الوقت - في أعقاب إجراء الانتخابات البلدية في لبنان، التي مثّلت أول اختبار سياسي عقب الأحداث المضطربة التي شهدتها البلاد خلال العام والنصف المنصرمين، تحولت هذه الاستحقاقات إلى ميدان لإعادة تقييم الثقل الاجتماعي والسياسي لتيار المقاومة، وعلى رأسه حزب الله، وفي هذا المضمار، أجرينا حواراً مع السيد مسعود أسد اللهي، الخبير في الشؤون الدولية والإقليمية، لإلقاء نظرة تحليلية على نتائج هذه الانتخابات، وانعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي اللبناني، وتداعياتها المرتقبة على الاستحقاق البرلماني القادم.
انتخابات المجالس المحلية في لبنان… بوابة لإعادة الهندسة السياسية لحزب الله
وصف السيد مسعود أسد اللهي، محلل الشؤون الدولية وغرب آسيا، انتخابات المجالس البلدية والقروية اللبنانية بأنها فاتحة لإعادة تشكيل المشهد السياسي لحزب الله، وتعزيز قاعدته الجماهيرية.
في مستهلّ حديثه، سلّط الضوء على أهمية البنية الانتخابية في لبنان قائلاً: “تكتسي انتخابات المجالس البلدية والقروية في لبنان أهميةً بالغةً، فعلى الرغم من أن هذه المجالس لا تتمتع بصلاحيات قانونية واسعة، إلا أنها تضطلع بدور محوري من حيث النهوض العمراني، ومعالجة القضايا المدنية، وفي نهاية المطاف التأثير السياسي".
وأضاف أسد اللهي: “في النسيج اللبناني، حتى على المستويات الدنيا، كالمناطق الإحيائية أو الأشخاص المعروفين بـ ‘المختار’ الذين يضطلعون بدور يماثل عمدة القرى في بلادنا، تُجرى انتخابات، هذا الطيف الواسع من الاستحقاقات الانتخابية، يكشف أن جميع التيارات السياسية اللبنانية تولي هذا المضمار اهتماماً بالغاً".
ووفقاً لهذا المحلل، تشكّل انتخابات المجالس المحلية مرآةً تعكس مدى نفوذ وشعبية القوى السياسية، بما فيها حزب الله، على صعيد الرأي العام، وفي هذا السياق، أوضح:
“تمثّل هذه الانتخابات فرصةً ثمينةً لحزب الله لإعادة صياغة وترسيخ حضوره الشعبي على المستوى المحلي، وأرضية صلبة لتثبيت موقعه الاجتماعي والسياسي في المستقبل، ولا سيما في ظل اقتراب استحقاق الرئاسة".
وشدّد أسد اللهي على أن نتائج هذه الانتخابات قد تحمل في طياتها مؤشرات على تحولات جوهرية في موازين القوى السياسية في لبنان، ويتعين أخذها على محمل الجد.
اختبار حقيقي لقياس الثقل الاجتماعي لحزب الله
واصل هذا الخبير البارز في الشؤون الدولية حديثه مشيراً إلى الفارق الجوهري بين انتخابات المجالس المحلية والانتخابات البرلمانية في لبنان، معتبراً هذه الدورة الانتخابية بالغة الحساسية والأهمية لحزب الله.
وصرح قائلاً: “على خلاف الانتخابات البرلمانية التي تُجرى في دوائر أوسع نطاقاً وتكون نتائجها في الغالب ثمرة تحالفات سياسية متشعبة ومعقدة، فإن انتخابات المجالس البلدية والقروية، بحكم طبيعتها المحلية والمحدودة، تكشف بجلاء أي فصيل في كل منطقة يحظى بأكبر قدر من التأييد الشعبي، هذه الخاصية تضفي أهميةً استثنائيةً على هذه الانتخابات وتدفع جميع التيارات، بما فيها حزب الله، للانخراط فيها بدقة وحساسية بالغة".
وبالإشارة إلى الظروف الاستثنائية لهذا العام، قال أسد اللهي: “هذه هي أول انتخابات تُجرى عقب الحرب الضروس الأخيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني في لبنان، خلال العام والنصف المنصرمين، وخاصةً في الأشهر الأخيرة، واجه حزب الله فقدان قادته العظام وشخصياته البارزة، على رأسهم الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه) والشهيد السيد هاشم صفي الدين، وقد استغل بعض مناوئي حزب الله هذه الأحداث للترويج لأطروحات تتحدث عن إضعاف أو حتى اندثار هذا التيار العريق".
وأضاف: “تتشدق الفصائل المنافسة، بثقة زائفة، بالحديث عن نزع سلاح المقاومة وتروج لوهم أن حزب الله فقد قاعدته الشعبية، في حين أن الملحمة الاستثنائية لتشييع جثامين شهداء المقاومة، شكّلت أول تجلٍ مهيب للمكانة الاجتماعية الراسخة لحزب الله".
وشدد أسد اللهي على أن “الانتخابات اختبار أكثر دقةً وموثوقيةً من أي مراسم، فعلى خلاف المراسم التي تغلب عليها الجوانب العاطفية، تتعامل الانتخابات بلغة الأرقام والإحصاءات الصارمة، ستكشف نتائج هذه الانتخابات بوضوح وشفافية عن موقع حزب الله، ومدى التفاف الجماهير حوله".
وأشار هذا الخبير في الشؤون الإقليمية إلى أن الأجواء الانتخابية المرتقبة في لبنان، ستشكّل إجابةً قاطعةً على جميع الشكوك المثارة حول مستقبل حزب الله السياسي، ومدى رسوخ نفوذه الاجتماعي.
إخفاق العمليات النفسية لأعداء المقاومة
وصف هذا الخبير في الشؤون الدولية وغرب آسيا، عبر الإشارة إلى نتائج انتخابات المجالس المحلية اللبنانية، هذا الاستحقاق الانتخابي بأنه “تجديد للشرعية الشعبية للمقاومة”.
وأشار إلى النسق الثابت للانتصارات الانتخابية للتحالف الشيعي المؤلف من حزب الله وحركة أمل قائلاً: “في جميع الدورات السابقة، دأبت هاتان القوتان الشيعيتان الوازنتان على المشاركة في الانتخابات متحالفتين، وكللت مساعيهما دوماً بالنجاح، سواء على صعيد الانتخابات البرلمانية أو المجالس المحلية، هذا العام أيضاً، أظهرت النتائج، تماماً كما في الدورات السابقة بل وبزخم أقوى، أن هذا التحالف نجح في حصد الأغلبية المطلقة للأصوات في جميع المناطق ذات الثقل الشيعي".
وأضاف أسد اللهي: “في المناطق ذات النسيج السكاني المختلط من الشيعة والسنة أو الشيعة والمسيحيين، تُوجت بالنجاح أي مجموعة من المسيحيين أو السنة تحالفت مع حزب الله، وهذا يبرهن على أن طوفان الدعاية الكثيفة والعمليات النفسية التي شنها أعداء حزب الله لتشويه صورة هذا التيار، لم يكن لها أي وقع ملموس على الرأي العام".
إخفاق أمريكا و"إسرائيل"
وأردف قائلاً: “في المناطق التي زعم البعض سابقاً أن مناوئي حزب الله يمكنهم حصد أصوات وافرة فيها، تبين أنهم عملياً عجزوا حتى عن بلوغ الحد الأدنى من الأصوات، وهذا يعني أن حزب الله لم يحافظ على موقعه الراسخ في المناطق ذات الغالبية الشيعية فحسب، بل إن تحالفاته في المناطق ذات التركيبة المختلطة، تحظى أيضاً بالتفاف جماهيري واسع".
وأشار هذا المحلل للشؤون الإقليمية إلى الأحداث الأخيرة والحرب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان قائلاً: “رغم فظائع الجرائم التي اقترفتها "إسرائيل" والدمار الهائل الذي ألحقته بلبنان، لا يزال الشعب يقف صفاً واحداً إلى جانب المقاومة، كانت الانتخابات الأخيرة امتحاناً حقيقياً واجتازه حزب الله بنجاح باهر، وأثبتت أن مكانته الشعبية لم تبق على حالها فحسب، بل تعززت وترسخت".
وقال أسد اللهي: “تسعى الولايات المتحدة و"إسرائيل" منذ عقود إلى نزع أنياب المقاومة وتقويض حاضنتها الشعبية، لكن هذه الانتخابات حملت رسالةً جليةً لهما: الشعب اللبناني، رغم كل الضغوط والتهديدات والمحن، لا يزال ينتصر للمقاومة ويلتف حولها".
بوابة لدور أكثر فاعليةً لحزب الله في الانتخابات البرلمانية اللبنانية
واصل أسد اللهي حديثه مؤكداً على انعكاسات نتائج انتخابات المجالس المحلية اللبنانية على مستقبل هذا البلد السياسي، مشيراً إلى الدور المحوري لهذه الانتخابات في التمهيد للاستحقاق البرلماني المرتقب.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان هذا الانتصار المدوي يمكن أن يلقي بظلاله أيضاً على انتخابات الرئاسة، قال:
“لا يوجد حالياً طرح جدي لانتخابات الرئاسة في لبنان، الرئيس الحالي يتبوأ منصبه وهذا الملف ليس مطروحاً على بساط البحث، على الأقل للسنوات الأربع أو الخمس القادمة، لكن ما يكتسي أهميةً بالغةً في الأفق المنظور، هو الانتخابات البرلمانية التي ستجري على الأرجح في غضون عام إلى عام ونصف".
وأضاف هذا الخبير في الشؤون الإقليمية: “تكتسي الانتخابات البرلمانية أهميةً مضاعفةً لأنها لا تشكّل بنية البرلمان فحسب، بل تحدّد أيضاً ملامح الحكومة وهوية رئيس الوزراء المقبل، لذلك، فإن نتائج انتخابات هذه المجالس تشكّل محكاً دقيقاً لتقييم قوة القوى السياسية وعمق جذورها الاجتماعية، قبل خوض غمار الانتخابات البرلمانية العامة".
وبالإشارة إلى نتائج انتخابات هذه المجالس، قال أسد اللهي: “أثبتت هذه الدورة مجدداً أن تحالف حزب الله وحركة أمل يمثّل القوة التي لا تضاهى في المناطق ذات الغالبية الشيعية؛ وهي مناطق تشكّل شريحةً وازنةً من النسيج اللبناني ولا يمكن تجاهلها في المعادلات السياسية، وهذه الحقيقة تدحض مزاعم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، اللذين يسعيان جاهدين لوصم حزب الله بالإرهاب".
وتابع: “هذا التنظيم له حضور راسخ في البرلمان اللبناني منذ عقود، وكان له وزراء في تشكيلات الحكومات المتعاقبة، وشكّل على الدوام جزءاً أصيلاً من البنية الرسمية والقانونية للبلاد، أي تنظيم ‘إرهابي’ مزعوم يمكن أن يضطلع بمثل هذا الدور المحوري في منظومة شرعية؟”.
وأكد الخبير في الشؤون الإقليمية: “لقد شكّلت نتائج انتخابات المجالس المحلية في واقع الأمر بروفةً حقيقيةً للانتخابات البرلمانية المرتقبة، عندما يحين ذلك الموعد، سيضطلع حزب الله وأمل، استناداً إلى هذه الحاضنة الشعبية الراسخة، بدور محوري في تحديد هوية رئيس الوزراء المقبل، سواء استمر رئيس الوزراء الحالي في منصبه أو تم طرح شخصية جديدة، لن يكون بالإمكان تشكيل حكومة دون التنسيق والتوافق مع هذا التحالف الوازن".
انتخابات المجالس بوابة للتأثير في تشكيل الحكومة المقبلة
أشار أسد اللهي، في سياق تحليله للبنية السياسية الفريدة للبنان، إلى أن منصب رئيس الوزراء يمثّل ركيزةً أساسيةً في منظومة الحكم في هذا البلد.
وبالتأكيد على دور رئيس الوزراء في هرم السلطة اللبنانية، قال: “في لبنان، على خلاف بعض البلدان الأخرى، يضطلع الرئيس بدور رمزي في الغالب وصلاحياته محدودة، النظام السياسي اللبناني هو نظام برلماني، تتركز فيه جل السلطات التنفيذية في يد رئيس الوزراء".
وتطرق في حديثه إلى توزيع السلطة على أساس طائفي في لبنان، موضحاً:
“وفقاً للاتفاقيات الداخلية وبنية اتفاق الطائف، يُنتخب الرئيس من المسيحيين الموارنة، ورئيس الوزراء من المسلمين السنة، ورئيس البرلمان من المسلمين الشيعة، لذلك، يرتهن تعيين رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة بشكل وثيق بنتائج الانتخابات البرلمانية".
وبالإشارة إلى الانتصار الكاسح لتحالف حزب الله وأمل في انتخابات المجالس المحلية، قال أسد اللهي: “هذا الانتصار المدوي لم يكن مجرد ردٍّ حاسم على العمليات النفسية للأعداء فحسب، بل سيمهّد الطريق لدور محوري لهذا التحالف في الانتخابات البرلمانية المرتقبة، وبالتالي في تحديد هوية رئيس الوزراء وملامح الحكومة اللبنانية المقبلة".
وأكد في ختام حديثه أن لبنان لا يزال يحتل موقعاً استراتيجياً في قلب المشهد الإقليمي المتحول، وأن مصيره مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسار المقاومة ومستقبلها.