الوقت - في حوارٍ إلكتروني، صرَّح البروفيسور جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، بخصوص التصعيد المتنامي بين تل أبيب وطهران قائلاً: "لقد أعلنت القيادة الإيرانية بكل وضوح عن عزمها على الرد الحاسم على العدوان الإسرائيلي، إنهم لن يتراجعوا قيد أنملة عن موقفهم هذا، وما نشهده الآن هو تصاعد خطير في وتيرة المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني، دون أي مؤشرات تُذكَر على قدرة "إسرائيل" في السيطرة على مسار هذا التصعيد المتسارع".
وأردف قائلاً: "إذا ما تمعَّنا في المآلات المحتملة لهذا المسار التصعيدي، سنجد أن نهايته الحتمية ستكون امتلاك إيران للقدرات النووية، وهو ما يُشكِّل كابوساً حقيقياً لـ"إسرائيل"، فالقادة الإسرائيليون قد فقدوا زمام المبادرة في إدارة دفة الصراع، وباتوا عاجزين عن إلحاق هزيمة استراتيجية بإيران، ناهيك عن عجزهم الواضح في تحقيق أي نصرٍ حاسم ضد حزب الله وحركة حماس".
واستطرد ميرشايمر: "إن نظرةً فاحصةً إلى عمق المجتمع الإسرائيلي، تكشف عن إنهاكٍ شديد في بُناه الأساسية، وجيشٍ مُنهَك ومُستنزَف، إنهم يواجهون أزمةً معنويةً غير مسبوقة، وصعوبات جمَّة في تعبئة قواهم البشرية للخدمة العسكرية عند إعلان حالة الطوارئ، نحن إزاء كيانٍ يتخبط في مستنقعٍ وجودي، رغم محاولات التعتيم الإعلامي الغربي على هذه الحقائق الدامغة".
وأضاف: "يتمسك القادة الإسرائيليون بوهمٍ خطير، مفاده قدرتهم على حل معضلاتهم المتفاقمة بالقوة العسكرية المفرطة، يكمن جوهر هذا الوهم في اعتقادهم بأن تفوقهم العسكري التاريخي لا يزال قائماً، في حين أنه قد تآكل بشكلٍ كبير، في مطلع حياتي المهنية، شهدنا انتصارات إسرائيلية في حروبٍ تقليدية ضد مصر وسوريا، كمعارك الدبابات في صحراء سيناء، والمواجهات في مرتفعات الجولان، والمعارك الجوية الضارية، لكن هذا الزمن قد ولَّى دون رجعة".
ومضی قائلاً: "غير أن المشهد الجيوسياسي قد شهد تحولاً جذرياً، إذ أضحى خصوم "إسرائيل" يمتلكون ترسانةً صاروخيةً هائلةً، بينما تفتقر تل أبيب إلى منظومة دفاعية كقوة لمجابهة هذا التهديد المتعاظم، ولنتأمل في الخطر الماثل من حزب الله، حيث يتمحور الحديث حول قدراته الصاروخية المتنامية، وإذا ما وجّهنا أنظارنا صوب إيران، فإن القضية تتمحور حول الصواريخ الباليستية ذات القدرات المتطورة، والحقيقة الجلية هي أن إسرائيل تعاني من قصور استراتيجي في مواجهة المنظومة الصاروخية الإيرانية، التي تشهد تطوراً متسارعاً مع مرور الوقت".
وتابع: "كما نشهد أن الحوثيين(أنصار الله) في اليمن يقومون بين الفينة والأخرى بإطلاق صواريخ باليستية وكروز وطائرات مسيرة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ما يضيف بُعداً جديداً للتهديدات المحدقة بالكيان الصهيوني، ومع تقدم الزمن، من المتوقع أن تتعاظم القدرات الصاروخية للحوثيين(أنصار الله) بشكل ملحوظ".
وأکد ميرشايمر: "إن المحور المناوئ لإسرائيل، والذي يضمّ حماس وحزب الله وإيران والحوثيين(أنصار الله)، يمتلك ترسانةً ضخمةً من الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة، وبفضل التكنولوجيا المتقدمة التي يقومون بتطويرها ونشرها، أصبح بمقدورهم تحديد الأهداف الاستراتيجية واستهدافها بدقة متناهية.
وفي المقابل، تسعى "إسرائيل" جاهدةً لتعزيز منظومة القبة الحديدية، إلا أن فعالية هذه المنظومة الدفاعية تظلّ محدودةً في مواجهة الصواريخ المتطورة، فعند تحليل معادلة توازن القوى بين الدفاع والهجوم، نجد أن الصواريخ الباليستية تتفوق بشكل حاسم على الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ".
وفي هذا السياق، أدلى البروفيسور جون ميرشايمر بتصريحات جديرة بالاهتمام قبل بضعة أشهر، حيث قال: إن إسرائيل تواجه مأزقاً استراتيجياً بالغ الخطورة، وكلما استشرفنا المستقبل، نجد أن التحديات التي تواجهها تزداد تعقيداً وتشعباً.
من الجلي أن الإسرائيليين باتوا في أمس الحاجة إلى الدعم الأمريكي الحاسم، فالتطور النوعي في القدرات الصاروخية لدى القوى المعادية في الشرق الأوسط، قد غيّر قواعد اللعبة بشكل جذري، تواجه "إسرائيل" الآن معضلات استراتيجية عميقة، والأخطر من ذلك أنها تفتقر إلى رؤية واضحة للخروج من هذا المأزق، فبالإضافة إلى التحديات الخارجية المتصاعدة، فإنها تعاني أيضاً من اضطرابات داخلية تهدّد تماسكها الاجتماعي والسياسي.