الوقت- يشهد الفلسطينيون تصعيدًا ممنهجًا في سياسات الإهانة والإيذاء التي يمارسها الاحتلال الصهيوني، حيث يتم استغلال الرموز الدينية اليهودية كأداة في الحرب النفسية ضدهم، لم تعد الانتهاكات تقتصر على العنف الجسدي والقمع العسكري، بل تجاوزت ذلك إلى فرض رموز ذات دلالات دينية بهدف إذلال الفلسطينيين وإثارة مشاعر الغضب لديهم.
هذه الممارسات تكشف عن سياسة ممنهجة تهدف إلى ترسيخ الاحتلال ليس فقط كقوة عسكرية، بل كقوة تسعى إلى الهيمنة الثقافية والنفسية، ما يزيد من تعقيد الصراع ويفتح الباب أمام مزيد من التوترات والتصعيد التي تضاف إلى المحاولات المستمرة لتطبيق فكرة التهجير القسري للفلسطينيين والتي لم تكن مجرد نتيجة للصراع، بل كانت ركنًا أساسيًا في الفكر الصهيوني منذ نشأته، حيث يسعى القادة الصهاينة إلى فرض واقع جديد يحاول فرض تفوقهم باستخدام شتى الأساليب امتدت إلى استخدام أساليب الإذلال النفسي والترويع لفرض السيطرة، وهو ما تجلى مؤخرًا في الطريقة المهينة التي عومل بها الأسرى الفلسطينيون المحررون.
الترحيل في الفكر الصهيوني
لم تكن فكرة تهجير الفلسطينيين مجرد نتيجة طبيعية للصراع العربي الإسرائيلي، بل كانت جزءًا أساسيًا من الفكر الصهيوني منذ نشأته، فقد طرح آباء الصهيونية الأوائل تصوراتهم حول ضرورة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مؤكدين أن تحقيق هذا المشروع لا يمكن أن يتم دون إفراغ الأرض من سكانها الأصليين، ومع مرور الوقت، تطورت هذه الأفكار من كونها مجرد نظريات إلى سياسات عملية تجسدت في تهجير الفلسطينيين قسرًا، سواء عبر الاتفاقيات السياسية أو عبر وسائل العنف المنظم.
وتعود الأسس الفكرية لتهجير الفلسطينيين قبل ظهور الحركة الصهيونية السياسية بزعامة تيودور هرتزل، كانت هناك عدة طروحات تدعو إلى عودة اليهود إلى "أرض إسرائيل"، وهي أفكار ارتبطت بمزيج من الدوافع الدينية والاستعمارية، فمثلاً، كان موشي هس من أوائل المفكرين الذين تحدثوا عن ضرورة إعادة بعث الأمة اليهودية، معتبرًا أن تحقيق هذا البعث مرهون بإحياء الفكرة السياسية للدولة اليهودية وتأسيس مستعمرات في "أرض الأجداد".
أما إسرائيل زانجويل، فقد صاغ العبارة الشهيرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهي الفكرة التي روج لها بقوة في الأوساط اليهودية والأوروبية، محاولًا إقناع القوى الاستعمارية بضرورة دعم المشروع الصهيوني باعتباره امتدادًا لمشاريعها الاستيطانية في العالم، هذه الفكرة لم تكن قائمة على سوء فهم، بل على تجاهل متعمد للوجود الفلسطيني، ما يعكس استراتيجية الإنكار التي تبنتها الحركة الصهيونية لاحقًا.
الترحيل الوسيلة الأنجع
إحدى المشكلات الأساسية التي واجهت المشروع الصهيوني هي التوازن الديمغرافي، حيث كان الفلسطينيون يشكلون الأغلبية الساحقة في فلسطين، ولهذا، لم يكن كافيًا بالنسبة للقادة الصهاينة جلب المهاجرين اليهود فحسب، بل كان من الضروري أيضًا تقليل عدد السكان العرب.
حاييم وايزمان، أحد أبرز قيادات الحركة الصهيونية، تحدث عن فلسطين بوصفها "بلدًا بلا شعب"، ما يعكس الرؤية الصهيونية لإنكار الوجود الفلسطيني أو التقليل من شأنه، في تبرير واضح لعمليات التهجير القسري. أما يهودا ماغنس، فقد شدد على ضرورة امتلاك اليهود للقوة العسكرية لفرض سيطرتهم، قائلًا: "لقد كنا محكومين في كل مكان، والآن نريد أن نحكم هنا، لقد حان الوقت لنصبح أسيادًا في بلدنا".
لويس برانديس، أحد القادة الصهاينة البارزين، قدم رؤية استعمارية للأرض، معتبرًا أن الفلسطينيين أهملوا أرضهم ولم يستغلوها بالشكل الأمثل، وهو ما يبرر، برأيه، استيطان اليهود فيها. وقد شكل هذا الطرح الأساس المنطقي لمصادرة الأراضي الفلسطينية في العقود اللاحقة، حيث استخدم الاحتلال الصهيوني حججًا مماثلة لمصادرة مساحات شاسعة من الأراضي تحت ذريعة أنها غير مستغلة أو مملوكة للدولة.
استخدام أساليب نازية
من الأساليب الأخرى التي يقوم عليها الفكر الصهيوني في إذلال الأسرى الفلسطيني استخدام رموزه الدينية ففي سابقة خطيرة، قامت القوات الإسرائيلية برسم نجمة داود على ملابس الأسرى المحررين، في محاولة لإذلالهم وإهانتهم، هذا التصرف يعيد إلى الأذهان ممارسات النازيين الذين كانوا يميزون الأسرى برموز دينية لإذلالهم، ما يعكس تشابهاً مروعاً بين الأسلوبين.
وكشف مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وضع السجناء المفرج عنهم للملابس التي ارتدوها لحظة خروجهم على الأرض وإشعال النيران فيها.
ملابس الأسرى توثق الانتهاكات الصهيونية بحق الأسرى
العنجهية الصهيونية و التوتر الذي أصاب قادة الكيان الصهوني بعد إفراج حماس عن الأسرى وإظهار المعاملة الإنسانية جعلهم يتصرفون بالشكل الذي يدينهم بشكل أكبر من خلال توثق إهانتها وتنكيلها بالأسرى الفلسطينيين بإجبارهم على ارتداء ملابس تحمل نجمة داوود و مكتوب عليها عبارات العنف.
وفي هذا السياق تم التقاط صور لهؤلاء الأسرى الفلسطينيين بهذه الملابس بشكل مهين من ظهورهم بعدما تم إجبارهم على الجثو على ركبهم وإنزال رؤوسهم للأسفل، بينما جرى تصوير أخرى من داخل ساحة أحد السجون الإسرائيلية حيث كان الأسرى يصطفون في طوابير محاطون بالأسلاك الشائكة.
وقالت هيئة البث: إن الحديث يدور عن تصعيد جديد في الإجراءات الإسرائيلية حيث تمت كتابة هذه العبارة خلال الدفعات السابقة على أساور جرى إجبار الأسرى الفلسطينيين على ارتدائها على معاصمهم.
وخلال الأسبوعين الماضيين، أفاد أسرى فلسطينيون تم الإفراج عنهم آنذاك بأنه تم إجبارهم على ارتداء أساور تحمل تهديدات بالملاحقة والاعتقال، طُبع عليها إلى جانب علم إسرائيل "الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأمسك بهم".
وأضافت الهيئة إن الحديث هذه المرة يدور "عن صور استثنائية، وفي كل مرة نلحظ تصعيدا في الرسائل التي تنقلها إسرائيل من خلال المعتقلين المفرج عنهم".
التهديدات الإسرائيلية للأسرى المفرج عنهم، جاءت في وقت يخرج فيه الأسرى الإسرائيليين لدى كتائب "القسام" محملين بالهدايا وبملابس نظيفة ومرتبة.
كما كان يظهر على الأسرى الإسرائيليين الذين يتم تسليمهم حالة صحية جيدة مقارنة بالحالة الصحية التي يخرج بها الأسرى الفلسطينيون.
معاملة مهينة للأسرى الفلسطينيين
في مطلع فبراير/شباط الجاري، عبّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن استيائها الشديد من الأسلوب الذي اتبعته السلطات الإسرائيلية خلال الإفراج عن دفعة من الأسرى الفلسطينيين، حيث تم تقييدهم بالأصفاد ووضعهم في أوضاع مؤلمة ومهينة.
ووفقًا لما نشرته صحيفة هآرتس العبرية في نسختها الإنجليزية، نقلًا عن مصدر أمني لم يُكشف عن هويته، فإن الصليب الأحمر أعرب عن غضبه من تعامل مصلحة السجون الإسرائيلية مع الأسرى المحررين أثناء إطلاق سراحهم من سجن كتسيعوت في صحراء النقب.
وأضاف المصدر: إن المنظمة الدولية استنكرت بشدة الطريقة التي تم بها اقتياد الأسرى، حيث أُجبروا على رفع أيديهم المقيّدة بالأصفاد خلف رؤوسهم، ما تسبب في معاناة جسدية وإهانة واضحة لكرامتهم.
وحسب الصحيفة، فقد تقدم الصليب الأحمر بشكوى رسمية إلى مصلحة السجون الإسرائيلية، معترضًا على هذه الإجراءات التي وصفها بأنها مهينة ومنافية للمعايير الإنسانية، كما كشفت الصحيفة عن تفاصيل مثيرة للجدل، حيث تم تقييد الأسرى بأساور حملت عبارة بالعربية: "الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأدركهم"، وهو ما اعتُبر رسالة تهديد مباشرة باستمرار ملاحقة الأسرى المحررين، سواء عبر إعادة اعتقالهم أو استهدافهم بالاغتيالات.
وفي مقابل إهانة الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، تظهر عمليات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بغزة حرص "حماس" على الحفاظ على معاملتها الإنسانية لهم وفق تعاليم الإسلام، وصلت إلى حد تقديم الهدايا لهم قبل تسليمهم للصليب الأحمر.
هذا ما أكدته رسالة الأسيرة دانيال التي تركتها لشباب المقاومة الفلسطينية والمكتوبة بخط يدها، قبل يوم من إطلاق سراحها: "للجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة يبدو أننا سنفترق غدا، لكنني أشكركم من أعماق قلبي" وختمت "دانيال" رسالتها بالقول: "ليت يقدر لنا في هذا العالم أن نكون أصدقاء جيدين حقا".