امتدت هذه الاحتجاجات إلى الوحدات البرية وأجهزة الاستخبارات، وصولًا إلى الشرطة الإسرائيلية، وتشير الأنباء أيضًا إلى انضمام داني ياتوم، وإفرايم هاليفي، وتامير باردو، الذين تولى سابقًا رئاسة الموساد، إلى جانب عدد من نواب الموساد السابقين وعشرات رؤساء أقسامه المختلفة.
من جهة أخرى، تسبب تمرد بعض الجنود في الجيش الإسرائيلي في حاجة الجيش إلى تعزيز قواته، مما دفعه إلى إطلاق خطة لإنشاء جيش محترف، إلا أن هذه الخطة تتطلب أيضًا تمويلًا جديدًا، في حين يواجه الكيان الصهيوني عجزًا في الميزانية.
العقبات المالية: أدت حرب غزة أيضًا إلى عجز حاد في ميزانية الكيان الصهيوني. وذكرت صحيفة هآرتس العبرية في هذا الصدد أن استئناف الحرب في غزة أدى إلى عجز حاد في الميزانية، يُقدر بحوالي 15-25 مليار شيكل.
وذكرت الصحيفة أن جميع الافتراضات الأساسية التي أُعدّت على أساسها ميزانية هذا العام لم تعد صالحة، وذكرت هآرتس أن عجز الميزانية قد يؤدي إلى زيادة الضرائب وتخفيضات في الخدمات الاجتماعية، وزيادة في العجز المالي، وتشير التقديرات أيضًا إلى أنه في حال استمرار الحرب في غزة، فقد يصل عجز ميزانية الكيان الصهيوني إلى عشرات المليارات، كما ذكرت مصادر عبرية أن عجز الميزانية يثير مخاوف من فقدان الكيان السيطرة على إنفاقه الحربي.