الوقت- تتزايد المخاوف المحلية والإقليمية والدولية بشأن مستقبل الاستقرار السياسي والأمني في سوريا الجديدة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، ويقوم قادة هذه المجموعات بتنسيق وجهات نظرهم بشأن تشكيل المؤسسات الأمنية والسياسية من أجل تمهيد الطريق للقبول الدولي للحكم الجديد من خلال معالجة المخاوف الداخلية والخارجية.
وبهذا الصدد أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة في سوريا، السبت، عن عقد اجتماع بحضور أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وممثلي الفصائل العسكرية السورية حول موضوع دراسة خصائص المؤسسة العسكرية في الحكومة الجديدة.
وأكد الجولاني في هذا اللقاء أنه سيتم دمج كل المجموعات العسكرية في كيان واحد تحت إدارة وزارة الدفاع في الجيش السوري الجديد.
من ناحية أخرى، ذكرت قناة سكاي نيوز، أنه تم تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع في الحكومة الانتقالية، كما أكد القائد العام لدائرة العمليات العسكرية في سوريا أنه سيتم حل جميع الفصائل ولن يكون هناك سلاح في يد الحكومة السورية.
في غضون ذلك، قال رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير، في وقت سابق، إنه ستتم إعادة هيكلة وزارة الدفاع بمساعدة فصائل المعارضة والضباط الذين انفصلوا عن الجيش السوري في عهد بشار الأسد، وحسب البيان، يبدو أن الجيش السابق سيتم حله بالكامل وستخضع القوات المسلحة لعملية تجديد كبيرة.
وبما أنه تم تعيين العديد من الشخصيات السياسية لفترة انتقال السلطة فمن المقرر إجراء انتخابات وطنية مستقبلاً، لذلك هناك حاجة إلى قوة عسكرية لتنظيم الوضع الداخلي، ويحاول الجولاني إقناع القوات العسكرية بالسيطرة على الوضع في أقرب وقت ممكن ولذلك فإن مجموعة الوحدات العسكرية هذه ستتولى دور الجيش.
التحدي المتمثل في تعدد الجماعات المسلحة
ورغم أن الجولاني لم يعلن بعد ما إذا كانت كل الجماعات المسلحة ستتواجد في الجيش الجديد أم إنه سيشمل فقط فصائل هيئة تحرير الشام، إلا أن المرجح أن هذا الجيش سيكون عبارة عن مزيج من الجماعات المسلحة المتمركزة في إدلب وعددها حسب الإحصائيات المعلنة هناك 37 مجموعة كبيرة وصغيرة.
وأبرز فرع لهذه الجماعات، والذي لعب دورا قياديا في مواجهة النظام السابق خلال السنوات الأخيرة، هو هيئة تحرير الشام، التي لا تزال تؤدي نفس المهمة في دمشق.
وتشكلت هيئة تحرير الشام في كانون الثاني/يناير 2017 نتيجة اندماج جيش الأحرار وجبهة فتح الشام وجبهة أنصار الدين وجيش السنة ولواء الحق وحركة نور الدين زنكي، وكان الهدف العام لهذا التنظيم هو تحرير سوريا من القوات العسكرية.
والحركة الإسلامية "أحرار الشام" هي فصيل مسلح آخر تشكل خلال أحداث سوريا كتحالف يتكون من أربع مجموعات هي "كتائب أحرار الشام" و"حركة الفجر الإسلامية" و"مجموعة الطليعة الإسلامية" و" مقاتلي كتائب الإيمان".
والجبهة الوطنية للتحرير هي تحالف من المعارضة السورية المسلحة في جنوب غرب سوريا، تم تشكيله من 11 فصيلاً في الجيش السوري الحر بإدلب في مايو 2018، ويضم 30 ألف مقاتل، "فيلق الشام"، "جيش إدلب الحر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "الجيش الثاني"، "الفرقة الساحلية الثانية"، "جيش النخبة"، "الفرقة الأولى مشاة"، "جيش النصر"، "لواء شهداء الإسلام" "جيش إدلب الحر"، الفرقة 23 هي من بين المجموعات الفرعية لهذه المجموعة.
الجيش الوطني السوري هو تحالف مدعوم من تركيا يتكون من فصائل معارضة للقوات الموالية للنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة. وتأسس هذا الجيش في كانون الأول/ديسمبر 2017 وشارك في عدة عمليات عسكرية للجيش التركي في شمال سوريا، وتعمل المجموعة كجيش للحكومة المؤقتة للمعارضة السورية ومقرها تركيا لوضع الجيش السوري الحر تحت "قيادة موحدة".
و"جيش الشرف" المعروف سابقاً باسم "تجمع الشرف" هو جماعة سورية معارضة تتبع الجيش السوري الحر، بقيادة الرائد جميل الصالح المنشق عن الجيش السابق، تلقت هذه المجموعة صواريخ مضادة للدبابات من الولايات المتحدة خلال الحرب ضد "داعش" في عام 2015.
الجيش السوري الحر هو تحالف كبير للمقاومة اللامركزية من الميليشيات، أسسه العقيد رياض الأسد وستة ضباط انشقوا عن القوات المسلحة السورية في يوليو 2011، وكان أول جماعة مسلحة مناهضة للحكومة في الحرب الأهلية السورية، وتتقاسم هذه المجموعة المدعومة من الولايات المتحدة رؤية مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد)، التي تسيطر على شمال شرق سوريا.
وجماعة "نور الدين الزنكي" هي حركة سلفية ذات فكر تكفيري شاركت في القتال ضد الحكومة المركزية خلال السنوات الماضية، وكانت هذه الحركة جزءاً من مجلس قيادة الثورة السورية، وكانت خلال السنوات الماضية كتائب وكانت كتائب "جيش العزة وفصيل الشام لتشكيل جبهة تحرير سوريا"، أحد فروع هذه الجماعة، من أكثر الفصائل نفوذا في حلب.
تحديات تشكيل الجيش السوري الموحد
ويحاول الجولاني تشكيل جيش واحد مع رفاقه في إدلب، بحيث تتمكن هذه القوة الواحدة، من الاستجابة للمطالب الدولية بشأن سيطرة الحكومة الجديدة على عشرات الميليشيات المستقلة، وحماية وجود وأسس الحكومة المستقبلية، لكن في هذه الأثناء، هناك تحديات وأمور كثيرة قد تجعل هذه العملية والحكم الجديد يواجهان أزمة خطيرة.
هذه المجموعات التي من المفترض أن تتولى مهمة تأمين أمن سوريا، لكل منها مطالبها الخاصة، وإذا لم تحققها في الهياكل الحاكمة، فقد تنقلب على أصدقائها الحاليين وخصومها السابقين.
تعاونت هذه المجموعات مع بعضها البعض بدافع الضرورة لأن لها هدفاً وعدواً مشتركاً في إدلب، لكن الآن اختفى هذا التهديد المشترك وأصبحت العناصر المسلحة في كل مجموعة يعتبرون أنفسهم هم المنتصرون على الساحة السورية، الذين يجب أن يلعبوا دوراً مهماً في المنطقة، وفي الحكومة المقبلة، فإنهم أيضاً يمنحون أنفسهم حصة أكبر في المؤسسات الأمنية، الأمر الذي سيزيد من تضارب المصالح والمطالب بين هذه الفئات.
من ناحية أخرى، بما أن هذه المجموعات تتلقى أوامر من مختلف الداعمين الأجانب، فإنها تصطدم أيضًا مع بعضها البعض في إدلب من وقت لآخر بسبب المصالح الفصائلية، وفي الوقت الحالي، وعلى الرغم من أن دور الجولاني في قيادة هذه الجماعات يوفر الظروف اللازمة لتشكيل حكومة جديدة، لكن من غير المرجح أن يستمع قادة الجماعات المسلحة الأخرى، بما في ذلك الجيش الحر والجيش الوطني السوري، الذين يتصرفون بشكل أكثر انسجاما مع مصالح تركيا، للجولاني.
وإذا افترضنا أن جميع فصائل المعارضة موجودة في الجيش الجديد، فستظل هناك خلافات حول هيكل القيادة ومن أي المجموعات يجب اختيار كبار المسؤولين العسكريين، لأن كل هذه الفصائل تدعي أنها شاركت بالقدر نفسه في النصر ضد النظام السابق، ويجب توزيع المناصب السياسية والعسكرية بشكل عادل، ولذلك، إذا حصلت المجموعات الصغيرة على حصة صغيرة في الهياكل السياسية والأمنية، فقد تبدأ بالتمرد.
ومن ناحية أخرى، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المجموعات، التي من المفترض أن تؤدي واجباتها تحت إشراف وزير الدفاع، مستعدة لطاعة رؤسائها، وإذا كان هناك خلاف بين أفراد المجموعات العديدة، فهل يمكنهم إطاعة الأمر الصادر أم لا.
حتى الآن، تعمل هذه المجموعات كقوات غير منظمة وحرب عصابات، ويستغرق الأمر وقتًا طويلاً لتلقي التدريب اللازم، ولتدريب هذه القوات هناك حاجة إلى ضباط النخبة الذين كانوا في الجيش السابق، ولكن يبدو أن الجولاني وأصدقاءه لا ينوون إعادة التجنيد في قوات الجيش، وبالتالي سيكون لديهم مشاكل كثيرة في تدريب وتنظيم القوات الجديدة في وحدات عسكرية.
لقد حدثت التطورات في سوريا بسرعة كبيرة لدرجة أن حتى الجماعات المسلحة لم تصدق، وهي الآن في فراغ أمني وأمامها طريق طويل لإصلاح هذا الوضع.
والنقطة المهمة الأخرى هي أن الجيش الجديد يجب أن يتم تشكيله وفق المعايير الدولية حتى تعترف به الدول الأخرى، وبالنظر إلى أن بعض قادة هذه الجماعات مكروهون في النظام الدولي، فإنه إذا تم تعيينهم على رأس الجيش، فمن غير المرجح أن يتعاون معه حتى الغربيون، وكما هو الحال مع حكومة طالبان في أفغانستان، فقد اتخذت مثل هذا الإجراء الذي لم يعترفوا به حتى الآن بسبب وجود شخصيات إرهابية في الحكومة المؤقتة.
إن الرغبة في مزيد من مشاركة المجموعات السورية المسلحة في المؤسسات الأمنية واحتمال عصيان بعض العشائر لأوامر الجولاني ستواجه تحديات خطيرة في طريق تشكيل جيش عسكري موحد في سوريا.
