الوقت- أثبتت حركة أنصار الله، بالاعتماد على قوة الإرادة والدعم الشعبي والاستخدام الذكي للأرض، أنهم قادرون على الغلبة في مواجهة قوة عظمى، ورغم النفقات الضخمة واستخدام الأسلحة الأكثر تطوراً، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها، واضطرت في نهاية المطاف إلى التراجع.
وفي هذا السياق، وفي 6 مايو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماع مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن حملة القصف العنيف التي شنتها الولايات المتحدة ضد أنصار الله في اليمن قد انتهت، ويأتي هذا القرار، بعد 50 يوما من الهجمات الضخمة على أكثر من ألف هدف منفصل، تحت اسم عملية "الفارس الخشن"، بمثابة تراجع أمريكي واضح في مواجهة مقاومة أنصار الله.
ترامب يزعم أن أنصار الله "لا يريدون القتال بعد الآن!" وأمريكا "تأخذ كلمتهم"! وسوف يوقف القصف، لكن وقف إطلاق النار هذا -الذي لا يوقف إلا الهجمات المباشرة بين الولايات المتحدة وأنصار الله- لم يغير مواقف أنصار الله الأولية، ويواصلون مهاجمة "إسرائيل" والسفن المرتبطة بنظامها بقوة، وأعلنوا أن هجماتهم لن تتوقف حتى نهاية حرب غزة.
وأظهرت هذه النتيجة انتصار أنصار الله الباهر في معركة غير متكافئة ضد قوة عظمى، وأثبتت مرة أخرى أن الولايات المتحدة، على الرغم من تفوقها العسكري، عاجزة أمام جماعات صامدة ومصممة مثل أنصار الله، لقد أثبتت جماعة أنصار الله التي ترسخت جذورها في جبال اليمن منذ مطلع القرن الحالي - مرة أخرى قدرتهم على الصمود في وجه القوى العظمى بالاعتماد على الإرادة القوية والتكتيكات الذكية والدعم الشعبي.
بلغت تكلفة الحملة الأمريكية، التي هدفت إلى استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر، أكثر من ملياري دولار واستخدمت فيها أكثر الأسلحة تطوراً، بما في ذلك قاذفات الشبح بي-2 وطائرات من دون طيار من طراز إم كيو-9 ريبر، لكن هذه الهجمات لم تنجح في إضعاف أنصار الله فحسب، بل عززت أيضا مكانتهم في اليمن والمنطقة.
وقال المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام: إن الاتفاق "انتصار كبير لليمن" وإن الجماعة أجبرت الولايات المتحدة على التراجع من خلال الحفاظ على مواقعها، ويؤكد تقرير الشؤون الخارجية الذي كتبته أبريل لانجلي إيلي هذا الانتصار ويظهر أن أنصار الله، من خلال صمودهم في وجه الهجمات الأمريكية، لم يقاوموا فحسب، بل أصبحوا أيضاً قوة إقليمية.
ومن أهم عوامل نجاح أنصار الله قدرتهم على استخدام جبال اليمن كميزة استراتيجية، وبفضل سنوات من الخبرة في قتال الحكومة اليمنية المخلوعة والتحالف الذي تقوده السعودية، فإنهم يتمتعون بمهارة لا مثيل لها في حماية قادتهم ومواردهم، وبفضل الاكتفاء الذاتي والمبادرات المحلية، تمكن أنصار الله من الصمود في وجه الضغوط العسكرية المكثفة، وحتى في ذروة الهجمات، حافظوا على قدرتهم على استهداف "إسرائيل"، على سبيل المثال، في أوائل مايو/أيار 2025، تمكن أنصار الله من اعتراض صاروخ تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية وسقط بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب، ما أظهر قوتهم ودقتهم، وفي المقابل، واجهت الحملة الأمريكية العديد من النكسات، لقد فشلت الهجمات الأمريكية اليومية، التي تكلفت مبالغ باهظة، في تحقيق أهدافها، وأعلن أنصار الله بجرأة أنهم أسقطوا ما لا يقل عن سبع طائرات مسيرة أمريكية من طراز ريبر - تبلغ قيمة كل منها 30 مليون دولار - وأن طائرة مقاتلة أمريكية بقيمة 60 مليون دولار تحطمت في البحر أثناء مناورة حاملة طائرات للهروب من نيران أنصار الله.
وأظهرت هذه الخسائر عجز أمريكا أمام التكتيكات الدفاعية للحوثيين، وتسببت الغارات الجوية الأمريكية في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وأدى هجوم على ميناء رأس عيسى للوقود في الحديدة إلى مقتل أكثر من 70 يمنيًا، كما أدى هجوم على مركز احتجاز يديره أنصار الله ويأوي مهاجرين أفارقة غير شرعيين إلى مقتل العشرات من المدنيين، ولم تقتصر هذه الحوادث على إثارة غضب الشعب اليمني فحسب، بل أضرت بصورة أمريكا كقوة معتدية في المنطقة وزادت من دعم أنصار الله.
وتظهر تجربة أنصار الله في اليمن تفوق الجماعات المقاومة في الحرب غير المتكافئة، وفي العراق وأفغانستان، وعلى الرغم من التفوق التكنولوجي الأمريكي، تمكنت الميليشيات من مقاومة الحملات العسكرية طويلة الأمد بالاعتماد على الإرادة الشعبية والدعم الشعبي، وتوقعت مقالة نشرت في مجلة "الحرب على الصخور" عام 2015 أن الحرب غير المتكافئة، وخاصة ضد الجماعات المتمردة، سوف تشكل تحديا كبيرا للولايات المتحدة.
حذرت هذه المقالة قبل عشر سنوات من أن التركيز بشكل كبير على التهديدات المتقدمة مثل الصين قد يقوض استعداد أمريكا لمواجهة جماعات المقاومة، وقد أكدت التجربة اليمنية هذا التوقع، ومن خلال مقاومة الهجمات الأمريكية، لم يكتف أنصار الله بالمقاومة، بل استخدموا وسائل الإعلام لتحويل هذه الهجمات إلى فرصة لتعزيز موقفهم.
كان أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا في هذه المعركة هو الافتقار إلى استراتيجية فعالة، لقد فشلت إدارة ترامب، على الرغم من تصعيد الهجمات وتطبيق الضغوط الاقتصادية من خلال وضع أنصار الله على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، في ترجمة هذه الإجراءات إلى نتائج ذات معنى، ولم تنجح هذه الضغوط -التي استهدفت النظام المصرفي في مناطق سيطرة أنصار الله- في كسر إرادة الجماعة، وأثبت أنصار الله، استناداً إلى تجربتهم السابقة في الحرب مع التحالف السعودي، قدرتهم على الصمود في وجه الضغوط الخارجية. وقد أدت الهجمات السعودية في عام 2015، والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، إلى زيادة الدعم الشعبي للحوثيين وتقديمهم كرمز للمقاومة، وكانت الحملة الأمريكية قد توصلت إلى نتيجة مماثلة، حيث قدمت أنصار الله في المنطقة كمجموعة تمكنت من الانتصار على قوة عظمى.
إن وقف إطلاق النار في السادس من مايو/أيار، والذي كان بمثابة وسيلة للولايات المتحدة للهروب من حملة فاشلة، حقق انتصارا تاريخيا للحوثيين، وأكد تقرير الخارجية أن هذا الاتفاق سمح للحوثيين بمواصلة أهدافهم بقوة أكبر، بما في ذلك مواجهة "إسرائيل"، كما حطم هذا الفوز آمال الحكومة اليمنية المعترف بها، والمدعومة من تحالف سعودي إماراتي، في الحصول على الدعم الأمريكي لعملية برية ضد أنصار الله.
وتواجه المملكة العربية السعودية، التي طالما شككت في موثوقية الولايات المتحدة كشريك أمني، الآن جماعة أنصار الله الأكثر قوة على حدودها الجنوبية، حيث إن انتصار أنصار الله له عواقب بعيدة المدى على الأمن الإقليمي والعالمي.
أنصار الله الذين سبق وأن أثروا على 15% من التجارة البحرية في العالم من خلال مهاجمة السفن الإسرائيلية وغيرها من الدول في البحر الأحمر والتي كانت متجهة إلى موانئ في الأراضي المحتلة، لديهم الآن تجربة ناجحة في تحدي قوة عظمى.
وقد جعل هذا النجاح من أنصار الله نموذجاً لجماعات المقاومة الأخرى في المنطقة، وأثبت أنه من الممكن الوقوف في وجه القوى المعتدية حتى مع الموارد المحدودة، إن قدرة أنصار الله على مواصلة هجماتهم ضد النظام المحتل دليل على قوتهم وإصرارهم على الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وفي نهاية المطاف، تقدم التجربة اليمنية درساً رئيسياً للولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى: ففي الحرب غير المتكافئة، لا يكفي التفوق العسكري وحده، وأثبت أنصار الله، بالاعتماد على قوة الإرادة والدعم الشعبي والاستخدام الذكي للأرض، أنهم قادرون على الغلبة في مواجهة قوة عظمى، ورغم النفقات الضخمة واستخدام الأسلحة الأكثر تطوراً، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها، واضطرت في نهاية المطاف إلى التراجع، لقد أثبت هذا الفشل مرة أخرى أن القوى العظمى معرضة للخطر في مواجهة مجموعات مرنة ومصممة.