الوقت - لا تزال أصداء الضربة الصاروخية غير المسبوقة التي وجهتها القوات المسلحة اليمنية إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، والتي بثّت الرعب في قلوب الصهاينة، تتردد في أروقة المحافل الإقليمية والدولية والعبرية.
اختراق الصاروخ اليمني لحصون الدفاع الصهيونية المنيعة
هذه الضربة اليمنية الموجهة إلى قلب مطار بن غوريون، التي تُعد أخطر الهجمات التي شنها اليمنيون في عمق فلسطين المحتلة منذ انضمامهم إلى جبهة نصرة غزة وإسنادها، لم تكشف فقط عن القدرات العسكرية الهائلة لليمن، بل أماطت اللثام عن جملة من نقاط الضعف الفادحة للكيان الصهيوني، ولا سيما على صعيد الصدع العميق في منظومة الدفاع الجوي لجيش هذا الكيان رغم استعانته بأحدث التقنيات الدفاعية الأمريكية.
عقب إصابة الصاروخ الباليستي فائق الصوت اليمني لهدفه في مطار بن غوريون بدقة متناهية، هرعت شركات الطيران الأجنبية إلى إلغاء رحلاتها المتجهة إلى فلسطين المحتلة، ما يجّسد تفاقم الهواجس الأمنية إزاء استمرار مثل هذه الهجمات الدقيقة، وفي خضم هذه التطورات، سارع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، إلى عقد اجتماع طارئ مع أقطاب المؤسستين الأمنية والعسكرية في هذا الكيان لاستعراض خيارات الرد المتاحة.
لا يمكن اجتزاء الهجوم على مطار بن غوريون، من سياق المعادلات الجديدة التي يرسمها اليمن في تصعيد عملياته ضد الأهداف الأمريكية والصهيونية دعماً لغزة ورداً على عدوان التحالف الأمريكي على اليمن؛ حيث نفّذ اليمنيون في الأسابيع الأخيرة سلسلةً من الضربات الصاروخية والمسيّرة المؤثرة على مواقع الكيان الصهيوني في جنوب ووسط فلسطين المحتلة، بما في ذلك مراكز قريبة من إيلات والنقب، فضلاً عن استهداف المصالح الأمريكية في البحر الأحمر.
يعكس الصاروخ الباليستي فائق الصوت اليمني الذي سقط في منطقة مطار بن غوريون في المقام الأول، عجز هذا الكيان عن حماية منشآته الحيوية الحساسة رغم النفقات الباهظة التي يبذلها في مجال الاستراتيجية الأمنية والعسكرية.
يرى المراقبون أن ما يسترعي الانتباه في ضربة اليمن لمطار بن غوريون لا يقتصر على توقيتها ومكانها فحسب، بل يتجاوزهما إلى فشل منظومات الدفاع متعددة الطبقات للكيان الصهيوني في اعتراض صاروخ زهيد التكلفة مقارنةً بصواريخ الاعتراض الأمريكية والإسرائيلية الباهظة، وتشير التقارير الأولية إلى أن الصاروخ اليمني تمكن من بلوغ هدفه المنشود رغم تفعيل منظومات الدفاع “حيتس 3” الإسرائيلية و"ثاد" الأمريكية.
صدمة مدوية تهزّ أركان المنظومة الدفاعية الصهيونية
يصف المحللون هذا الحدث بأنه اختبار صاعق لجدوى أنظمة الدفاع التي يتباهى بها جيش الاحتلال، ويثير جملةً من التساؤلات الاستراتيجية حول مقدرة هذا الكيان على صيانة مجاله الجوي في خضم حرب متعددة الجبهات، أو في ظل تصاعد الأخطار من أطراف نائية.
وفقاً لرؤية المراقبين، مع بزوغ نجم اليمن كلاعب عسكري مفاجئ في معادلات المنطقة، تتجه الأنظار نحو ما إذا كانت ضربة مطار بن غوريون تدشّن مرحلةً جديدةً من الصراع مع اتساع رقعة المواجهة، وتضاعف التحديات أمام المنظومة الأمنية الأمريكية والإسرائيلية.
في أعقاب إصابة الصاروخ لمطار بن غوريون، تتصاعد تساؤلات جوهرية في دوائر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول أسباب إخفاق منظومات الدفاع الصهيونية في التصدي للصواريخ، رغم اعتمادها على أرقى أنظمة الدفاع في العالم.
في هذا المضمار، صرح “يوسي يهوشع”، المحلل العسكري البارز في الكيان الصهيوني بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن منظومة “السهم” الإسرائيلية أخفقت أولاً، ثم تلتها منظومة “ثاد” الأمريكية في الإخفاق، واللافت للنظر أن الصاروخ اليمني الذي انطلق نحو مطار بن غوريون لم يكن من الصواريخ الفريدة أو النادرة، بل سبق إطلاق نظائر له.
وأردف قائلاً: “ما يثير القلق بوجه خاص في هذه المرة، هو الغموض الذي يكتنف هذا الهجوم اليمني، إذ لم يفصح المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، على خلاف الهجمات السابقة، عن طراز الصاروخ المستخدم بدقة".
من جانب آخر، كشفت بعض وسائل الإعلام العربية أن الصاروخ الذي استخدمه اليمن في هذه الضربة، هو طراز مستحدث يتمتع بقدرات فائقة للتخفي من شبكات الرادار.
وأكد يوسي يهوشع: “تجري تحقيقات مكثفة داخل المؤسسة الإسرائيلية لتحديد ما إذا كان سبب فشل منظومات الدفاع في اعتراض الصاروخ اليمني، يُعزى إلى قصور فني في الأنظمة الدفاعية أم خطأ بشري، ولا سيما أن منطقة مطار بن غوريون تُعدّ من أكثر المناطق الإسرائيلية تحصيناً ومنعةً".
وأشار هذا المحلل الصهيوني: “يأتي هذا التطور الخطير في لحظة بالغة الحساسية، إذ يواجه الكيان تحديات أمنية جسيمة على جبهات متعددة، قد يفضي هذا الإخفاق إلى إعادة النظر جذرياً في استراتيجيات الدفاع الجوي، وربما تسريع مشاريع تحديث المنظومات الدفاعية وتطوير تكتيكات جديدة لمجابهة الأخطار بعيدة المدى، ولا سيما تلك المنطلقة من اليمن".
كيف تهاوت المنظومات الباهظة الأمريكية والإسرائيلية أمام صاروخ يمني واحد؟
السؤال المحوري الذي طرحته المحافل العبرية عقب هذه الضربة اليمنية الموجعة هو: أين تكمن منظومات الدفاع الإسرائيلية المزعومة؟ ولماذا عجز الكيان الصهيوني، الذي طالما تشدّق بتفوقه في مجال تطوير أنظمة الدفاع الجوي، عن صدّ هذا الصاروخ اليمني الوحيد؟
لإدراك أبعاد الفشل الذريع للكيان الصهيوني في مواجهة الصاروخ اليمني بصورة أعمق، يجدر بنا أن نستحضر أن كيان الاحتلال يرصد شطراً وافراً من ميزانيته العسكرية لتطوير منظومات الدفاع، وفوق ذلك، فإن أرقى أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية مثل “ثاد” موضوعة تحت تصرف جيش الاحتلال.
لقد طوّر الكيان الصهيوني بمعونة أمريكية سخية منظومات “حيتس 1” و"حيتس 2" و"حيتس 3" للتصدي للصواريخ بعيدة المدى في طبقات الغلاف الجوي المختلفة.
كما ابتكر الصهاينة منظومة “مقلاع داود” لمجابهة الصواريخ متوسطة المدى، ويعتمدون على منظومة “القبة الحديدية” للتصدي للصواريخ قصيرة المدى، وقد أغدق الصهاينة أموالاً طائلةً لتطوير هذه المنظومة في الآونة الأخيرة، كما شيّد الكيان الصهيوني نظام دفاع متعدد الطبقات يدمج جميع هذه المنظومات بهدف تشكيل درع صلبة ضد الهجمات الكبرى وشظايا الصواريخ.
علاوةً على ذلك، استعان الكيان الصهيوني بأنظمة دفاع جوي أمريكية متطورة مثل “باتريوت” للتصدي للصواريخ بمديات متفاوتة، وطلب من الولايات المتحدة تزويد جيشه بأفضل نظام دفاع مضاد للصواريخ - ذات المنظومة التي تهاوت أمام صاروخ يمني واحد.
لهذا السبب، تعتقد المحافل الصهيونية أن انهيار منظومات الدفاع متعددة الطبقات هذه أمام الصاروخ اليمني، كان صدمةً لم تكن في الحسبان.
يساور الصهاينة قلق بالغ من فقدان الأطراف الدولية ثقتها بمنظومات الدفاع الإسرائيلية، وفي هذا السياق، تساءل “نوعم عمير”، المراسل العسكري لموقع “ماكور ريشون” الصهيوني: “أليس من المحتمل أن يشهد الألمان فشل منظومات الدفاع الإسرائيلية، فيعيدوا النظر في صفقة شراء منظومة حيتس؟”.
إخفاق أهداف العدوان الأمريكي على اليمن
من الواضح أن الأمريكيين، في إطار استمرار دعمهم اللامحدود للكيان الصهيوني وجرائمه، صعّدوا عدوانهم على اليمن في أعقاب الضربة الصاروخية المدوية التي استهدفت مطار بن غوريون، ولا يزالون يستهدفون المنشآت المدنية اليمنية - أهدافاً طالتها نيرانهم مراراً وتكراراً.
بيد أن موازين المعادلة لم تتغير؛ فالحصار البحري الذي يفرضه اليمن على الكيان الصهيوني لا يزال قائماً بكل صرامة، واضطرت الولايات المتحدة مؤخراً للاعتراف بإسقاط ما لا يقل عن سبع طائرات تجسس وتحطم مقاتلة من طراز F-18 في مياه البحر الأحمر، أثناء محاولتها التملص من لهيب صاروخ يمني.
كما أن تخبط الصهاينة المحموم لتوجيه ضربة قاصمة لليمن واغتيال قادته العسكريين والسياسيين، يجسّد بجلاء فشل أهداف العدوان الأمريكي على اليمن، ويدرك الإسرائيليون تمام الإدراك أن تنفيذ عمليات إرهابية في اليمن على غرار تلك التي نُفذت في لبنان، ضرب من المستحيل؛ لأن التضاريس الجغرافية والتركيبة السكانية والنسيج الثقافي لليمن ولبنان متباينة تباينًا جذرياً، وليس من سبيل إلى استنساخ سيناريو واحد في البلدين، وسياسة الاغتيالات لا تؤتي ثمارها مع اليمن الصامد.
أطلقت صحيفة معاريف العبرية صيحة تحذير من احتمال أن يوجّه اليمنيون في الأيام المقبلة ضربات عنيفة نحو حيفا، بهدف إلحاق دمار هائل وإحداث تداعيات واسعة النطاق.
كما أفصحت المحافل الأمنية للكيان الصهيوني أن شنّ هجمات واسعة النطاق ضد اليمن يفتقر إلى المنطق في الوقت الراهن، وأن المقاتلات الإسرائيلية ستضطر للتحليق مسافة ألفي كيلومتر صوب اليمن لتنفيذ هجوم، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يعتزمون استهدافه هناك أصلاً؟ ولماذا يتكبدون كل هذه النفقات الباهظة؟
ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن مصدر أمني رفيع في الكيان الصهيوني قوله: “أي ضربة توجهها إسرائيل ضد اليمن، ستكون أقل فاعليةً بمئة ضعف من الضربات الأمريكية - الأمريكيون الذين يدكون عشرات الأهداف في اليمن كل يوم ولم يحققوا شيئاً يذكر على أرض الواقع".