الوقت- في تطور استثنائي ومفاجئ في مشهد جبهة الإسناد اليمنية، نجح صاروخ أُطلق من الأراضي اليمنية في اختراق أربع طبقات دفاعية متقدمة وضرب مطار بن غوريون، أحد أكثر المواقع الاستراتيجية والأمنية تحصينًا في "إسرائيل"، هذا الحدث لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل زلزالاً استراتيجياً ألقى بظلاله على ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي وأعاد تشكيل المعادلات في المنطقة، العملية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية تأتي في إطار تصاعد الدعم العسكري من محور المقاومة لمصلحة القضية الفلسطينية، وتحديدًا في وقت يشهد فيه قطاع غزة عدوانًا إسرائيليًا واسع النطاق، إلا أن ما ميّز هذه الضربة عن سابقاتها هو مدى تعقيدها، وحجم الإرباك الذي تسببت به للقيادة الإسرائيلية.
تفاصيل الهجوم... حين فشلت الدفاعات المتراكبة
حسب تقارير إسرائيلية، فإن الصاروخ الذي استهدف مطار بن غوريون يوم الأحد 4 مايو 2025، هو صاروخ باليستي فرط صوتي، وهو من أكثر أنواع الصواريخ تطوراً وصعوبة في الاعتراض، نظراً لسرعته الهائلة وقدرته على تغيير مساره أثناء الطيران، الصاروخ اليمني تمكّن من تجاوز أربع منظومات دفاعية متعددة الطبقات، منها "القبة الحديدية"، و"حيتس" (آرو)، و"مقلاع داوود"، ومنظومة "ثاد" الأمريكية، هذه المنظومات تمثل الدرع الدفاعي الإسرائيلي المتكامل، وقد أُنشئت لحماية العمق الإسرائيلي من مختلف التهديدات الجوية، من الطائرات إلى الصواريخ الباليستية، ومع ذلك، لم تنجح أي من هذه الأنظمة في اعتراض الصاروخ، ما أثار تساؤلات صادمة في الداخل الإسرائيلي.
الصاروخ أصاب هدفه بدقة في قلب مطار بن غوريون، محدثًا حفرة بعمق 25 مترًا، وفقًا للقناة 12 الإسرائيلية. تسبب ذلك في موجة انفجارات شديدة، أدت إلى إصابة ما لا يقل عن 8 أشخاص، ودفعت السلطات إلى إيقاف جميع الرحلات الجوية القادمة والمغادرة، هذا التعطيل لمطار يعتبر شريان الحياة الجوي لـ"إسرائيل" يحمل أبعادًا عسكرية وسياسية واقتصادية خطيرة.
الدلالة العسكرية... كسر التفوق التقني "الإسرائيلي"
لطالما تغنت "إسرائيل" بتفوقها في مجال الدفاع الجوي، حتى أنها أصبحت مصدرًا عالميًا لتصدير هذه المنظومات، وقد بنت عقيدتها الأمنية على الردع والتفوق النوعي، وخصوصًا في مجالات التكنولوجيا العسكرية، لكن فشل التصدي لهذا الصاروخ اليمني ينسف جزءًا كبيرًا من هذه العقيدة.
فمن الناحية التقنية، فإن قدرة صاروخ يمني الصنع، في ظل الحصار المفروض على اليمن منذ سنوات، على تجاوز كل تلك المنظومات يُعد اختراقًا نوعيًا غير مسبوق، وهو يؤكد أن محور المقاومة استطاع تطوير قدراته العسكرية إلى درجة تجاوزت التوقعات الإسرائيلية والأمريكية معًا.
وفي السياق ذاته، فإن استخدام صاروخ فرط صوتي في هذه العملية يفتح الباب أمام جيل جديد من التهديدات التي لم تكن "إسرائيل" مهيأة لها بشكل فعّال، السرعة العالية، والمناورة الجوية، والتكنولوجيا التي مكنت من توجيه الصاروخ بهذه الدقة، كلها مؤشرات على تطور كبير في ترسانة "أنصار الله".
الارتدادات النفسية والسياسية داخل "إسرائيل"
لم يكن وقع الضربة على المستوى المادي فقط، بل كان الأثر النفسي على الإسرائيليين عميقًا، إذ هرع ملايين المواطنين إلى الملاجئ وسط حالة ذعر شديدة، بعد سماع دوي الانفجارات وصدور تحذيرات من الجيش، مطار بن غوريون ليس فقط منشأة مدنية، بل هو رمز للاتصال الخارجي والانفتاح الإسرائيلي على العالم، واستهدافه يبعث برسالة واضحة مفادها: لا مكان آمن في "إسرائيل".
سياسيًا، أدت الضربة إلى إلغاء اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر، ودعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى جلسة طارئة لمناقشة الكارثة، وصدرت تصريحات غاضبة من شخصيات بارزة، منها وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي تعهد بالرد "بسبعة أضعاف"، وكذلك بيني غانتس، الذي حمّل إيران مسؤولية إطلاق الصواريخ، مهددًا برد قاس على طهران.
لكن خلف هذه التصريحات، يظهر الارتباك واضحًا، فـ"إسرائيل" الآن تواجه تهديدًا من جبهة كانت تعتبرها هامشية نسبيًا – اليمن، وهذا التطور يفرض إعادة حسابات استراتيجية عميقة، وخاصة أن الضربة لم تكن الأولى، بل الرابعة خلال ساعات، حسب الإعلام اليمني.
رسائل سياسية من وراء الضربة
الضربة الصاروخية اليمنية لم تأتِ في فراغ، بل هي رسالة سياسية مركبة على عدة مستويات.
أولًا، دعم مباشر للمقاومة الفلسطينية: تؤكد القوات الصاروخية اليمنية أن عملياتها تأتي نصرة لغزة وفلسطين، وترسل من خلالها رسالة مفادها بأن محور المقاومة لن يكتفي بالتنديد، بل سيتحرك عسكريًا.
ثانيًا، ضرب العمق الإسرائيلي: مهاجمة مطار بن غوريون تحديدًا لها دلالات رمزية واستراتيجية، فالمطار يُعد نقطة الاتصال الأولى مع العالم الخارجي، وتوجيه ضربة له يضع "إسرائيل" في حالة عزل جوي مؤقت، ويضرب ثقة المستثمرين والسياح.
ثالثًا، كسر احتكار الردع: تُظهر العملية أن "إسرائيل" لم تعد الطرف الوحيد القادر على الوصول إلى عمق أراضي خصومها، بل باتت هي نفسها مكشوفة، في وقت يتكامل فيه أداء جبهات متعددة: غزة، لبنان، اليمن، وربما سوريا والعراق.
إخفاق استخباراتي أم فشل تكنولوجي؟
يُطرح في "إسرائيل" اليوم سؤال ملحّ: كيف عجزت أربع طبقات من الدفاعات الجوية، بينها "حيتس" و"ثاد"، عن اعتراض صاروخ واحد أُطلق من اليمن؟ هل يعود السبب إلى إخفاق استخباراتي في التنبؤ بالهجوم؟ أم إن الخلل تقني بحت؟ المؤشرات تميل إلى وجود عنصر مفاجأة وربما استخدام تمويه إلكتروني أو تقني متقدم أربك أنظمة الرصد، غير أن الأخطر من الجانب الفني هو فقدان "الرادع النفسي"، حين يشعر الإسرائيليون أن الملاجئ هي الملاذ الوحيد، تتآكل ثقتهم بمنظومات الدفاع والمؤسسات الأمنية، ويبدأ الإحساس بالعجز في التسلل إلى الداخل الإسرائيلي، هذا التحول لا يُقاس فقط بحجم الضرر المادي، بل بتأثيره على المعنويات والوعي الجمعي.
الرد الإسرائيلي المحتمل: تصعيد أم احتواء؟
في أعقاب الضربة الصاروخية اليمنية الدقيقة التي استهدفت مطار بن غوريون، تصاعدت الدعوات داخل الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية للرد على اليمن، وتتراوح الخيارات المطروحة بين شنّ عمليات جوية تستهدف مطارات أو موانئ يمنية كما حدث العام الماضي، أو تنفيذ ضربات نوعية ضد قيادات القوات الصاروخية اليمنية في صنعاء أو صعدة، وصولًا إلى تفعيل التنسيق مع الولايات المتحدة ودول الخليج لفرض مزيد من الحصار.
لكن أمام هذه الطروحات، تبرز معضلة استراتيجية: أي رد واسع على اليمن قد يفتح جبهة إقليمية جديدة في وقت تعاني فيه "إسرائيل" من استنزاف متزامن في غزة، كما أن سجل المواجهات الأخيرة أظهر أن اليمن تمتلك زمام المبادرة، وقادرة على تجاوز أعتى أنظمة الدفاع، "إسرائيل" التي طالما قدمت نفسها كقوة لا تُقهر، تقف اليوم عاجزة أمام صواريخ اليمن، ومهما حاولت التصعيد، ستفشل في ردع هذا الطرف الذي بات يُتقن قواعد الاشتباك الجديدة.
ختاماً، من منظور استراتيجي وعسكري، يُمثّل استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني نقطة تحوّل في طبيعة التهديدات التي تواجهها "إسرائيل"، إذ لم يكن الحدث مجرد خرق أمني، بل اختبارًا فعليًا لنظم الدفاع الجوي متعددة الطبقات التي لطالما روجت لها "إسرائيل" كخط دفاع حصين.
فشل هذه الأنظمة – بما فيها "حيتس" و"ثاد" – في اعتراض صاروخ واحد يُشير إلى اختراق تقني لافت، سواء من حيث دقة التمويه الإلكتروني أو سرعة الصاروخ (فرط صوتي)، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة للجاهزية الدفاعية الإسرائيلية.
عسكريًا، دخول اليمن كطرف قادر على توجيه ضربات دقيقة من مسافات طويلة يعكس تصاعد ما يُعرف بـ"الحرب الشبكية غير المتناظرة"، حيث تتكامل جبهات غير تقليدية في إطار تنسيقي، وتُعيد رسم قواعد الاشتباك.