الوقت - في حين تسعى القوى السياسية المتحالفة مع المقاومة العراقية جاهدةً، إلى تكريم وتقدير التضحيات الاستثنائية التي قدمتها قوات الحشد الشعبي على مدار العقد الماضي، من خلال إقرار حزمة من المزايا والحقوق المستحقة، تواصل بعض الأطراف الخارجية - التي اتخذت موقفاً مناوئاً منذ البداية - مساعيها الحثيثة لعرقلة هذه الجهود الوطنية وتقويض أركان استقرارها، في محاولة واضحة لطمس الدور المحوري لهذه المؤسسة العسكرية الوطنية.
بعد أن أُقرّ قانون دمج الحشد الشعبي في القوات المسلحة العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، يعتزم البرلمان الآن مناقشة قانون الخدمة والتقاعد لقوات هذه المجموعة، إلا أن الخلافات بين أعضائه قد تفاقمت.
في هذا السياق، صرّح النائب محمد الخفاجي يوم الأحد بأن "جلسة اليوم لم تحقق النصاب القانوني، نظراً لعدم توافق النواب على إدراج قانون المجاهدين في الحشد الشعبي ضمن جدول الأعمال، ما أدى إلى تأجيل الجلسة".
من جهتها، أكدت النائبة سهيلة السلطان أنها لن تشارك في أي جلسات برلمانية، حتى يتم إدراج قانون مجاهدي الحشد الشعبي في الأجندة، بالإضافة إلى ذلك، شدّد النائب علال الناشي على أن تكريم تضحيات المجاهدين الأبطال الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن، يستلزم إقرار هذا القانون، الذي يعكس احترامًا لجنودهم الذين أبلوا البلاء الحسن.
وفي السياق ذاته، قال النائب حبيب الحلاوي: "لا مجال للتسويات أو التنازلات بشأن قانون خدمة وتقاعد أبطال الحشد الشعبي"، كما أعلنت الكتلة النيابية "دولة القانون" عن مقاطعة جلسات البرلمان، حتى تُدرج الحقوق المتوجبة على جدول الأعمال.
وعلّق عقیل الفتلاوی، رئيس هذه الكتلة، على أهمية القانون، موضحًا أنه "قانون حيوي يضمن حقوق أبناء الحشد الشعبي، ويعزز مكانتهم القانونية والاجتماعية".
لقد صادق البرلمان العراقي مؤخرًا، في جلسته الأولى، على مشروع قانون الخدمة والتقاعد لقوات الحشد الشعبي، وقد أبدى فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، تأييده لهذه الخطوة، مؤكدًا أن "هذا القانون يمثّل ضمانةً لتحقيق العدالة في حقوق وواجبات مجاهدينا، في ظل إطار قانوني مضبوط وبقيادة القائد العام للقوات المسلحة".
إن تأجيل الجلسات البرلمانية نتيجةً لعدم حضور النواب الموالين للمقاومة، وعدم تحقيق النصاب القانوني، يُظهر الوزن السياسي الكبير لداعمي الحشد داخل البرلمان، وهذا التأثير يمكّنهم من ممارسة الضغوط السياسية لتسريع إقرار هذا القانون، الذي يُعتبر تعويضًا جزئيًا عن تضحيات الحشد الشعبي.
وتجدر الإشارة إلى أن الحشد الشعبي يُعتبر جزءًا أساسيًا من القوات المسلحة العراقية، ويضمّ نحو 67 فصيلًا، يخضعون جميعًا للقيادة العامة للقوات المسلحة، تأسست هذه القوات بعد إصدار فتوى الجهاد الكفائي من قِبَل السيد علي السيستاني، المرجع الأعلى للشيعة في العراق، والتي جاءت ردًّا على تهديد تنظيم "داعش" التكفيري الذي سيطر على مساحات واسعة من البلاد.
غير أن بعض المحللين يرون أن التأخير في إقرار هذا القانون، يمكن أن يُعتبر جزءًا من جهود متعمدة لاستهداف القاعدة الشعبية للحشد أو إضعافه، وتستند هذه التحليلات إلى احتمال أن عدم إقرار القوانين ذات الطابع الداعم، قد يؤدي إلى تجاهل حقوق ومزايا عناصر الحشد، ما قد يؤثّر سلباً على معنويات وكفاءة هذه القوات، كما تشير بعض المصادر إلى وجود ضغوط قد تأتي من الولايات المتحدة تدعو إلى حلّ الحشد الشعبي؛ غير أن هذه المزاعم قد قوبلت بنفيٍ قاطع من المسؤولين العراقيين.
المؤامرة الخارجية ضد الحشد الشعبي
ليس هناك أدنى شك في أن جميع التحركات المعادية لقوات الحشد الشعبي، تعود إلى الولايات المتحدة، التي سعت منذ تأسيس هذه المجموعة الشعبية إلى إضعافها وإقصائها عن الساحة السياسية والأمنية في العراق بطرق شتى.
تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق إزاء الدور المتزايد ونفوذ الحشد الشعبي في العراق، وتدعي أن الحشد، كقوة شبه عسكرية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإيران، قد يشكّل تهديدًا لمصالحها في المنطقة، ففي كثير من الأحيان، شنّت الولايات المتحدة هجمات على مواقع الحشد، معتبرةً إياه خطرًا يهدّد قواتها في العراق، وهذا القلق قد دفع واشنطن إلى معارضة تعزيز الشرعية القانونية للحشد الشعبي، بما في ذلك قانون التقاعد المقترح.
إضافةً إلى ذلك، تدرك الولايات المتحدة تمامًا أنه طالما كانت قوات المقاومة تنشر الأمن في العراق، فلن تتمكن من تحقيق مخططاتها المشؤومة في البلاد، لذا، فإنها سعت من خلال المسؤولين الذين تنفذ عليهم نفوذها، لزيادة الضغوط على الحشد الشعبي.
يدرك الأمريكيون أن إقرار قانون التقاعد، سيعيد تجديد الإرادة السياسية والديمقراطية في العراق، ما يعكس موقع الحشد الشعبي كدعامة أساسية للقوات المسلحة، وهذا الأمر سيجعل أي شكل من أشكال الضغط السياسي على الحشد بحجة عدم سيطرة الحكومة عليه، بلا مبرر، ومنافٍ للعقل.
کما تتزايد محاولات واشنطن لتقويض الحشد الشعبي، وخصوصاً بعد الهزائم التي تعرضت لها القوات الإسرائيلية في كل من غزة ولبنان، إذ يُعتبر الحشد تهديدًا محتملاً لمصالح واشنطن والکيان الصهيوني في المنطقة، وقد برهن الحشد على وقوفه إلى جانب قوى المقاومة عبر تنفيذ عدد من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد القواعد الأمريكية والأراضي المحتلة، ما يدل على تصميمه في الدفاع عن سيادة المنطقة.
هناك أيضًا حقيقة أن الحشد الشعبي يمثّل عائقًا أمام تنفيذ المشاريع الأمريكية والصهيونية في سوريا، والتي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في العراق، يعتقد العراقيون أن الأمن النسبي الذي يتمتعون به اليوم، هو نتيجة لتضحيات وبسالة مقاتلي الحشد الشعبي، الذين دافعوا بلا أي غرض مادي عن أرواح العراقيين وأملاكهم في مواجهة تهديدات تنظيم "داعش"، ما حال دون سقوط شبر واحد من أرض الوطن في أيدي الجماعات التكفيرية وداعميها الخارجيين، وفي غياب الحشد الشعبي، سترتسم صورة مشابهة لما حدث في سوريا، حيث يمكن أن يعاد تنفيذ المخططات الصهيونية المتمثلة في "من النيل إلى الفرات" في العراق.
ترسيخ النفوذ الأمريكي عبر الأذرع الداخلية في العراق
تتجلى المساعي الأمريكية في بغداد بمنحىً استراتيجي جديد، يتمحور حول تثبيت الوجود العسكري على الأراضي العراقية إلى ما بعد أكتوبر 2025، في مشهد يعكس تعقيدات المرحلة الراهنة.
وفي هذا السياق، أدلى مسؤول رفيع المستوى في منظومة الأمن القومي العراقي بتصريح لافت، مؤكداً خلال اجتماع حكومي أن "المصلحة العليا للبلاد لا تقتضي في الوقت الراهن المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي"، وعلى الرغم من المسارعة اللاحقة للمتحدث الرسمي باسم الحكومة إلى تصويب الموقف، مؤكداً ثبات الجدول الزمني المتفق عليه مع قوات التحالف الدولي والمُقر من اللجنة العسكرية العليا، إلا أن التصريحات اللافتة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في لقائه مع الأميرال ستيوارت مونك، قائد قوات الناتو المشتركة على هامش مؤتمر ميونخ الأمني، جاءت لتؤكد استمرار تطلع بغداد نحو تعزيز أواصر التعاون مع حلف الناتو.
وقد أبرز السوداني، في سياق هذا اللقاء، أهمية تعميق التعاون مع الناتو ضمن إطار الشراكة المستدامة، مع التركيز بشكل خاص على الدعم الاستشاري في مجال مكافحة الإرهاب، وتطوير المنظومة الأمنية العراقية وإعادة هيكلتها، بما يُفضي إلى ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في العراق، وهذا التوجه نحو تعزيز أواصر التعاون طويل المدى مع الناتو، يتماهى مع الرؤية الاستراتيجية للبيت الأبيض في تثبيت حضوره بالعراق تحت مظلة جديدة.
ويسوق بعض المسؤولين العراقيين حججاً مفادها بأن تنامي نفوذ الجماعات المسلحة في سوريا، يستدعي استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق كضمانة للحيلولة دون تسلل العناصر الإرهابية، وتكرار سيناريو صعود تنظيم "داعش"، بيد أن قوى المقاومة ترى في الوجود العسكري الأمريكي أحد المصادر الرئيسية لزعزعة الاستقرار في العراق.
وفي حين تُعلق القيادة العراقية آمالها على المساعدات الأمريكية في مكافحة الإرهاب، كشف النائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي سكوت بيري، في تقرير صادم يبرر وقف المساعدات الخارجية الأمريكية (USAID)، عن تورط هذه الوكالة في تقديم مئات الملايين من الدولارات سنوياً، تحت ستار المساعدات الإنسانية، لتنظيمات إرهابية من بينها "داعش" والقاعدة وجبهة النصرة وبوكو حرام وطالبان.
وفي ضوء الدور المحوري للحشد الشعبي في حماية أمن العراق، مدعوماً بالتفاف شعبي واسع، فإن أي مساعٍ لتقويض هذه المؤسسة أو تحجيم دورها، ستبوء بالفشل الذريع، ويأتي إقرار قانون الخدمة والتقاعد، ليس فقط لترسيخ المكانة القانونية وصون حقوق منتسبي الحشد الشعبي، بل أيضاً لتحصين العراق ضد محاولات القوى الأجنبية لزعزعة أمنه واستقراره.