الوقت- كشفت وكالة “أسوشييتد برس” في تحقيق ميداني معمق عن شهادات مروعة تُظهر لجوء جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، في ممارسة محظورة دولياً تصاعد استخدامها بشكل لافت منذ اندلاع الحرب الأخيرة.
الوكالة نقلت روايات سبعة فلسطينيين أجبروا على المشاركة في عمليات تفتيش ميدانية لمنازل ومبانٍ، وهم في الواجهة، فيما بقي الجنود الإسرائيليون خلفهم. كما أدلى جنديان إسرائيليان سابقان، رفضا الكشف عن هويتهما، بشهادات تؤكد تلقيهم تعليمات مباشرة من قيادات عليا لاستخدام ما وصفوه داخلياً بـ”بروتوكول البعوض”، في إشارة لأسلوب استخدام الفلسطينيين كأدوات حماية وتفتيش ميداني.
مدنيون في مواجهة الموت: شهادات من غزة والضفة
أيمن أبو حمدان، فلسطيني يبلغ من العمر 36 عاماً من قطاع غزة، قال للوكالة إنه أُجبر على ارتداء زي عسكري وكاميرا مثبتة على الرأس، وتم تكليفه بتفتيش منازل مشبوهة بالعبوات الناسفة أو بوجود مقاومين. وأضاف: “كانوا يضربونني ويقولون: لا خيار أمامك، افعل هذا أو سنقتلك”. وأوضح أنه نُقل بين عدة وحدات إسرائيلية لمدة 17 يوماً، مكلفًا بمهام خطيرة داخل مناطق النزاع.
وفي حادثة مؤلمة أخرى، تحدث مسعود أبو سعيد، وهو أب فلسطيني من خان يونس، عن إجباره على تفتيش مستشفى ومنازل، وهو يرتدي سترة إسعافات أولية ويحمل هاتفاً وأدوات بدائية لتحديد الأنفاق. وأوضح أنه صُدم حين التقى شقيقه داخل إحدى المناطق المستهدفة، وقد استخدمته وحدة إسرائيلية أخرى بالطريقة نفسها. وقال باكياً: “اعتقدت أنهم أعدموه”.
وامتدت هذه الممارسات إلى الضفة الغربية أيضًا، حيث أفادت هزار استيتي، وهي فلسطينية من مخيم جنين، بأن قوات الاحتلال أجبرتها على دخول شقق سكنية لتصويرها وتفتيشها قبيل اقتحامها، رغم توسلاتها بالعودة إلى طفلها الصغير.
تعليمات من قيادات عليا وتبريرات ميدانية
الجنديان الإسرائيليان السابقان كشفا أن هذه الأوامر صدرت من رتب عسكرية عليا، وأن هذه الممارسة لم تكن فردية أو عفوية. وأوضح أحدهما أن الفلسطينيين كانوا يُشار إليهم بمصطلحات مهينة مثل “الدبابير”، وأن هذا الأسلوب كان يُسوق داخل الجيش كأداة لتسريع العمليات وتوفير الذخيرة وتقليل الخسائر.
أحد الضباط أوضح أن وحدته في غزة، خلال الأشهر الأخيرة من خدمته التي استمرت تسعة أشهر، استخدمت هذا الأسلوب بشكل ممنهج. وأضاف أن حادثة وقعت حين أُطلق النار على فلسطيني استخدم كدرع بشري من قبل وحدة أخرى، دون علم قواته بذلك. وقدّم الضابط توصية بأن يرتدي هؤلاء المدنيون الزي العسكري الإسرائيلي لتجنّب حالات القتل بالخطأ، مشيرًا إلى معرفته بحالة أخرى فقد فيها مدني حياته داخل نفق بعدما أغمي عليه أثناء أداء المهمة.
جنود يحاولون الرفض.. بلا جدوى
رقيب إسرائيلي سابق، تحدث للوكالة شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إن وحدته حاولت الاعتراض على استخدام المدنيين كدروع بشرية منتصف عام 2024، لكن ضابطاً رفيعاً أبلغهم صراحة بعدم القلق من تبعات انتهاك القانون الإنساني الدولي. وأشار إلى أن وحدته استخدمت فتى في السادسة عشرة من عمره وآخر يبلغ 30 عامًا، في عمليات استمرت لأيام.
التوثيق الحقوقي: “انهيار أخلاقي ممنهج”
رغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية حظرت هذا الأسلوب عام 2005، أكدت منظمات حقوقية استمرار الجيش في انتهاكه، موثقة حالات متكررة في غزة والضفة. وقالت منظمة “كسر الصمت”، التي أسسها جنود إسرائيليون سابقون، إن هذه الممارسات تكشف عن “فشل منهجي وانهيار أخلاقي مروع”. وأضاف مديرها التنفيذي نداف وايمان: “هذه الشهادات ليست حوادث معزولة، بل جزء من سياسة متبعة. الجيش الذي يدين حماس على استخدام المدنيين كدروع بشرية، ينتهج السلوك ذاته”.
موقف الجيش الإسرائيلي: تحقيقات بدون نتائج
من جانبها، زعمت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في بيان للوكالة أنها “تحظر استخدام المدنيين في العمليات العسكرية”، مضيفةً أنها “تحقق في بعض الحالات”، دون تقديم تفاصيل حول طبيعة هذه التحقيقات أو مدى انتشار الظاهرة، ما يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول جدية المساءلة.
دعوات متصاعدة للمحاسبة الدولية
هذه الشهادات، التي تضاف إلى سجل متراكم من الانتهاكات الموثقة، تعيد طرح تساؤلات ملحة أمام المجتمع الدولي حول حدود الصمت المطبق، والمساءلة الغائبة، والتعامل بازدواجية في تطبيق القانون الدولي الإنساني، في وقت تتزايد فيه الانتهاكات بحق المدنيين في النزاعات المسلحة.