الوقت- للوهلة الأولى يمكن أن يتراءى للبعض أنها حقبة جديدة من التحالف بين الحاكم الفعلي للسعودية ابن سلمان والرئيس الأمريكي العائد ترامب، لكن يراها الآخرون استمراراً لحقبة الاستغلال الاقتصادي والابتزاز السياسي الأمريكي للملكة العربية السعودية.
ويبرز ذلك واضحا من خلال إجابة ترامب على أسئلة على هامش توقيعه على عدد من الوثائق، عن وجهته الخارجية الأولى فقال إنها عادة ما تكون للمملكة المتحدة، لكنه عاد فأشار إلى أن أولى رحلاته في فترة رئاسته الأولى كانت للمملكة العربية السعودية، وذلك بعد شهور من تقلده الرئاسة في يناير 2017، وأوضح أنه فعل ذلك "لأنهم وافقوا على شراء ما قيمته 450 مليار دولار" من المنتجات الأمريكية.
وجاء الرد السعودي من خلال وعد ولي العهد السعودي بتعزيز استثمارات بلاده والعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بـ600 مليار دولار، في خطوة تعطي انطباعا عما ستكون عليه العلاقة بين الرياض وإدارة دونالد ترامب من تقارب وتعاون وثيق، لكن من الواضح أن ترامب لن يكتفي، حيث إن تصريحات الأخير تؤكد استمراره في استخدام أسلوب دبلوماسية الصفقات التي تضع الاقتصاد في قلب السياسة الخارجية، ما يعكس فلسفته القائمة على تحقيق مكاسب سريعة وملموسة، هذه الاستراتيجية تعيد تشكيل طبيعة العلاقات الأمريكية مع حلفائها، حيث أصبحت قائمة على الشروط والضغوط بدلًا من الشراكات التقليدية المبنية على الثقة المتبادلة.
من جهتها، لم توضح الخارجية السعودية مصدر الأموال، التي تمثل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أو كيف سيتم توجيهها.
تفاصيل المطالب الأمريكية
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس (23 يناير/كانون الثاني 2025): إنه سيطلب من السعودية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض تكلفة النفط، كما سيطلب من الرياض زيادة حزمة استثماراتها المزمعة في الولايات المتحدة من 600 مليار دولار كما أعلن من قبل إلى تريليون دولار.
وتأتي تعليقات ترامب بعد يوم من بحثه مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ما وصفها البيت الأبيض "بالطموحات الاقتصادية الدولية" للمملكة، بالإضافة إلى مناقشتهما قضايا التجارة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية في وقت سابق أن المملكة تريد ضخ 600 مليار دولار في استثمارات وأنشطة تجارية موسعة مع الولايات المتحدة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.
وقال ترامب في كلمة للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عبر تقنية الفيديو "لكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، زيادتها إلى نحو تريليون دولار"، وأضاف "أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين للغاية معهم"، كما دعا ترامب السعودية إلى خفض أسعار النفط، قائلا إن ذلك قد يسهم في إنهاء حرب روسيا على أوكرانيا.
وتابع الرئيس الأمريكي "إذا انخفضت الأسعار، فستنتهي حرب روسيا وأوكرانيا على الفور، الأسعار مرتفعة بما يكفي الآن لتستمر الحرب، عليكم خفض سعر النفط"، وأضاف "كان يجب أن يفعلوا ذلك منذ فترة طويلة، إنهم مسؤولون للغاية، في الواقع، إلى حد ما عما يحدث".
ولم يرد مركز التواصل الحكومي السعودي بعد على طلب للتعليق على تصريحات ترامب في المنتدى.
وأعلن البيت الأبيض أن ترامب وولي العهد السعودي تحدثا في الاتصال الهاتفي بينهما بشأن الطموحات الاقتصادية الدولية للمملكة خلال السنوات الأربع المقبلة والتجارة وغير ذلك من الفرص، كما تحدثا عن جهود تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب.
طموحات اقتصادية أم استغلال سياسي
عكست تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الـ 23 من يناير 2025 عن توجه استراتيجي يجمع بين الضغط الاقتصادي والدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق مصالح أمريكية مباشرة، مع تسليط الضوء على العلاقات السعودية-الأمريكية في سياق حساس عالميًا، وذلك من خلال :
الضغط على أسعار النفط ودورها في النزاعات الدولية
ترامب ربط خفض أسعار النفط بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما يعكس رؤيته للنفط كأداة استراتيجية يمكنها التأثير في توازنات القوى العالمية، وإن طلبه من السعودية وأوبك خفض الأسعار ليس مجرد دعوة اقتصادية، بل هو محاولة لتحجيم الإيرادات الروسية التي تغذي الحرب، مع تعزيز الاستقرار في الأسواق الغربية.
الضغط لتعزيز الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة
طلب ترامب من السعودية زيادة استثماراتها إلى تريليون دولار يعكس الرغبة في تحويل العلاقات الثنائية إلى شراكة اقتصادية أعمق، ترامب وصف ولي العهد بأنه "رجل رائع"، في إشارة واضحة إلى استعداده لتقديم تسهيلات إضافية مقابل تحقيق مكاسب اقتصادية تعزز الاقتصاد الأمريكي، ولا سيما في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية.
فرض خطاب دبلوماسي موجه
عبارات ترامب، مثل "كنا جيدين للغاية معهم"، تعكس نبرة تفاوضية تجمع بين المدح والضغط، فهو يلمح إلى أن الدعم الأمريكي للسعودية، سواء في الملفات الأمنية أو السياسية، يجب أن يقابله التزام أكبر من الرياض تجاه المصالح الأمريكية، ما يبرز البعد التجاري لعلاقاته الدبلوماسية.
ومن جهة أخرى فإن مطالبة السعودية بزيادة استثماراتها تعكس رغبة أمريكية في توسيع المكاسب الاقتصادية من هذه العلاقة، لكنها قد تدفع الرياض لإعادة تقييم خياراتها في ضوء التحولات الجيوسياسية. حيث تحتاج إدارة ترامب إلى السعودية في ما هو أبعد من الشراكة الثنائية لاقتناعها بأن الرياض ستكون إحدى الدول المهمة في إستراتيجية عزل إيران وممارسة الضغوط القصوى عليها، وإن كان السعوديون قد ردوا على تجاهل بايدن لمصالحهم بالانفتاح على إيران وفتح حوار معها ثنائيا وإقليميا، لكن وجود ترامب وموقفه الحازم ضدها قد يقودان إلى مراجعة الرياض موقفها، وخاصة في ضوء التحولات القائمة اليوم في الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى يحاول ترامب الضغط على السعودية في تثبيت مسار التطبيع الإقليمي مع كيان الاحتلال الاسرائيلي، ضمن مسار الاتفاقيات الإبراهيمية، ويضع ذلك هدفا رئيسيا في سياسته الخارجية، وكانت الرياض قد وضعت شروطا أمام هذا التطبيع من بينها قيام دولة فلسطينية، وهو شرط قد تتغاضى عنه في ضوء مواقف ترامب الداعمة بشكل كامل للكيان الغاصب.
ربط أسعار النفط بالتوازن الدولي
ربط ترامب خفض الأسعار بالمسؤولية السعودية يضع الرياض في موقف حساس؛ حيث يُظهرها كجهة قادرة على التأثير بشكل مباشر في النزاعات الدولية، هذا الموقف قد يُنظر إليه كفرصة لتعزيز دور المملك ة في السياسة العالمية، لكنه في الوقت ذاته يحمل أعباءً سياسية واقتصادية قد تؤثر على استراتيجياتها المستقبلية.
وبذلك يحاول ترامب زيادة التوقعات العالمية بشأن دور السعودية في تحقيق استقرار الأسواق، ما قد يضعها في موقف تفاوضي أصعب مع الدول المنتجة الأخرى.
لماذا تستجيب السعودية لترامب وتدعمه بمليارات الدولارات في هذا التوقيت
استجابة السعودية لدونالد ترامب ودعمه بمليارات الدولارات في هذا التوقيت تعكس حالة من الاستغلال الأمريكي الواضح للنفوذ الاقتصادي السعودي، في ظل الضغوط التي تفرضها التغيرات الجيوسياسية العالمية.
ترامب، المعروف بأسلوبه القائم على الصفقات، يستغل حاجة المملكة للحفاظ على علاقة قوية مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، وخاصة في وقت تتغير فيه موازين القوى الاقتصادية والسياسية العالمية، وإن طلبه زيادة الاستثمارات السعودية في أمريكا إلى تريليون دولار وربط ذلك بدعم المملكة يظهر وكأنه ابتزاز سياسي-اقتصادي يهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة، مستفيدًا من رغبة الرياض في تعزيز شراكتها مع واشنطن.
في الوقت ذاته، تأتي هذه المطالب في سياق الضغط الأمريكي على السعودية للمساهمة في استقرار أسواق النفط، حيث تُحمّل واشنطن المملكة مسؤولية جزئية عن ارتفاع الأسعار، وهو ما يشكل محاولة لتحميل الرياض أعباء اقتصادية إضافية لخدمة المصالح الغربية، هذا الاستغلال يُبرز أيضًا سعي أمريكا إلى استثمار موارد السعودية المالية لتعزيز اقتصادها المحلي، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية داخلية، وبالتالي، يبدو الدعم السعودي وكأنه تكلفة استراتيجية تُدفع للإبقاء على الدعم الأمريكي، في حين أن العلاقة الثنائية تُدار وفق أسلوب يعتمد على المصالح الأمريكية أكثر من الشراكة المتكافئة.
من جهة أخرى تُدرك السعودية التحديات التي تفرضها القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا، وتُفضل تعزيز علاقتها مع واشنطن لتجنب الانحياز الكامل نحو الشرق.