الوقت- في حين فشلت الغارات الجوية الأمريكية على مناطق متفرقة في اليمن والقصف المتكرر في الأسابيع الأخيرة -أكثر من 350 هجوما- في تحقيق أهدافها، تتحدث بعض المصادر الإخبارية عن احتمال تغيير البيت الأبيض لاستراتيجيته نحو عملية عسكرية برية.
وأعلنت وكالة بلومبرج نيوز نقلا عن مصادر مطلعة أن القوات اليمنية المعارضة لجماعة أنصار الله تجري محادثات مع الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الخليجية بشأن عملية برية محتملة لطرد الحركة من ساحل البحر الأحمر.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أيضا أن عناصر يمنية تابعة للإمارات تستعد لشن هجوم بري واسع ضد قوات أنصار الله، وحسب التقرير فإن الهجوم يأتي في أعقاب الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة على اليمن، وأضافت صحيفة وول ستريت جورنال: إن عملاء الإمارات في اليمن يعتزمون السيطرة على مناطق استراتيجية على الساحل الغربي، وخاصة ميناء الحديدة، بهدف قطع الشريان الاقتصادي المهم لحركة أنصار الله، حسب رأيهم، ولم تتوافر معلومات رسمية ودقيقة حول كيفية تنفيذ هذا الهجوم البري، وقد طرحت بعض المصادر احتمالات في هذا الصدد، ويقال إن الولايات المتحدة تنوي الاستعانة بعسكريين متقاعدين لديهم تاريخ في مهام قتالية في هذه العملية، وسترسلهم إلى جنوب اليمن لتدريب القبائل اليمنية المعارضة لأنصار الله وتجهيزها للهجوم البري.
أحد الخيارات هو تنفيذ عملية واسعة النطاق من قبل القوات العسكرية الأمريكية، وحسب التقارير فإن هذه العملية ستتم في البداية بغارات جوية أمريكية واسعة النطاق، مع قيام الطائرات المقاتلة بقصف خطوط الصراع، وخاصة في غرب وجنوب مأرب، وصحراء الجوف، وجنوب الحديدة، وتهدف هذه الهجمات بشكل رئيسي إلى إضعاف خط دفاع أنصار الله في هذه الجبهات حتى تتمكن قوات الحكومة المستقيلة من التقدم في هذه المحاور دون أي مقاومة تذكر.
تحديات أمريكا في الهجوم البري
ورغم أن الولايات المتحدة تملك القدرة والأسلحة اللازمة لشن هجوم بري على اليمن بمساعدة بعض حلفائها، فقد أظهر اليمن أنه طُعم يصعب على أي قوة أجنبية ابتلاعه، وباعتبارها جماعة ميليشيا ذات خبرة في الحرب في المدن، تتمتع أنصار الله بقدرة عالية على مقاومة القوات الأجنبية، وأظهر التاريخ أن هذه المجموعة قادرة على تنظيم وتنفيذ عمليات عسكرية معقدة قد تشكل تحديا للقوات الأمريكية، ولقد أثبتت تجربة عقد من الحرب ضد التحالف السعودي الإماراتي المدجج بالسلاح، أن اليمنيين قادرون على سحق العدو وإلحاق خسائر فادحة به، إن حركة أنصار الله الآن مختلفة تماماً عن حركتها خلال هجوم التحالف السعودي، وقد حققت هذه الحركة إنجازات عديدة في مجال الأسلحة في المجالات البرية والجوية والبحرية، ولم يتمكن الحوثيون من السيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن فحسب، بل أصبحوا جيشاً قوياً من خلال استخدام الأسلحة المتطورة واستراتيجية الحرب غير المتكافئة.
ومن ناحية أخرى، فإن اللجوء إلى المحاربين القدامى لا يمكن أن يوجه أمريكا نحو أهدافها، لأن في التحالف السعودي قدم جنود النخبة الأمريكية الدعم الاستخباراتي واللوجستي، ولكن عمليا وبعد سنوات لم يتمكنوا من هزيمة أنصار الله، وهذه المرة ستتكرر التجربة السابقة للمعتدين، علاوة على ذلك فإن أي عملية واسعة النطاق لتحقيق نتائج في اليمن لن تؤدي إلى أي نتيجة، وأبلغ مسؤولون سعوديون، كانت الولايات المتحدة تعول عليهم كإحدى الدول المشاركة في الهجوم البري، الأمريكيين أنهم لن يشاركوا في العملية بسبب تهديدات أنصار الله والعواقب الوخيمة لهجماتهم، ولذلك فإن احتمال تواجد مسلحي حزب الإصلاح وقوات درع الوطن والفصائل المدعومة من السعودية في العمليات البرية ضد مواقع أنصار الله ضعيف، ولذلك لم يتبق إلا الإمارات العربية المتحدة، التي يمكنها أن تساعد أمريكا بشكل غير مباشر.
ومن ناحية أخرى، فإن اليمن يتمتع بتضاريس جبلية ومناطق حضرية كثيفة ما يجعل العمليات العسكرية صعبة، ولم يتمكن أي معتد من احتلال اليمن في الماضي، كما أن أي هجوم بري من شأنه أن يدفع الشعب اليمني نحو الوحدة والتعاون مع أنصار الله، وهو ما يتعارض مع رغبات الولايات المتحدة والتحالف العربي، اللذين أنفقا في السنوات الأخيرة مليارات الدولارات لخلق شرخ بين أنصار الله واليمنيين، ولكنهما لم ينجحا، وعلاوة على ذلك، فإن أي عملية برية من المرجح أن تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الأمريكية والمدنيين اليمنيين، وهو ما قد يؤدي إلى انتقادات محلية ودولية.
وهناك مسألة أخرى وهي أن أي تدخل عسكري من جانب الولايات المتحدة قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في اليمن، وهو ما قد يوفر بيئة مناسبة لنمو ونشاط الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة، وتبحث القاعدة، التي استهدفتها واشنطن مرات عديدة خلال العقد الماضي، عن فرصة لضرب المصالح والقوات الأمريكية، وقد توفر المعركة البرية منصة لعناصر القاعدة للانتقام، وستكون تكلفة المعركة البرية في اليمن باهظة بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً، لقد كلفت الحملة الجوية في اليمن خلال الشهر الماضي وحده واشنطن أكثر من مليار دولار، ولا شك أن الأبعاد المالية لهذه القضية ستزداد مع الدخول في حرب برية، وهو ما سيكون مكلفاً لإدارة ترامب التي تسعى إلى ضخ المزيد من الإيرادات في الاقتصاد الأمريكي.
مستقبل قاتم ينتظر المعتدين في اليمن
ورغم محاولة الدخول في حرب برية، يرى بعض الخبراء أن واشنطن لا تركز حاليا على خيار الهجوم البري، وقال جبريل صوما أستاذ القانون الدولي ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حديث لموقع المشاهد إن الحكومة الأمريكية تراقب عن كثب التطورات على الأرض وقد تعيد تقييم الوضع إذا تصاعدت التهديدات، لكن لا توجد حاليا أي نية لتوسيع العمليات لتوجيه التدخل البري، ويقول إيهاب عباس، الخبير في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية، إن الحديث عن عملية برية ما زال مجرد تكهنات، ولم يصدر أي قرار من ترامب أو القادة العسكريين الأمريكيين ببدء العمليات البرية في اليمن.
وأكد قادة صنعاء مراراً أن عملياتهم في البحر الأحمر هي دفاعاً عن أهل غزة، وأنه إذا توقفت آلة القتل الصهيونية فإنهم سيوقفون هجماتهم في البحر الأحمر، ولذلك، إذا كانت أمريكا تسعى إلى الاستقرار والسلام في البحر الأحمر والأمن في الأراضي المحتلة، فإن الطريق الأقصر هو منع استمرار الإبادة الفلسطينية، وإذا تمكنت من كبح جماح الكيان الصهيوني المتمرد، فإن منطقة غرب آسيا سوف تستعيد السلام، وإن أي هجوم بري أمريكي محتمل على اليمن سوف يفشل بسبب التجارب الفاشلة السابقة وتنامي قوة أنصار الله، وقد لا يفشل هذا الهجوم في تحقيق أهدافه فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى تعقيد الوضع.