الوقت- بلغت وحشية الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين مستوى جعل حتى الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لهذا الكيان، تضطر مجبرة إلى انتقاد أفعاله، ولو بصورة شكلية.
وفي هذا السياق، انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، مقتل عمال الإغاثة في غزة على يد قوات الاحتلال الصهيوني، وخلال مؤتمر صحفي، صرّح باتيل قائلاً: " نحن غاضبون، ونريد مزيداً من المعلومات حول هذا الحادث».
وأضاف: «يتعين على الجيش الإسرائيلي تقديم معلومات إضافية عن هذه الحادثة... نحث إسرائيل على إجراء تحقيق دقيق وشفاف في مثل هذه الأفعال، واتخاذ الإجراءات المناسبة في نظامهم»، لكن، هل تظن أمريكا أن شعوب العالم مغفلة؟! لقد قُتل حتى الآن أكثر من 200 صحفي وما يزيد على 50 ألف امرأة وطفل، والآن يطالبون بالتحقيق في مقتل عامل إغاثة واحد؟ وأي تحقيق هذا الذي أجرته واشنطن بشأن كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى الآن وأسفر عن نتائج حقيقية؟
من الجدير بالذكر أن الحركة الصهيونية منذ ما قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي كانت قد هندست كل قدراتها من أجل اقتلاع الفلسطينيين، وكل شيء تقوم به سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا أو عسكريا يأتي في هذا السياق، ولذلك فهي تستهدف عمال الإغاثة.
حصيلة جرائم الاحتلال بحق عمال الإغاثة
استشهد قرابة 230 من العاملين في مجال الإغاثة والمنظمات الإنسانية، منذ بدء العدوان على غزة، فيما يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف عمال الإغاثة في غزة، وخاصة الذين يعلمون في إعداد الطعام للسكان والنازحين، ضمن أهدافه تعميق المجاعة في القطاع الذي يتعرض لعدوان مستمر منذ أكثر من عام.
جاء الاستهداف الإسرائيلي الجديد ضد ثلاثة من أعضاء فريق المطبخ المركزي العالمي في مدينة خان يونس جنوب غزة، ليكون الثاني ضد هذه المؤسسة التي تقدم خدماتها الغذائية لأهالي القطاع، حيث سبق أن استهدف الاحتلال 7 من موظفيها، في أبريل الماضي.
وتظهر الإحصائيات الأممية ارتفاع عدد عمال الإغاثة المستهدفين من قبل جيش الاحتلال في قطاع غزة، حيث لقي 281 منهم حتفه منذ بداية العام الحالي فقط، ليتجاوز الرقم المسجل العام الماضي وهو 280.
وتعد منظمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية غير الحكومية من أبرز الجهات الفاعلة في مجال توفير وتوزيع المساعدات الغذائية لسكان غزة المهددين بمجاعة وشيكة بحق مئات الآلاف، في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات الكافية، وفرضه حصاراً مشدداً على مناطق الشمال.
لماذا تستهدف "إسرائيل" عمال الإغاثة في غزة؟
على مدار أكثر من عام، دأبت قوات الاحتلال الإسرائيلي على استهداف عمّال الإغاثة في قطاع غزة، في سعي منها إلى تصفيتهم وإرهابهم، لدفعهم إلى ترك عملهم، والتي كان أبرزها قتْل 7 من موظفي المطبخ المركزي العالمي، 6 منهم أجانب، وبينهم سائق فلسطيني أول أبريل/نيسان الماضي.
ويأتي استهداف عمال الإغاثة جزء من مخطط "الإبادة الجماعية" الذي تشنه قوات الاحتلال الصهيوني ضد سكان القطاع منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تسعى من خلال قتلهم إلى تقليل كميات المساعدات الإنسانية التي تصل إلى الغزيين والتحكم فيها.
حيث تعمل قوات الاحتلال من خلال استهداف موظفي المؤسسات الدولية الإغاثية، ضمن مخطط مدروس يهدف إلى تحقيق أمرين، الأول: احتكار فرض سيطرتها على الشعب الفلسطيني، ومنع عمال الإغاثة من أداء أي دور مَهما كان محدودا في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، أما الهدف الثاني فهو دفع سكان القطاع إلى الهجرة ومغادرته، تحت ضغط عدم توافر الحد الأدنى من احتياجات البشر.
السياسة الأمريكية ثابتة الخطى تجاه الإجرام الصهيوني
لطالما أكدت الإدارة الأمريكية عن عدم تغيير موقفها السياسي من كيان الاحتلال الصهيوني وسياسياته الإجرامية من تجويع وتهجير بحق أهالي غزة وهذا ما عبر عنه فيدانت باتيل نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في معرض رده على سؤال بشأن احتمالية فرض عقوبات على كيان الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق في حال لم تستجب للمطالب الأمريكية، حيث قال إنه لا يوجد تغيير في السياسة الأمريكية حاليا، وأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تفرض عقوبات على كيان الاحتلال الإسرئيلي، رغم انتهاء المهلة التي منحتها إياها من أجل تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة والسماح بإيصال مساعدات إغاثية.
حتى الحماية الدولية فشلت
يتمتع العاملون في مجال الإغاثة بحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي يشدد على أهمية حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم خلال النزاعات المسلحة، مع تأكيد ضرورة حماية وتوفير الأنشطة الإنسانية، سواء أكانت عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أي هيئة إنسانية حيادية.
فرض القانون الدولي على دولة الاحتلال ضرورة توفير المؤن الغذائية والإمدادات الطبية، حيث جاء في المادة (55) أنه من واجب دولة الاحتلال أن تعمل "بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأرضي المحتلة غير كافية".
وأشارت المادة (56) إلى أهمية تعاون سلطات الاحتلال مع السلطات المحلية من أجل توفير الشروط الإنسانية؛ حيث نصت على أنه "من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحتلة، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة".
وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة يترتب على أطراف النزاع أهمية منح الهيئات الإغاثية جميع التسهيلات من أجل مرور جميع الأدوية والمهمات الطبية دون إبطاء، وأعطى أطراف النزاع إمكانية وضع الشروط الفنية للسماح لها بالمرور.
ومنظمة المطبخ المركزي العالمي التي تعمل في قطاع غزة هي مؤسسة غير حكومية أسسها الطاهي الإسباني الأمريكي خوسيه أندريس وزوجته باتريشيا عام 2010، في أعقاب زلزال كبير في هاييتي، لتبدأ في الأصل بتقديم مساعدات غذائية طارئة للناجين.
وبادرت المنظمة إلى استكمال هذه المهمات من خلال تقديم المعونات الغذائية والمساعدات للمنكوبين بسبب كل أشكال الكوارث، بما فيها الطبيعية مثل الأعاصير وحرائق الغابات وأمواج تسونامي والانفجارات البركانية في ربوع العالم، لكن جميع تلك القوانين والأعراف الدولية لم تتمكن من إيقاف الإجرام الصهيوني وداعميه.
تعمد واضح
ونقل عن شاهد عيان يدعى حسن الشوربجي يقطن قريباً من موقع القصف، أن سيارة عمال الإغاثة تعرضت للقصف، ما أدى إلى احتراقها بالكامل، وجرى إجلاء المصابين في السيارة الثانية وقد عمد جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف قافلة موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي 3 مرات.
وأفاد التحقيق بأن القصف استهدف 3 سيارات تابعة للمنظمة الدولية، منها سيارتان مصفحتان، وسيارة ثالثة من دون تصفيح؛ ما أسفر عن مقتل 7 موظفين من فريق الإغاثة يحملون جنسيات أجنبية بمن فيهم سائق فلسطيني.