الوقت - مع استمرار الحرب المفتوحة على قطاع غزة لأكثر من 580 يومًا، وتزايد المؤشرات على تصعيد إسرائيلي شامل يهدد بتحويل القطاع إلى أنقاض وساحة مجاعة شاملة، تتصاعد الدعوات داخل الولايات المتحدة وخارجها لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية ووقف الدعم غير المشروط لها.
وفي هذا السياق، وجهت منظمات حقوقية أمريكية، أبرزها "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" (CAIR)، دعوة عاجلة إلى الكونغرس للتحرك قبل فوات الأوان، ووقف ما وصفوه بـ"خطة نتنياهو لتجويع غزة وتهجير سكانها بالقوة".
بين الاحتلال والمجاعة: سيناريو مرعب يتشكل في غزة
تشير المعطيات الميدانية من غزة إلى أن "إسرائيل"، بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، تسير نحو تنفيذ خطة معلنة للسيطرة الكاملة على القطاع، وذلك من خلال العملية العسكرية المسماة "مركبات جدعون"، التي تهدف إلى "تطهير" غزة من سكانها، حسب تعبير مسؤولين إسرائيليين، ويخشى كثيرون من أن تكون هذه العملية مقدمة لفرض وقائع جديدة، تتجاوز الحرب التقليدية إلى سياسات استيطانية وتهجيرية.
التحذيرات تتزايد من أن "إسرائيل" تستغل صمت المجتمع الدولي والتواطؤ السياسي لبعض القوى الكبرى لفرض تسوية أحادية بالقوة، عنوانها: "أرض بلا شعب"، عبر التجويع، القصف العشوائي، ومنع المساعدات الإنسانية.
CAIR يقرع ناقوس الخطر: "تحركوا قبل ألا يبقى أحد"
في رسالة مفتوحة حملت لهجة غير معتادة من الحزم، دعا مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية جميع أعضاء الكونغرس إلى "التحدث علنًا وبصوت واضح ضد خطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة وتسويتها بالأرض، ودفع من تبقى من الفلسطينيين إلى معسكرات تمهيدًا لطردهم الجماعي"، حسب ما جاء في نص الرسالة الموقعة من قبل مدير الشؤون الحكومية روبرت إس. مكو.
مكو شدد على أن نتنياهو "أعلن صراحة أن الحرب ستستمر حتى بعد الإفراج عن الرهائن، وهو ما يعكس نية سياسية وليست أمنية"، مطالبًا بوقف فوري لمبيعات الأسلحة الأمريكية لـ"إسرائيل"، وربطها باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
إبادة على الهواء مباشرة: الأطفال يموتون جوعًا
في مشهد يعيد إلى الأذهان المجاعات الكبرى في تاريخ البشرية، يواجه سكان غزة – أكثر من 2.3 مليون نسمة – خطر الموت البطيء جوعًا، ووفقًا لتقرير صدر حديثًا عن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" (IPC)، هناك ما لا يقل عن 244 ألف شخص يعيشون حاليًا في المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي أعلى مراحل انعدام الأمن الغذائي، حيث يُسجل فيها وفيات جماعية وسوء تغذية حاد وانهيار تام للبنى الخدمية.
مأساة الجوع تترافق مع غارات مكثفة استهدفت المدنيين، حيث استشهد 115 فلسطينيًا في أقل من يوم واحد، غالبيتهم من الأطفال والنساء، في مناطق كبيت لاهيا وجباليا، وأكدت تقارير أن مئات الأطفال قضوا جوعًا، بينما تتعفن شاحنات المساعدات عند المعابر المغلقة.
جرائم حرب؟ محكمة العدل الدولية تفتح الملف
العدوان الإسرائيلي لا يقتصر على القصف، بل يشمل سياسة تجويع ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حسب ما ورد في دعوى قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، تتهم "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
كما تلاحق المحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم تشمل استخدام التجويع كسلاح، التهجير القسري، والقتل الجماعي، وهي سابقة تهدد بوضع قادة "إسرائيل" في قفص الاتهام دوليًا، في حال استُكمل التحقيق وصدرت أوامر توقيف.
الغضب في قلب واشنطن: بن كوهين يُعتقل داخل الكونغرس
مشهد لافت جسده بن كوهين، المؤسس المشارك لشركة "بن آند جيري"، حين اقتحم جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي وصرخ قائلًا: "أنتم تقتلون الأطفال الفقراء في غزة بشراء القنابل، وتقطعون المساعدات عن أطفال أمريكا!"، قبل أن يُعتقل ويُخرج من القاعة وسط صدمة بعض الحضور.
كوهين أضاف: "على الكونغرس إنهاء الحصار فورًا، وفتح أبواب غزة لدخول الغذاء والدواء، لا يمكن أن يستمر العالم في مشاهدة الأطفال يموتون بصمت".
تحرك تشريعي خجول... ولكن لافت
في تطور سياسي مهم، وقع 27 سيناتورًا ديمقراطيًا وعضوان مستقلان على بيان يطالب إدارة الرئيس دونالد ترامب (وفقًا لتسلسل زمني افتراضي في التقرير) باستخدام كل الوسائل الدبلوماسية لوقف الحرب ورفع الحصار، والإفراج عن الرهائن.
إلا أن هذا التحرك، رغم أهميته الرمزية، لا يرقى بعد إلى تشكيل ضغط تشريعي حقيقي على الإدارة الأمريكية، التي تواصل تقديم الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الكامل لـ"إسرائيل"، رغم تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية.
منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، أسفر العدوان الإسرائيلي على غزة عن استشهاد أكثر من 172 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 14 ألف مفقود تحت الأنقاض، وبينما تُحاصر غزة منذ عام 2007، إلا أن ما يجري اليوم يتجاوز كل الخطوط الحمراء الإنسانية.
في رسالته الأخيرة، قال مجلس "CAIR": "رجاءً، ارفعوا أصواتكم، الآن، وليس غدًا، لأننا قد نصل إلى لحظة لا يبقى فيها أحد لننقذه"، وحده الضمير العالمي قادر على منع كارثة إبادة في غزة، لكن السؤال هو: هل بقي من يسمع؟