الوقت- " العالم يتفرّج على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة"، بهذا التصريح الصريح والمباشر، وجهت منظمة العفو الدولية صفعة قوية إلى المجتمع الدولي، كاشفة عجزه وتواطؤه في آنٍ واحد، أمام واحدة من أبشع الجرائم المرتكبة في العصر الحديث.
ففي غزة، لا تمر ساعة دون أن تُزهق أرواح، وتُدفن أحلام، وتُقطع أوصال بشرية تحت أنقاض بيوتٍ كانت قبل قليل مأهولة بالأمل والحياة، إنها ليست حرباً، كما تسوّقها وسائل الإعلام المتحالفة مع رواية الاحتلال، بل إبادة جماعية تجري على مرأى العالم وسمعه، دون أن تتحرك إرادة دولية جادة لوقفها.
غزة تنزف... والضحايا مدنيون
منذ بداية العدوان الصهيوني الغاشم الأخير على قطاع غزة، ارتُكبت مجازر مروعة ضد المدنيين، من نساء وأطفال وكبار في السن، الإحصائيات تشير إلى آلاف القتلى، وعشرات الآلاف من الجرحى، وتدمير واسع للبنية التحتية من مستشفيات، ومدارس، ومساجد، وملاجئ.
تُظهر الصور القادمة من القطاع فظاعة المشهد، أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، أمهات يحتضنن أبناءهن بعد فوات الأوان، وأحياء كاملة تُمحى من الوجود خلال دقائق، إنها مشاهد لا تحتاج إلى تحليل سياسي، بل إلى ضمير حي قادر على التفريق بين المعتدي والضحية.
العالم الرسمي: بين العجز والتواطؤ
ما يثير الغضب أكثر من العدوان نفسه هو ردة فعل العالم الرسمي، فبينما يُقتل شعب بأكمله أمام الكاميرات، تكتفي معظم الحكومات الغربية بعبارات مكررة من القلق العميق، ودعوات ضبط النفس، دون اتخاذ أي خطوة حقيقية لوقف آلة القتل.
هذا الصمت لم يعد يُفسّر بالعجز فقط، بل صار يُقرأ باعتباره تواطؤاً، إن لم يكن دعماً ضمنياً للعدوان، وهنا يأتي تصريح منظمة العفو الدولية ليضع النقاط على الحروف، العالم لا يجهل ما يحدث، بل يتفرّج، عن قصد وسبق إصرار، على الإبادة.
حين تُدفن الإنسانية تحت الأنقاض
يزعم الكيان الصهيوني أن ما يقوم به هو "حق في الدفاع عن النفس"، لكنه لا يملك أي تفسير لما تفعله طائراته من قصف متعمد للأحياء السكنية، ولا لاستهدافها المتكرر للمستشفيات وفرق الإنقاذ.
وفق القانون الدولي الإنساني، فإن استهداف المدنيين جريمة حرب، ومع تواتر الأدلة، واعتراف منظمات أممية وحقوقية بحجم الانتهاكات، لم يعد هناك مجال للشك: ما يجري في غزة ليس دفاعاً عن النفس، بل حرب إبادة مكشوفة.
الشعوب تتحرك... فمتى تتحرك العدالة؟
في مقابل صمت الحكومات وتواطؤها، تتحرك الشعوب الحرة في مختلف أنحاء العالم لتعلن رفضها لما يحدث في غزة، من لندن إلى جوهانسبرغ، ومن جاكرتا إلى نيويورك، تخرج الحناجر الحرة وهي ترفع شعارات التضامن، وتطالب بوقف المجازر ورفع الحصار، هذا الحراك الشعبي يعكس حقيقة واحدة: الضمير الإنساني لم يمت بعد، رغم كل محاولات طمسه وتشويهه.
مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منصات للمقاومة الإعلامية، تكشف الحقيقة وتنقل الشهادات الحية من قلب المجازر، في وقت تحاول فيه الآلة الإعلامية المتحالفة مع الاحتلال التغطية والتبرير.
لكن يبقى السؤال الأخطر: من المسؤول عن هذه الإبادة؟ هل هي فقط "إسرائيل" التي تضغط على الزناد، أم إن الصامتين والمتفرجين شركاء في الجريمة؟ متى سيُحاسب الجناة؟
للأسف، التجارب السابقة تقول إن العدالة الدولية تميل إلى أصحاب النفوذ، وتغض الطرف عن الدماء التي لا تحظى بـ "الغطاء السياسي"، لكن ذلك لا يعني أن الجريمة ستُنسى، فالتوثيق جارٍ، والوعي الشعبي يتسع، وستأتي لحظة مهما تأخرت يُساق فيها المجرمون إلى المحاكمة، إن لم تكن في محكمة دولية، ففي محكمة ضمير الشعوب والتاريخ.
عندما يصبح الصوت مقاومة
ربما يشعر البعض أن ما يحدث في غزة خارج قدرته، أو أنه لا يستطيع أن يُغيّر شيئاً، لكن الحقيقة أن كل كلمة تُقال، وكل موقف يُتخذ، هو مساهمة في تشكيل الرأي العام، وبناء جدار أخلاقي في وجه الإبادة.
رفض التطبيع، دعم الحملات الإنسانية، نشر الحقيقة، والمقاطعة الاقتصادية، كلها أدوات بأيدي الشعوب، ومهما بدت محدودة، فهي أقوى من أن تُهمَل، لأنها تعبّر عن موقف، والموقف في زمن الإبادة ليس ترفاً، بل واجب.
غزة ليست وحدها... والعالم لن يبقى صامتاً إلى الأبد
غزة لا تدافع فقط عن أرضها، بل عن كرامة الإنسان في كل مكان، والذين يقاومون تحت الحصار والقصف، لا يفعلون ذلك فقط من أجل أنفسهم، بل من أجل قيم الحرية والعدالة التي تهددها القوة العمياء.
قد يبدو العالم الآن صامتاً، لكنه لن يصمت إلى الأبد، وسيتحوّل الصمت إلى صرخة، والفرجة إلى فعل، وحينها، لن تُنسى غزة، بل ستُكتب في صفحات التاريخ كرمزٍ للمقاومة، وفضيحةٍ للضمير العالمي.
في النهاية ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل جريمة إبادة جماعية تتواطأ معها قوى الصمت والنفاق الدولي، وبينما تسقط القنابل على الأطفال والنساء، تبقى الشعوب الحرة هي الأمل الأخير في مواجهة هذا الظلم، إن كل موقف، وكل كلمة، وكل فعل تضامني، هو سهم في قلب الكذب وسلاح في وجه القهر، غزة ليست وحدها، بل معنا، ومع كل إنسان لم يبع ضميره.