الوقت - لا تتوقف سهام النقد اللاذع تنهال على رؤوس قادة الكيان الصهيوني، وفي مقدمتهم نتنياهو، من أفواه المحللين والخبراء الصهاينة، ففي غضون الشهر المنصرم، ومع تصاعد وتيرة الخسائر وتفاقم الأضرار التي خلفتها رحى الحرب دون أن تؤتي ثمارها المرجوة، تأججت بصورة لافتة حدة الهجمات الداخلية التي تستهدف رئيس الوزراء وأركان حكومته.
وقد زاد الطين بلةً بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، الذي كشف النقاب عن حجم الإخفاق الذريع لجيش الاحتلال، في محاولاته اليائسة للقضاء على قوات المقاومة.
نقل يوسي هدار، الصحفي الصهيوني، في تقرير حاد اللهجة، مقتطفات من مقال لم يُفصح عن صاحبه، جاء فيه:
"ما خبرتُ في مسيرة حياتي تجلياً للمسؤولية أشدّ مهانةً وأعظم خزياً مما نراه اليوم، فالمسؤولية ليست محض كلمات تتناقلها الألسن وتلوكها الشفاه، إنما هي عبء جسيم وأمانة ثقال تستوجب من حاملها أن ينوء بأعبائها كافةً، وحين تبلغ النكبة في ساح الوغى هذا المبلغ من الفداحة والهول، وتضحى أرجاء من كياننا المزعوم هدفاً لوابل من الصواريخ لا ينقطع، يغدو تنحي رئيس الوزراء ضرورةً حتميةً لا محيد عنها.
وإن كان لمفهوم المسؤولية من معنى يُرتجى، فما من سبيل سوى رحيل رئيس الوزراء… وها هو بتشبثه بكرسي السلطة يتملص من تحمل تبعات ما جنت يداه، أيها السادة، لم تعد المعاذير تجدي نفعاً، ولا الحجج تسمن من جوع… وما نشهده اليوم من مساعٍ محمومة لإلقاء عبء المسؤولية على عاتق الشعب والمعارضين وسواهم، لن يؤتي ثماره المرجوة، فيا سيدي رئيس الوزراء، لسنا نحن من خاض غمار هذه الحرب، بل أنت من زجّ بنا في أتونها وتولى دفة قيادتها، أنت من أخفق في إدارة شؤون الألوية والفيالق وقوات الجو، وفي استنفار قوات الاحتياط أو الإحجام عن حشدها".
وأردف هذا الصحفي العبري قائلاً:
"إن من يقف على رأس الحکومة ثم يخفق في قيادة جيشه وسط لظى الوطيس، لَحريٌّ به أن ينوء بأعباء تقصيره، ويستقيل من منصبه طواعيةً، غير أن المفارقة المريرة تتجلى في أن صاحب هذا الخطاب ليس إلا بنيامين نتنياهو نفسه، رئيس الوزراء الحالي، الذي انبرى يوماً يصبُّ جام غضبه وسياط نقده على سلفه إيهود أولمرت إبّان حرب لبنان الثانية، وإن كانت تلك الحرب قد خلّفت ندوباً عميقةً، فإن فاجعة السابع من أكتوبر قد فاقتها هولاً وفداحةً بأضعاف مضاعفة، ومع ذلك، ما زال نتنياهو يأبى الإقرار بمسؤوليته، ويتنصل من تبعات ما اقترفت يداه".
وأقرّ يوسي هدار بالهزيمة في غزة قائلاً:
"لقد آل أمر نتنياهو وحكومته إلى إخفاق مُدوٍّ في تحويل ما يدّعون من انتصارات في ميادين القتال، إلى ثمار سياسية يجنون شهدها، وها هم يتخبطون في مستنقع سياساتهم الآسنة، يکابدون الفشل في محاولات بائسة لإنقاذ عرش حكمهم المتداعي، ولو كلّفهم ذلك الانكفاء السياسي المُذل.
لقد تجلت الهزيمة الساحقة في مواجهة حماس بأبهى صورها في قطاع غزة، وما مشهد رجال المقاومة، وهم يشقون طريقهم بعزة وشموخ مصاحبين أسراهم إلى نقاط التبادل، مستعرضين سيطرتهم على القطاع، إلا برهان ساطع على هذا الانكسار المُذل، وها هو نتنياهو لا يكتفي بالتملص من المسؤولية وإلقاء تبعات الهزيمة على كواهل غيره فحسب، بل يسعى بكل ما أوتي من قوة لوأد أي محاولة لتشكيل لجنة تحقيق حكومية".
واختتم حديثه قائلاً:
"إن تنحي هرتسي هاليفي عن قيادة أركان جيش الكيان، سيُزكي نار المساعي الانقلابية التي تضمرها حكومة نتنياهو المشؤومة، وقد انضاف إلى هواجس الانقلاب المُخيفة، شبح جديد يتمثل في تنصيب رئيس أركان مطواع، سهل الانقياد، عديم الإرادة والفكر المستقل، وهكذا، تمضي الحكومة في دسائسها ومؤامراتها في جنح الظلام، بينما تقف المعارضة مكتوفة الأيدي، عاجزةً عن صدّ هذه المكائد، ويبدو أن قاطني الكيان قد أيقنوا، دون أدنى ريب، من ينبغي أن يتصدر قافلة المستقيلين".