الوقت- تحاول الحكومة الأفغانية المؤقتة إعادة مليونين و500 ألف نازح داخلياً إلى ديارهم من خلال إطلاق برامج جديدة، وأعلن "خليل الرحمن حقاني" وزير وزارة اللاجئين والعائدين الأفغاني بالإنابة هذا الخبر، وذكر أن "آلاف الأسر النازحة داخلياً تعود طوعاً إلى مناطقها الأصلية بجهود الإمارة الإسلامية ووزارة اللاجئين"، وهذه العودة هي نتيجة لجهود مكثفة تم القيام بها من أجل استعادة وتحسين وضع هذه الأسر".
ولكن هل يمكن تنفيذ ادعاء مسؤول طالبان بتنظيم النازحين داخليا في أفغانستان؟ بشكل عام، كم عدد اللاجئين في أفغانستان وما هي حالتهم؟
أفغانستان وأكبر عدد من اللاجئين في العالم
ووفقاً للتقرير الذي قدمته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن لدى كل من أفغانستان وسوريا 6.4 ملايين (12.8 مليون في المجموع) لاجئ خارج حدودهما في جميع أنحاء العالم، وهو ما يعادل ثلث اللاجئين في العالم.
وهذا على الرغم من أن ما يقرب من 10.9 ملايين أفغاني في جميع أنحاء العالم ظلوا نازحين، معظمهم داخل البلاد أو في البلدان المجاورة، وفي عام 2023، ارتفع عدد اللاجئين الأفغان في الخارج بمقدار 741400 إلى 6.4 ملايين، ولذلك يصل عدد النازحين داخليا في أفغانستان إلى أكثر من 4.5 ملايين شخص.
كذلك، وحسب "تقرير الاتجاهات العالمية" التابع للأمم المتحدة، فإن عدد النازحين قسراً واللاجئين حول العالم يبلغ 117.3 مليون شخص، وقد ارتفع هذا العدد في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024.
وذكرت "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن هذا الرقم يدل على عدم الاستقرار والحروب المستمرة في المنطقة، والتي، حسب هذه المنظمة، مستمرة منذ عقود، ووفقا لهذا التقرير، فإن ثلاثة أرباع (72%) اللاجئين يأتون من خمس دول فقط، أفغانستان 6.4 ملايين، سوريا 6.4 ملايين، فنزويلا 6.1 ملايين، وأوكرانيا وفلسطين 6 ملايين نازح قسرياً لكل منهما.
ويضيف هذا التقرير إن ما يقرب من 90 بالمئة من اللاجئين الأفغان يعيشون في البلدان المجاورة لأفغانستان، حيث تستضيف إيران 3.8 ملايين لاجئ وتستضيف باكستان مليوني لاجئ، وهو أكبر عدد من اللاجئين الأفغان.
وحسب تقرير هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة، استضافت ألمانيا أكثر من 25500 لاجئ أفغاني حتى نهاية عام 2023، على الرغم من أنه ليس لديها حدود مشتركة مع أفغانستان.
نازحون في أوطانهم
يروي صحفي أفغاني قصة عن الوضع في هذا البلد ويكتب: هذا الصيف، ولأول مرة منذ عام 2017، زرت قريتي في مقاطعة غزنة؛ قبل بضع سنوات فقط، كان القيام بهذه الرحلة التي يبلغ طولها 260 كيلومترًا يعني المخاطرة بحياتك.
قال: بالكاد تعرفت على هذا المكان، بدا مهجورًا تقريبًا، وكان أقاربي وأصدقائي قد رحلوا جميعًا، وكان المنزل الذي نشأت فيه يسكنه أشخاص آخرون، وكان هناك نازحون داخليًا من محافظة أخرى، وكانت الشوارع فارغة لم أر سوى عدد قليل من الأطفال الوحيدين الذين يتجولون في الأنحاء، ولم يتبق في هذا المجتمع الذي كان نابضًا بالحياة في يوم من الأيام سوى حوالي 40 شخصًا، معظمهم من النازحين داخليًا، وكان الأشخاص الذين بقوا في هذه القرى ضعفاء للغاية ولم يكن لديهم القدرة على الهجرة خارج أفغانستان أو حتى إلى المدن الكبرى.
يمكن أن يكون سبب نزوح الأفغان داخل بلدهم عدة أسباب:
عقود من الحرب في أفغانستان
وأجبرت عقود من الصراع نحو ربع سكان أفغانستان البالغ عددهم 40 مليون نسمة على الفرار إلى الخارج، ومن المؤكد أن عودة الأمن النسبي إلى أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في عام 2021 ستغير حياة العديد من الأفغان وتقودهم إلى أيام أفضل وتعطيهم الأمل، لكن كل هذا لم يؤد إلى اندفاع اللاجئين الأفغان للعودة إلى بلادهم، وفي الواقع فإن حروب العقود القليلة الماضية والفقر والندرة وقلة العمل وانعدام الأمن الغذائي الحاد هي من بين القضايا التي زادت من نزوح المواطنين إلى بلدان أخرى.
تغير المناخ
والأسوأ من ذلك أن تهديداً آخر يلوح في الأفق، ولا يقل خطورة عن الصراع، ولكنه تهديد لا يمكن حله بالسلاح؛ لقد أثر تغير المناخ على أفغانستان، ما أدى إلى إطالة أمد الجفاف واستنفاد موارد المياه المحدودة في البلاد. بين عامي 1950 و2010، ارتفعت درجة حرارة الهواء في أفغانستان بمعدل 1.8 درجة مئوية، أي حوالي ضعفي درجة الحرارة في بقية أنحاء العالم، وانخفضت كمية الأمطار في جميع أنحاء البلاد بنسبة 40%.
وفي عام 2018، وبينما استمر الاحتلال والحرب في أفغانستان، أدى الجفاف إلى نزوح نحو 370 ألف أفغاني، وهو ما يعادل عدد لاجئي الحرب في هذا البلد، ومع تفاقم تأثيرات تغير المناخ في السنوات المقبلة، فمن المرجح أن يستمر الانخفاض السكاني في أفغانستان؛ وسوف يتدفق الناس من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، هرباً من المجاعة وسيؤدي ذلك إلى زيادة هائلة في عدد السكان الفقراء في المناطق الحضرية.
العنف ضد النازحين داخليا
وفي الوقت نفسه، وردت تقارير عن أعمال عنف بين حركة طالبان والمشردين داخليا، ومن بين أمور أخرى، أكد المجلس النرويجي للاجئين أن طفلين توفيا العام الماضي أثناء تدمير مخيم مؤقت للنازحين داخليا في كابول على يد حركة طالبان، وورد أن طفلين، عمرهما 4 و15 عاماً، وقعا ضحية في المخيم المؤقت للمشردين داخلياً في كابول، وقالت هذه المنظمة إن حركة طالبان هاجمت المخيم المؤقت للنازحين بهدف تدمير المخيم واضطر سكان المخيم إلى الفرار، ومن غير المعروف كيف مات هذان الطفلان، لكن من تصوير الحادثة يتضح أنهما تعرضا للدهس على الأرجح.
المعاناة من الأزمة
أعلنت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن 6.5 ملايين طفل في أفغانستان، أو بعبارة أخرى، ما يقرب من ثلاثة من كل عشرة أطفال، سيواجهون مستويات طارئة من الجوع هذا العام، ووفقاً لهذه المنظمة، لعبت الآثار المباشرة للفيضانات، والآثار طويلة المدى للجفاف، وعودة المهاجرين من باكستان، دوراً في تشكيل هذا الوضع.
ومن ناحية أخرى، تشير تقديرات المنظمة العالمية لمراقبة الجوع إلى أن 28% من سكان أفغانستان، أو ما يقرب من 12.4 مليون شخص، سوف يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول، وتجدر الإشارة إلى أنه من بين هؤلاء، هناك 2.4 مليون شخص يعانون من مستويات جوع طارئة، وكانوا في السابق أقل من مستوى المجاعة، وعلى الرغم من أن هذه الإحصائية تمثل تحسنا طفيفا مقارنة بشهر أكتوبر 2023، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ماسة للتعاون لمكافحة الفقر في أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، صرح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أيضًا في منشور على الصفحة X أن 12.4 مليون شخص في أفغانستان يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وقالت هذه المؤسسة، من خلال نشر تقرير عن الوضع الإنساني في أفغانستان، إن ملايين الأشخاص في هذا البلد معرضون للخطر بسبب نقص الدعم المالي للمشاريع الإنسانية.
وحسب هذا التقرير، ففي عام 2023، تمكن موظفو المنظمات الإغاثية من مساعدة 32.1 مليون شخص في أفغانستان؛ لكن في عام 2024، لن يتمكنوا من مساعدة سوى 17.3 مليون شخص، وحتى شهر أغسطس من هذا العام، لم يتم دعم سوى 25% فقط من الاحتياجات الإنسانية وخطة الاستجابة في أفغانستان مالياً، وقال أوتشا: "مثل هذا التخفيض في الميزانية يمكن أن يكون له تأثير خطير على توفير المساعدات الحيوية والضرورية لشعب هذا البلد".