الوقت- بينما أصبحت غزة خراباً في ظل جرائم الكيان الصهيوني الواسعة ولا يوجد مكان آمن في هذا القطاع، إلا أن قادة هذا الكيان غير راضين عن هذا الوضع البائس ويعتزمون تشديد الحصار دائرة تطويق الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، صادق البرلمان الصهيوني (الكنيست)، الإثنين، على مشروع قانون حظر أنشطة وكالة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأراضي المحتلة لهذا الكيان، ودفاعًا عن هذا القانون، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "يجب معاقبة موظفي الأونروا المتورطين في أنشطة "إرهابية" ضد إسرائيل"، وأعلنت وسائل إعلام عبرية أن القانون الجديد يتضمن حظرا على أنشطة الأونروا في القدس وغزة والضفة الغربية.
وبموجب مشروع القانون هذا، سيتم إلغاء اتفاقية عام 1967 التي سمحت للأونروا بالعمل في الأراضي المحتلة وسيتم إيقاف جميع أنشطة هذه الوكالة وسيتم حظر أي اتصال بين المسؤولين الصهاينة وموظفي الأونروا.
والغرض من هذا القانون هو "منع أي نشاط للأونروا في إسرائيل" وينص على أن "الأونروا لن تدير أي مكتب تمثيلي ولن تقدم أي خدمات ولن تنفذ أي أنشطة بشكل مباشر أو غير مباشر في إسرائيل".
ردود الفعل العالمية
وجاءت هذه الخطوة بعد أن وافقت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست في الـ 13 من تشرين الأول/أكتوبر على مشروع قانون لحظر الأونروا، ما مهد الطريق لإجراء تصويت ثان وثالث في قاعة الكنيست ليصبح قانونا، وهي خطوة أثارت غضب الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي.
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن إقرار قانون حظر الأونروا أمر غير مقبول وله عواقب وخيمة على اللاجئين الفلسطينيين، وقد أدانت الأونروا بشدة اعتماد هذا القانون.
وأكدت حركة حماس في بيان لها: "إننا ندين إقرار قانون حظر أنشطة وكالة الأونروا ونعلن معارضتنا له، ونعتبره جزءا من الحرب لتدمير القضية الفلسطينية".
كما أعربت الدول السبع وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى وكندا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية عن قلقها العميق إزاء الحظر المحتمل لأنشطة الأونروا وحذرت من أن هذه الوكالة تقدم الخدمات الإنسانية والأساسية لبقاء اللاجئين الفلسطينيين على قيد الحياة.
ورغم أن الولايات المتحدة شريك للمتشددين في تل أبيب، إلا أنها ردت ولو بشكل ظاهري، وأعلنت: "لقد قلنا لإسرائيل أننا نشعر بقلق عميق إزاء القانون المقترح لحظر الأونروا".
ما هي واجبات الأونروا؟
الأونروا، والتي تعني "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى"، هي منظمة أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1949 لتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من ديارهم بسبب الحرب طويلة الأمد.
وبعد حرب حزيران/يونيو 1967 واحتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وقطاع غزة، تم إنشاء عشرة مخيمات لإيواء موجة جديدة من اللاجئين، سواء كانوا لاجئين أو غير لاجئين، وأوكلت إدارتها إلى الأونروا.
ومن أهم أجزاء نشاط الأونروا هو توفير التعليم المجاني للاجئين الفلسطينيين، حيث وفرت في العقود القليلة الماضية العديد من فرص العمل لشباب هذه الفئة من خلال بناء المدارس في غزة والتدريس في مختلف المستويات، تشكل الأنشطة في قطاع الخدمات الصحية جزءا كبيرا من أنشطة الأونروا، وتشمل هذه الخدمات برامج الرعاية الأولية والتطعيم والوقاية من الأمراض.
إن هدف الأونروا من هذه التدابير هو تحسين مستوى الصحة العامة بين اللاجئين والحد من انتشار الأمراض في هذا المجتمع، وبالإضافة إلى المساعدات التعليمية والصحية، قامت الأونروا أيضًا بتخطيط برامج اجتماعية ونفسية للاجئين الفلسطينيين، وتقدم هذه البرامج بشكل خاص للأطفال والشباب الذين يتعرضون للصدمات النفسية الناجمة عن الحرب والنزوح.
وعلى الرغم من الصعوبات، فإن الأونروا تلعب دورا مهما للغاية في تحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين، وقد تمكنت هذه المنظمة من تحسين الظروف المعيشية للعديد من اللاجئين من خلال تقديم الخدمات المتنوعة.
إن مستقبل الأونروا يعتمد على حجم الدعم المالي والدولي، وإذا استمر هذا الدعم بصورة كافية، فيمكن للوكالة الاستمرار في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، ولكن إذا استمرت المشاكل المالية والسياسية، فقد تضطر الأونروا إلى تقليص بعض برامجها أو حتى إغلاق أنشطتها في بعض المناطق بشكل كامل.
دور الأونروا في حرب غزة
الأونروا التي مرت بأوقات عصيبة بسبب العيش في ظل الاحتلال طوال العقود الثمانية الماضية، بعد هجوم الجيش الصهيوني على غزة في الـ 7 من أكتوبر 2023، اعتبرت نفسها مسؤولة عن دعم حوالي 2.2 مليون شخص، بما في ذلك سكان غزة واللاجئين وغيرهم وسارعت للخدمة في المراكز الصحية والتزود بالطعام بكل ما أوتيت من قوة، وكان موظفو الأونروا يستلمون المساعدات الإنسانية التي ترسل إلى غزة بين الحين والآخر ويوزعونها على الأهالي رغم كل العوائق الإسرائيلية.
وتشير تقديرات الوكالة التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية محلية ودولية إلى أن مليوني فلسطيني أجبروا على ترك منازلهم نتيجة التهديدات الإسرائيلية، ولجأ معظمهم إلى المدارس والمخيمات التابعة للأونروا.
ويعتمد جميع سكان غزة على المساعدات الأجنبية للبقاء على قيد الحياة في ظل غياب القدرة على إنتاج أو استيراد الغذاء، لكن المساعدات الإنسانية وحدها لا تستطيع تلبية احتياجات الناس الأساسية.
ورغم أن الأمم المتحدة ووكالات المعونة الدولية والمنظمات غير الحكومية تمكنت من تقديم مساعدات إنسانية محدودة على الرغم من الظروف الصعبة للغاية، فإن هذه المبالغ أقل بكثير مما هو مطلوب لمنع المزيج المميت من الجوع وسوء التغذية والمرض ونقص الغذاء والمياه ونقص المساعدات الصحية والطبية المنتشرة على نطاق واسع في المناطق الشمالية.
لقد ساعدت الأونروا في رسم صورة واقعية للوضع الإنساني المتردي في غزة، نظرا للصعوبات الناجمة عن إغلاق المعابر والتفتيش متعدد الخطوات للشاحنات التي تحمل المواد الإنسانية.
وبالنظر إلى أن الأونروا كانت أكبر منظمة مساعدات في حرب غزة، فإن الصهاينة يعتبرونها عقبة أمام خططهم لإعادة توطين الفلسطينيين، ولهذا السبب، منذ الأيام الأولى للحرب، بالإضافة إلى قتل الفلسطينيين، لم يسلم موظفو هذه المنظمة من جرائمهم.
وأعلنت الأونروا قبل أسبوعين أنه خلال العام الماضي من حرب غزة، قُتل 231 من موظفيها على يد الصهاينة، وهي إحصائية لم يسبق لها مثيل من قبل، حتى أن "إسرائيل" سجنت عددًا من موظفي الأونروا بتهمة التعاون مع حماس، وفي نظر نتنياهو وأصدقائه تعتبر الأونروا منظمة إرهابية جعلت الأراضي المحتلة غير آمنة.
وبالإضافة إلى ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بتدمير المدارس والمراكز الطبية والمخيمات التابعة للأونروا، وأعلنت الأونروا الأسبوع الماضي أن أكثر من 70% من مدارس هذه المنظمة في هذه المنطقة تعرضت للقصف والتدمير أو لأضرار جسيمة على يد الجيش الصهيوني.
وعلى الرغم من أنها أماكن محظور مهاجمتها بناء على قوانين الحرب، لكن الصهاينة دمروا هذه المراكز التي أصبحت ملاجئ مؤقتة للاجئين في هذه الأيام الصعبة، بغض النظر عن المبادئ الإنسانية.
أهداف تل أبيب من حظر الأونروا
وكانت العلاقات بين الأونروا والكيان الصهيوني متوترة لفترة طويلة، ولكنها ساءت منذ بداية الحرب في غزة، وطالبت "إسرائيل" مرارا وتكرارا بحل الأونروا ونقل مهامها إلى وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، ولكن دون جدوى.
تعمل حكومة نتنياهو المتشددة، التي تصر على احتلال شمال غزة والتخلص من فصائل المقاومة في هذه المنطقة إلى الأبد، على إزالة أي عقبة تقف في وجه سياساتها العدوانية.
موظفو الأونروا الذين يراقبون جرائم الصهاينة في غزة ويحذرون كل يوم أنه يجب على العالم أن يوقف آلة القتل الإسرائيلية، في ظل غياب وسائل الإعلام الأجنبية، كانوا أفضل رواة لقصة الإبادة الجماعية الفلسطينية على يد كيان الاحتلال، وبالتالي فإن حكومة نتنياهو ولإبقاء جرائمها مخفية في الأراضي المحتلة وحتى لا تتسرب إلى الخارج، تعتبر الأونروا عائقا كبيرا أمام مشاريع الاحتلال.
ويسعى الجيش الإسرائيلي حاليا إلى تنفيذ "خطة الجنرالات" واحتلال شمال غزة، ولا يزال نحو 400 ألف فلسطيني يعيشون في هذه المنطقة، رغم تحذيرات الجيش الصهيوني بالإخلاء، متواجدين في المدارس والمخيمات التابعة لوكالة الأونروا ولا نية لديهم للمغادرة على الإطلاق، ولذلك، ينوي نتنياهو الضغط على الفلسطينيين لمغادرة المنطقة في أسرع وقت ممكن من خلال حظر أنشطة الأونروا وقطع وسيلة المساعدات الوحيدة لسكان الشمال، لأن خطة بناء مستوطنات جديدة في المناطق الشمالية من غزة يتم تنفيذها بجدية من قبل المتطرفين، ويشكل السكان الفلسطينيون والأونروا عقبة أمام هذه الخطة الخطيرة.
ومع توقف أنشطة الأونروا، فإن خطر المجاعة الشديدة يتربص بالفلسطينيين، وفي الوضع الذي تواجه فيه غزة كارثة إنسانية، فإن وجود الأونروا يمكن أن يخفف من معاناة الفلسطينيين إلى حد ما، لكن الصهاينة لا يقبلون المساعدات المحدودة للشعب الفلسطيني ويريدون سد هذه النافذة الضيقة.
ومن خلال تشديد الحصار وتجويع سكان غزة، يحاول الكيان الصهيوني طردهم من الأراضي المحتلة وتمهيد الطريق للتنمية الإقليمية، وهذا الهدف سيتحقق عاجلاً من خلال حظر أنشطة الأونروا.
وبالنظر إلى أن الأمم المتحدة وأمينها العام وجهوا انتقادات شديدة لجرائم تل أبيب في غزة في العام الماضي، ولهذا السبب يعتبر حظر أنشطة الأونروا شكلاً من أشكال التشهير بهذه المنظمة الدولية لأن الكيان الصهيوني ليس له صوت معارض في تنفيذ برامجه الاحتلالية التي لا تتسامح معها الأمم المتحدة.
بهذا الإجراء، تكون "إسرائيل" قد أشهرت السيف عمليًا في وجه المجتمع الدولي، وأرسلت لهم رسالة مفادها بأنهم لا يستطيعون وقف قتل الفلسطينيين، وكلما زاد الضغط الدولي على هذا الكيان، ستشتد الجريمة أيضًا ضد الفلسطينيين.