الوقت- مع اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني، بدأ مئات الآلاف من اللاجئين اللبنانيين بالعودة إلى ديارهم، وعلى الرغم من ذلك، وبعد قرابة شهرين من القصف العنيف والأعمى للمناطق السكنية من قبل الكيان الصهيوني، تم تدمير جزء كبير من مدن وقرى جنوب لبنان والآن هي بحاجة إلى إعادة الإعمار. وفي مثل هذه الوضع، بدأت الحكومة اللبنانية وحزب الله العمل فور وقف إطلاق النار لتسريع عملية إعادة بناء المدن والقرى المدمرة.
وفي هذا الصدد، بدأت دائرة إعادة الإعمار اللبنانية نشاطها في مناطق مختلفة في الأيام الأخيرة وتم إرسال فرق مكونة من مهندسين ومتطوعين شعبيين ولجان متخصصة إلى مناطق مختلفة لتقصي الأضرار.
وحسب شبكة العهد فإن المعلومات تشير إلى أن عملية تقصي الأضرار لن تستمر أكثر من 20 يوماً، وبعدها ستبدأ عملية دفع التعويضات للمتضررين من مختلف الفئات.
وعلى الرغم من حجم الدمار، قام الناس بإزالة الكثير من الأنقاض لإعادة الحياة إلى مدينتهم، لقد جاءت المؤسسات المالية للعمل على إعادة الأمل والحياة إلى المدن التي مزقتها الحرب.
وقال حسين خير الدين، منسق قضية الترميم في مؤسسة جهاد البنا، فيما يتعلق بتقصي الأضرار وإعادة الإعمار: "يتم إخطار كل الأهالي الذين لديهم وحدة متضررة من خلال الحضور إلى المراكز المخصصة لاستكمال الاستمارة واستلام مبلغ مالي والحصول على تعويض مباشر بعد اتخاذ الإجراءات من خلال هذه المراكز".
وأكد خير الدين أن "مبلغ بدل السكن خصص لأصحاب الوحدات السكنية التي دمرت بالكامل، وهي تشمل 8000 دولار للأثاث و6000 دولار لفترة الإيجار حتى انتهاء إعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية".
وحسب خير الدين، وبالنسبة للمناطق الأخرى، تقوم مؤسسة جهاد البنا بإعداد الملفات الخاصة بالمباني المدمرة، مع تحديد المساحة وتكلفة إعادة إعمارها، ليتم تحديد آلية دفع التعويضات.
وأشار خير الدين: "تقوم هذه المؤسسة بالتعاون مع مجموعة من المهندسين الخبراء بمعاينة الأبنية المتضررة التي تحتاج إلى ترميم أو التي شهدت دماراً جزئياً، كما يتم تحديد طريقة دفع الأضرار بناءً على النتائج".
وأكد خير الدين: أن "عمليات المسح وصلت إلى مراحل متقدمة في معظم المناطق، إذ تم تحديد 7 مراكز في المنطقة الثانية و8 مراكز في منطقة البقاع".
كما أعلن الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله في لبنان، أن هذا الحزب والجمهورية الإسلامية الإيرانية قدموا حتى الآن 77 مليون دولار للاجئين اللبنانيين.
وكان نعيم قاسم قال في وقت سابق: إن المقاومة ستشارك في عملية إعادة الإعمار كما فعلت مع شعب لبنان خلال الحرب، كما دعت المؤسسات الاقتصادية اللبنانية المواطنين اللبنانيين إلى مساعدة الضحايا، وقالت في بيان لها: “بعد الظروف الصعبة التي نشأت بعد الانهيار الاقتصادي، ليس أمامنا سوى أن نتكاتف”.
دور المؤسسات المالية في إعادة الإعمار
خلال فترة إعادة الإعمار، أصبح دور المؤسسات المالية، التي يعمل الكثير منها تحت إشراف حزب الله، أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، ومعهد جهاد البنا، الذي تولى المسؤولية الأساسية عن إعادة الإعمار، هو مؤسسة موجهة نحو التنمية في لبنان يديرها حزب الله، والغرض من هذه المنظمة هو المساعدة في الحد من عواقب الحرب الأهلية ومقاومة كيان الاحتلال، وتشتهر المنظمة بمشاريع بناء البنية التحتية والمشاريع التعليمية والمساعدة في إيواء اللاجئين من مختلف الصراعات التي ابتليت بها لبنان مؤخرا.
وقد قامت هذه المؤسسة ببناء 16 ألف منزل حتى عام 2006، وهي الآن تعمل بكل قوتها لرفع العبء عن كاهل الناس، ومن المؤسسات المالية المهمة الأخرى مؤسسة "قرض حسن" التي وصلت، على الرغم من بنيتها التحتية الصغيرة، إلى الكثير من اللبنانيين، وفي الأيام التي أغلقت فيها البنوك الشهيرة في هذا البلد، كانت هذه المؤسسة تقدم قروضاً من دون فوائد للمحتاجين، الأمر الذي أدى إلى توسع رقعة شعبيتها أكثر من ذي قبل عند الرأي العام.
ولهذا السبب استهدف الجيش الصهيوني فروع هذه المؤسسة بحجة تدمير الدعم المالي لحزب الله، وكان قادة تل أبيب يعلمون جيداً أن هذه المؤسسات ستلعب دوراً مركزياً في عملية إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب، ولذلك حاولوا من خلال تدمير هذه المؤسسات تكثيف الضغوط الاقتصادية على لبنان بالإضافة إلى العقوبات، حتى لا يتمكنوا من التعافي قريباً من أنقاض الحرب التي فرضها عليهم المحتلون الصهاينة.
كم تكلفة التجديد؟
ورغم أنه لم يتم الإعلان بعد عن الإحصائيات الدقيقة لتكاليف إعادة الإعمار، إلا أن البنك الدولي قدّر في تقريره الأخير تكلفة البنية التحتية المدمرة بنحو 8.5 مليارات دولار بحلول نهاية تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي للبنان، وبما أن الاشتباكات استمرت حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر فإن الرقم الفعلي أعلى من هذا الرقم، وقال السيد الشامي، نائب رئيس الوزراء اللبناني: إن الحكومة ليس لديها رقم حقيقي لتكلفة الدمار، ولكن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار لإعادة الإعمار.
تجدر الإشارة إلى أن هجمات الكيان الصهيوني لم تقتصر على الطرق والجسور والمراكز المالية فحسب، بل إن التقدير الفعلي لحجم الدمار يظهر أن 229 ألف منزل دمرت في الحرب الأخيرة، تقدر تكلفتها بـ12.2 مليار دولار. وقال محمد شمس الدين، الباحث والإحصائي اللبناني، في هذا الصدد: إن تكلفة الأضرار التي لحقت بشبكات الكهرباء والماء والهاتف والطرق تبلغ نحو 720 مليون دولار، و920 مليون دولار مطلوبة لإعادة الإعمار في قطاع الزراعة والبيئة.
الحاجة إلى الدعم الدولي
وبما أن لبنان يتعامل مع أزمة اقتصادية ضخمة منذ عام 2019، فإن تكلفة إعادة الإعمار وحدها تقع خارج مسؤولية هذا البلد، وفي هذا السياق، قال أمين سلام، وزير الاقتصاد اللبناني: إن إعادة إعمار لبنان تتطلب دعماً دولياً واسع النطاق.
وأكد سلام أن المرحلة الأولى من إعادة الإعمار تتعلق بعودة النازحين إلى القرى والمدن، والمرحلة الثانية هي إعادة الإعمار الكامل للمنازل والمؤسسات المتضررة بالمساعدات الدولية.
أما المرحلة الثالثة، حسب سلام، فهي إنعاش الاقتصاد اللبناني من خلال تطوير السياحة والزراعة والخدمات. وأكد هذا الوزير اللبناني أنه إذا توافرت الإرادة الوطنية، خلال سنتين إلى أربع سنوات، سيتجاوز لبنان هذه المرحلة ويحقق التنمية والازدهار الاقتصادي.
ومن بين الدول العربية، وافق العراق حتى الآن على ميزانية للمساعدة في إعادة بناء لبنان، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: إن "العراق يقترح بقوة مبادرته لإنشاء صندوق عربي إسلامي لإعادة إعمار لبنان وغزة".
هذا في حين أن ديون الحكومة اللبنانية تبلغ 45 مليار دولار، أي 195% من الناتج القومي الإجمالي، وهي غير قادرة على إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتحتاج إلى مساعدات خارجية للتغلب على هذا الوضع، وقال الشامي: إن بيروت تجري محادثات مع البنك الدولي حول إمكانية إنشاء صندوق ائتماني متعدد لتمويل عملية إعادة الإعمار.
تحديات إعادة الإعمار
ورغم تفاؤل وزير الاقتصاد اللبناني بإعادة الإعمار خلال مدة أقصاها 4 سنوات، إلا أن خبراء اقتصاديين يعتبرون تنفيذه غير واقعي.
منى فواز، أستاذة الدراسات والتخطيط الحضري في جامعة بيروت، قالت لموقع المشد: "نظراً لأن حجم الأضرار في الحرب الأخيرة هو 6 أضعاف عام 2006، فإن عملية إعادة الإعمار ستكون أطول"، كما انخفضت آلية التمويل والتركيز الإداري لإعادة الإعمار مقارنة بعام 2006، ما يجعل العمل صعباً.