الوقت - في حدث أدبي بارز، منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري، كمال داود، جائزة غونكور، أحد أبرز المكافآت الأدبية في العالم الفرنكوفوني، عن روايته الجديدة "الحوريات".
تتناول الرواية فترة الحرب الأهلية في الجزائر، المعروفة بالعشرية السوداء، التي امتدت بين عامي 1992 و2002.
عرف الجمهور الأدبي في الجزائر كمال داود من خلال مقالاته النقدية اللاذعة التي نشرها في صحيفة "يومية وهران"، والتي جُمعت في كتاب لاحقًا بعنوان "رأينا رأيكم" (دار الغرب).
لكن مسيرته الأدبية لم تبدأ فعليًا إلا مع روايته "مورسو: تحقيق مضاد" التي صدرت عن "دار البرزخ" عام 2013، وترجمت لاحقًا إلى الفرنسية عبر "دار أكت سود" عام 2014.
في هذه الرواية، اقتفى داود أثر "الغريب" لألبير كامو، ما أثار تساؤلات منذ البداية حول التماهي الثقافي والسياسي في توجهه، وخاصة أن كامو نفسه شخصية جدلية تاريخيًا في الجزائر.
الإعلان عن فوز داود بجائزة غونكور لعام 2024 لم يمرّ بهدوء؛ فقد أثار في الوسط الأدبي الجزائري ردود فعل واسعة، انعكست عبر النقاشات والتغطيات الإعلامية التي تعدّت الجزائر وفرنسا إلى سياقات تاريخية وسياسية مرتبطة.
يعبر هذا الجدل عن انقسام واضح في الأوساط الثقافية الجزائرية، ليس فقط حول عمله الأدبي الأخير "حوريات"، بل أيضًا حول شخص داود وتوجهاته التي يعتبرها البعض "ميلاً لجلد الذات"، وكمال الجزائري الذي يحاول أن يكون "فرنسيا أكثر من الفرنسيين أنفسهم".
حيث قال الكاتب وأستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور ناصر جابي، في منشور له على منصة "فيسبوك": إنه "ليس شرطا أن توافق على كل ما يقوله كمال داود لكي تهنئه بالجائزة الأدبية.. مبروك"، في إشارة منه إلى عدم جدوى إثارة النقاش حول شخص كمال داود في مناسبة أدبية بحتة.
طرح جابي، لا يتفق حوله كثير من المثقفين والصحفيين والكتاب الجزائريين، الذين يشككون في كون حصول داود على الجائزة، تتويج أدبي بحت، وأشهر من وقف ضده، الكاتب الكبير رشيد بوجدرة، الذي قال عنه إنه "لا يكاد يذكر في عالم الكتابة الأدبية"، وإنه كاتب "يستجيب لمطالب الكيان الفرنسي.
كما قال عنه إنه "يظهر كرها شديدا لذاته ولشعبه ولغته الأم، حتى ترضى عنه وسائل الإعلام ودور النشر الفرنسية"، وقد أدرج بوجدرة هذا الموقف من داود في كتابه "زناة التاريخ"، الذي يرصد فيه ظاهرة الكتاب "الذين يصل بهم الأمر، إلى التعاطف مع الاستعمار، وهم ينبذون مجتمعاتهم".
ويقول الأديب والأكاديمي سعيد بوطاجين: "قبل الحصول على بعض الجوائز العربية والأوروبية، عليك أن تتخلى عن كثير من قناعاتك الفكرية والدينية والأيديولوجية والإنسانية والفنية، خضوعاً للوبيات، وعليك أيضاً أن تنقلب عن تاريخك وأمتك بالطريقة الٱتية: أن تسخر من لغة شعبك ورموزه، أن تشوّه العلماء والموروث والدين، وأن تعتبر أصحاب الحق إرهابيين".
في المقابل، منعت السلطات توزيعها في المكتبات الجزائرية، ومشاركتها في المعرض الدولي للكتاب، الذي انطلق في الجزائر، الأربعاء، "بسبب أنها لم تفرّق بين السلطة الحاكمة والجماعات المسلّحة في تسعينيات القرن العشرين، بل تعدّاه إلى قطاع واسع من النخبة المثقفة".
وكان أصدر زعيم "الصحوة الإسلامية" في الجزائر، عبد الفتاح حمادوش، فتوى طالب فيها الحكومة بإعدام الكاتب، ووصفه بأنه "مرتدّ ومنحرف، وناكر لدين الله ونبيه"، من خلال فقرات اجتزأها من الرواية، هي أصلاً عبارات وردت على ألسنة بعض شخوصها، ما دفع الكاتب كمال داود، إلى رفع شكوى لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، رافقتها توقيعات مساندة لقطاع واسع من المثقفين والنشطاء في الجزائر.
وبالحديث عن انتماء داود، جرى تذكيره بمبالغته في الاعتذار للصهاينة، منذ عملية "طوفان الأقصى" في الـ7 من أكتوبر 2023، فقد استعرض منتقدو داود في وجهه ورقة مقاله "رسالة لإسرائيلي مجهول" المنشور في مجلة "لوبوان" الفرنسية، حيث صوّر فيه "الإسرائيلي" على أنه هو الضحية وعن كونه من الشعب المختار الذي يدافع عن نفسه بعد عودته أخيرا إلى أرضه.
وفي المقال ذاته يقول داود: "أجد صعوبة في مشاهدة صور المدنيين الذين قُتلوا في غزة، وليس لأنني أريد قتلكم، أو لألومكم أو أقاتلكم، فقط لأنني أجد صعوبة في إيجاد صوت وطريق، لقد أدركت أخيرا بعد عقود، رغبتك، سيدي (الجندي الاسرائيلي)، في العيش والسكن في مكان بعد ثلاثة آلاف عام من الباب إلى الباب، في عالم من التمييز.. لقد استغرق الأمر مني وقتًا طويلاً حتى أتمكن من مقابلة شعبكم ومحاولة فهم تاريخكم، وأعتقد، وربما أخطئ، أنّنا لا نفهم في بلادنا غضبك من العيش بعد قرون من محاولات الإبادة، ولا نفهم شيئًا من معاناتك القديمة أو الثقل المروع للأرض التي تم استعادتها أخيرا".
وفي مقال بمجلة “لوبوان” اليمينية الفرنسية تحت عنوان “هزيمة القضية الفلسطينية”، كان كمال داود قد هاجم، المقاومة الفلسطينية بعد نجاحها في دك حصون الاحتلال الصهيوني، واعتبر ما قامت به حركة “حماس”، ممارسات تندرج في سياق تغذية “معاداة وكره اليهود”.
وإمعانا في الانخراط التام في الحملة الغربية الصهيونية التي تستهدف تشويه المقاومة الفلسطينية، تحدث كمال داود عن “أشرطة الفيديو هذه التي تظهر مدنيين مقيدين، ونساء مختطفات، وأطفالاً مسجونين، وكبار السن يتجولون مثل غنائم الحرب، يتم الترحيب بها الآن في الشارع العربي، ليس كحلقة من حلقات إنهاء الاستعمار، ولكن لتأكيد ولادة مسيحانية معادية لليهود”.
هكذا ردد كمال داود بكل سادية وعبثية عبارات لم يتأكد من صدقيتها، سبق وأن تراجع عنها سياسيون كبار في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، بعد ما خدعهم رئيس حكومة الكيان الغاصب، بنيامين نتنياهو بدعاية سواء.
والمثير أن كمال داود افتقد حتى إلى أبسط سمات الرجولة مفضلا تجاهل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، الذين قتلوا في غزة، تحت القصف الوحشي للآلة العسكرية الصهيونية الغاشمة.
وبدلاً من الانتصار للقضية الفلسطينية، كما هو متوقع من كاتب جزائري، شكك داود في نضالها ووصفه بممارسات تغذي "معاداة السامية"، وهو ما وصفه المنتقدون بانحياز واضح للرؤية الصهيونية.
وازدادت وتيرة الانتقادات الموجهة له بعد تكرار ظهوره في الإعلام الفرنسي المحسوب على اليمين المتطرف، الأمر الذي اعتبره النقاد عملاً يتجاوز المواقف الفردية ليصب في خدمة أجندة صهيونية عالمية، مناوئة للموقف الشعبي والرسمي الجزائري الداعم للقضية الفلسطينية، وهنا، يُطرح السؤال حول منح جائزة غونكور له: هل هو تكريم لعمله الأدبي أم تثمين لمواقفه المنسجمة مع التيارات اليمينية والصهيونية؟