الوقت - انقضت أربعة وخمسون عاماً على إرساء دعائم العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيران، خمسة عقود ونيِّف تبادل فيها البلدان الاحترام المتبادل، ووطدا أواصر الثقة المتبادلة، وقدّم كل منهما لصنوه السند والعضد. وقد وصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية العلاقات بين إيران والصين على امتداد ما يربو على نصف قرن، بأنها اتشحت برداء النمو المطرد والاستقرار الراسخ، مؤكداً أن صلات البلدين أسهمت في توطيد أركان السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
تزامنت هذه التصريحات مع قدوم “عباس عراقجي”، وزير خارجية إيران، إلى بكين. زيارة غدت محط أنظار وسائل الإعلام وتحت مجهر الخبراء الدوليين، نظراً لتزامنها مع المباحثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة. ووفقاً لأحدث التقارير، حط وزير الخارجية الإيراني رحاله في بكين فجر يوم الأربعاء المنصرم للقاء كبار المسؤولين الصينيين. يأتي هذا اللقاء قبيل ثلاثة أيام من انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات بين عراقجي وستيف ويتكوف، المفاوض الأمريكي.
لماذا توجَّه وزير خارجية إيران إلى الصين؟
ظلت العلاقات بين الصين وإيران على الدوام علاقات استراتيجية وثيقة الصلة. وقد أشير إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بكين تأتي في سياق التفاعلات الاستراتيجية بين جمهورية إيران الإسلامية والصين، والمداولات رفيعة المستوى بين وزيري خارجية البلدين.
كما أكدت المنابر الإعلامية الرسمية أن وزير الخارجية الإيراني يحمل في جعبته رسالةً من رئيس الجمهورية الإيرانية إلى نظيره الصيني “شي جين بينغ”. في واقع الأمر، تُعد الصين أحد الأطراف المحورية والفاعلة بإيجابية في المفاوضات النووية الإيرانية؛ ولذا سيتداول الدبلوماسي الإيراني البارز وجهات النظر مع كبار المسؤولين الصينيين، باعتبارهم أحد الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني.
من جانب آخر، يمكن للصين، بوصفها إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن تضطلع بدور الضامن لأي اتفاق محتمل بين طهران وواشنطن، شأنها في ذلك شأن روسيا. وبالنظر إلى التجربة السالفة المتمثلة في نكث الولايات المتحدة لعهودها في الاتفاق، من البديهي أن تتطلع إيران إلى ضمانات دولية لأي اتفاق تبرمه مع واشنطن، وفي هذا المضمار يمكن للصين، بحكم ثقلها الدولي وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن مع امتلاكها حق النقض (الفيتو)، أن تنهض بدور الكفيل لأي اتفاق يُعقد بين واشنطن وطهران.
شريك الأيام العصيبة
استناداً إلى تقارير المصادر الموثوقة، سيستعرض وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته للصين ومباحثاته مع نظيره الصيني “وانغ يي”، سبل تنفيذ خطة التعاون الشامل الممتدة لخمسة وعشرين عاماً؛ هذه الخطة المعروفة بوثيقة الخمسة والعشرين عاماً تمثّل وثيقةً إطاريةً عليا في نسيج العلاقات بين البلدين، والآن في غمرة المفاوضات بين طهران وواشنطن، تعتزم إيران إبلاغ الصين بأن العلاقات بين طهران وبكين ستظل على المستوى الاستراتيجي بغض النظر عن مآلات المفاوضات، وأن الطرفين عازمان على المضي قدماً في تنفيذ خطة التعاون الممتدة لخمسة وعشرين عاماً.
ترتكز الوثيقة الاستراتيجية للعلاقات بين الصين وإيران على اتفاق تم إبرامه في عام 2020، والمعروف في الأوساط العامة باسم اتفاقية الخمسة والعشرين عاماً بين إيران والصين. تشمل هذه الوثيقة أوجه التعاون بين البلدين لحقبة تمتد لخمسة وعشرين عاماً في شتى المجالات “السياسية” و"التنفيذية" و"الإنسانية والثقافية" و"القضائية والأمنية والدفاعية" و"الإقليمية والدولية".
عندما وُقعت وثيقة التعاون بين إيران والصين، کتبت الشبكات الإعلامية الأجنبية: “أبرمت الصين، في إطار توسيع مبادرتها ‘الحزام والطريق’ التي تقدر قيمتها بعدة تريليونات من الدولارات، اتفاقية تعاون لمدة خمسة وعشرين عاماً مع إيران. بكين وطهران كلتاهما منافستان لواشنطن وحليفتان تاريخيتان لبعضهما البعض، وما تم توقيعه هو ثمرة سنوات من الجهود الحكومية المضنية.”
في تلك الحقبة، بلغت صادرات إيران إلى الصين 8.9 مليار دولار ووارداتها 9.7 مليار دولار، لكن الآن أضحى الميزان التجاري لصالح إيران بفائض قدره 1.8 مليار دولار، وشهدت واردات الصين من إيران زيادةً لافتةً للأنظار.
في حقيقة الأمر، ينبغي الالتفات إلى أن الصين تتبوأ المرتبة الثانية كأعظم قوة اقتصادية في العالم، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي ستعتلي عرش القوى الاقتصادية العالمية في السنوات القادمة، لذلك تنظر العديد من الدول، بما فيها إيران، إلى التعاون مع هذه الدولة الآسيوية العملاقة باعتباره فرصةً سانحةً، ومن المنطقي أن طهران لا ترغب في تفويت فرصة التعاون مع الصين في خضم مباحثاتها مع واشنطن.
وفقاً لمسودة هذه الوثيقة، يتعين على الصين نقل المعرفة والخبرات والاستثمارات في العديد من المجالات التي تمس حاجة إيران إليها. يمكن أن يكون هذا الأمر بالغ الأهمية لإيران، حيث إن الصين ثاني أقوى اقتصاد في العالم ويمكنها الارتقاء بالوضع الاقتصادي للبلاد. علاوةً على ذلك، فإن جلب العملات الصعبة إلى البلاد وضخّ الاستثمارات، سيفضيان إلى خلق فرص عمل وتحسين معيشة المواطنين بصورة مباشرة من جراء هذا التعاون.
وبالنظر إلى الفرص الواعدة للتعاون الاقتصادي مع الصين، والآن في ظل استمرار المفاوضات بين إيران وأمريكا، تسعى طهران جاهدةً للحفاظ على أواصر علاقاتها مع بكين وثيقةً وراسخةً كما كانت على الدوام، وتحقيقاً لهذه الغاية، اختار وزير خارجية إيران بكين وجهةً لزيارته الخارجية قبيل أيام معدودة من انعقاد الجولة الجديدة من المفاوضات بين طهران وواشنطن.