الوقت- لم يكن الهجوم الأخير على اليمن مجرد رد عسكري كما تدّعي لندن وواشنطن، بل هو عمل عدواني منظّم يستهدف كسر إرادة شعب وطمس مواقفه المبدئية تجاه القضايا العربية وعلى رأسها غزة، حين تُنفذ 49 غارة جوية خلال ساعات قليلة، باستخدام مقاتلات أمريكية وبريطانية وقنابل دقيقة موجهة نحو أحياء مدنية ومواقع سيادية، فإننا أمام جريمة مكتملة الأركان، لا مجرد "عملية عسكرية محدودة"، مقاتلات "تايفون" البريطانية المشاركة، والقنابل الذكية "Paveway IV"، ليست أدوات لحماية المدنيين، بل وسائل دمار تُستخدم بدم بارد لإرهاب شعبٍ صامد.
هذا العدوان لم يأتِ بمعزل عن العدوان الصهيوني على غزة، بل يندرج ضمن مشروع سياسي-عسكري مشترك، هدفه إسكات أي صوت عربي يدعم المقاومة الفلسطينية، الرسالة واضحة، أي بلد يتجرأ على كسر الاصطفاف الغربي خلف تل أبيب، سيدفع الثمن بالقصف والتجويع والدمار، ما يجري في اليمن ليس دفاعًا عن الأمن القومي الأمريكي أو البريطاني، بل محاولة لحماية الكيان الصهيوني من العزلة المتزايدة والغضب العربي المتصاعد، هذا هو التحالف الحقيقي اليوم، أمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، في مواجهة الشعوب الحرة، من غزة إلى صنعاء.
صنعاء.. تحذير شديد ورسالة ردع صريحة
في الوقت الذي كانت فيه المقاتلات الغربية تمطر صنعاء والصعدة والجوف ومأرب بوابل من الصواريخ، جاءت الرسالة اليمنية قوية وصريحة، بيان حكومة "التغيير والبناء" في صنعاء لم يكن مجاملة دبلوماسية، بل تحذير واضح لبريطانيا من عواقب عدوانها المباشر، وتحميلٌ كامل للمسؤولية الأخلاقية والسياسية والعسكرية، صنعاء لم تكتفِ بالإدانة، بل أعلنت بوضوح أن هذا العدوان لن يمر دون رد، وأن اليمن سيواصل دعمه لغزة، مهما بلغت التضحيات.
لقد أعاد اليمن التأكيد على موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، وعلى أن دماء غزة واليمن واحدة، والعدو واحد، الربط بين ما يحدث في فلسطين وما تتعرض له اليمن من عدوان هو جوهر المعركة اليوم، فصنعاء تدرك أن ما يجري على أراضيها هو جزء من معركة إقليمية، هدفها تطويق المقاومة وتفكيك جبهات الدعم، وخاصة من الدول والقوى التي تجرأت على الخروج من العباءة الأمريكية، هذا التحدي اليمني ليس مجرد خطاب، بل هو مبني على تجربة عشر سنوات من الصمود في وجه تحالف دولي شرس، الرسالة التي توجهها صنعاء اليوم إلى لندن وواشنطن واضحة، اليمن لا يُبتز، ولن يسكت، وكل قطرة دم تُسفك في أراضيه، ستُردّ في الوقت والمكان المناسبين.
القوة في الميدان.. الجيش اليمني جاهز للرد
في تصعيد لافت، صرّح وزير الدفاع اليمني في صنعاء، اللواء محمد العاطفي، بأن العدوان الأمريكي-الصهيوني الأخير لن يمر دون عقاب، مؤكدًا أن الجيش اليمني في أقصى درجات الجاهزية للرد، هذا التصريح لم يكن للاستهلاك الإعلامي، بل يعكس واقعًا عسكريًا مغايرًا عمّا قد يتصوره صانعو القرار في الغرب، فالجيش اليمني اليوم ليس كما كان قبل سنوات، بل بات يمتلك خبرة، تسليحًا، واستعدادًا غير مسبوق، بعد سنوات من المواجهة المفتوحة مع التحالف بقيادة السعودية وأمريكا.
الرد اليمني، حسب المعطيات الميدانية، لن يكون دفاعيًا فقط، بل قد يمتد ليشمل مصالح الدول المعتدية في البحر الأحمر والممرات الدولية، لقد أثبتت العمليات الأخيرة ضد السفن المرتبطة بـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، أن اليمن قادر على قلب الطاولة متى أراد، وتوسيع نطاق الرد ليطال مناطق حساسة قد تعيد ترتيب حسابات المعتدين، التحدي اليوم ليس في مدى قوة أمريكا أو بريطانيا، بل في مدى صبر اليمن، وقراره في التوقيت المناسب للردع، من يظن أن اليمن سيبقى صامتًا، يجهل طبيعة هذا الشعب، الذي لا يعرف الاستسلام، ولا ينسى ثأره.
اليمن في مواجهة نفاق العالم
ربما أخطر ما يكشفه هذا العدوان، هو حجم النفاق الدولي الذي يحيط بالقضية اليمنية، الأمم المتحدة لم تُدن، والعواصم الغربية لم تستنكر، والإعلام العالمي حرص على تغطية الحدث بلغة ضبابية تخفي حقيقة الجريمة، يبدو أن دماء اليمنيين، كدماء الفلسطينيين، لا تثير تعاطفًا لدى من يدّعي قيادة "النظام الدولي القائم على القيم".أين هي حقوق الإنسان؟ أين ميثاق الأمم المتحدة؟ أليس قصف عاصمة مستقلة وقتل مدنيين أبرياء باستخدام قنابل متطورة اعتداءً سافرًا على السيادة؟! أم إن الجرائم تغدو "مشروعة" حين يرتكبها الحلف الأمريكي؟.
اليمن اليوم لا يخوض فقط معركة دفاع عن أرضه، بل معركة أخلاقية باسم كل الشعوب التي ترفض الهيمنة، موقف صنعاء الصارم، وصمودها في وجه آلة الحرب الغربية، أعاد تعريف مفهوم السيادة في زمن تُنتهك فيه سيادة الدول باسم "السلام"، إن دماء الأبرياء في صنعاء وصعدة هي شهادة حية على إجرام العصر، واليمن، رغم الحصار والعدوان، يكتب تاريخه بدماء أبنائه، هذه ليست نهاية الحكاية، بل بدايتها... والبقية قادمة.
أمريكا.. عرّابة الفوضى وسيدة الحروب القذرة
لم تعد أمريكا بحاجة لأقنعة دبلوماسية، بات واضحًا أنها اللاعب الرئيسي في كل كارثة تشهدها منطقتنا، من العراق إلى سوريا، ومن ليبيا إلى اليمن، هذه الدولة التي ترفع شعار "حقوق الإنسان" و"الديمقراطية"، هي ذاتها التي تُمطر المدن بالصواريخ، وتدعم الأنظمة القمعية، وتحمي الكيان الصهيوني في كل محفل، تدخلها في اليمن ليس بدافع "أمن الملاحة" كما تدّعي، بل لأنه بلد تمرد على الهيمنة الأمريكية، وأعلن صراحة أنه يقف إلى جانب غزة، واشنطن لا تقبل بوجود دول حرة في محيط "إسرائيل"، ولا بمنظومات مستقلة في العالم العربي، من يقاوم، يُحاصر ويُقصف ويُشوَّه في الإعلام، ومن يُطبع ويُذلّ، يُكافأ بالصفقات والدعم، هذا المنطق الذي تفرضه أمريكا هو منطق العصابات، لا الدول.
أمريكا ليست مجرد معتدية، بل منظومة متكاملة من العدوان، تشارك فيها شركات السلاح، والإعلام الموجَّه، واللوبيات الصهيونية، والمؤسسات الدولية المتواطئة، واليمن، بإصراره على المقاومة، يفضح هذه المنظومة بأكملها، إن القصف لن يُسكت اليمن، بل سيُحرّض أحرار العالم على مساءلة هذا النظام العالمي الظالم الذي بات أداة بيد واشنطن وتل أبيب.
من اليمن إلى غزة.. وحدة الجبهات وميلاد محور جديد
في قلب الجحيم، تولد الحقائق، ما يجري اليوم من صنعاء إلى غزة، ليس معارك منفصلة، بل حلقات في صراع واحد، ضد عدو واحد، بأوجه متعددة، أمريكا، بريطانيا، و"إسرائيل"، ليسوا فقط في تحالف عسكري، بل في تحالف أيديولوجي، يسعى لتصفية أي مقاومة عربية، وتحويل شعوبنا إلى عبيد للمصالح الغربية، غير أن ما لم تحسب له هذه القوى حسابًا، هو وعي الشعوب واتساع الجبهة.
اليمن اليوم لا يدافع فقط عن أراضيه، بل عن الكرامة العربية، حين تسقط الصواريخ على صنعاء، فإن غزة تشعر بها، وحين تُقصف غزة، فإن اليمنيين يتحركون بحرّية وكبرياء، ضاربين حصار البحر الأحمر عرض الحائط، هذه وحدة ميدانية قبل أن تكون سياسية، تبلورت من رحم الألم، وقد تتحول قريبًا إلى محور مقاومة جديد، لا يخضع لا للرياض، ولا للدوحة، ولا لواشنطن.
هذا المحور الناشئ، الذي يقوده الوعي الشعبي في اليمن، ويدعمه صمود الفلسطينيين، هو الرد الحقيقي على مشاريع الشرق الأوسط الجديد، وعلى الخرائط التي تُرسم في تل أبيب وواشنطن، إنها بداية النهاية لمحور الشر، وبداية عهد جديد من التوازن، قاعدته: من يمسّنا بالنار، نحرقه بالرد
في النهاية، ما بين دخان الغارات وأشلاء الضحايا، يرتفع صوت اليمن عاليًا، لا بالشكوى، بل بالتحدي، هذا البلد، الذي أرادت أمريكا وبريطانيا كسر إرادته بالقنابل والحصار، قدّم نموذجًا نادرًا للصمود في وجه أعتى آلات الحرب الحديثة، في وقت يُغتال فيه الضمير العالمي بالصمت، ينهض اليمن من تحت الركام ليعلن أنه جزء من معركة الأمة، من فلسطين إلى صنعاء، ومن البحر إلى النهر.