الوقت - في خطوة دبلوماسية بارزة، اختار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العراق كوجهة أولى لزياراته الخارجية الرسمية، مُدشنًا بذلك عهدًا جديدًا في العلاقات الخارجية للحكومة الإيرانية الرابعة عشرة، وهذا الاختيار يعكس بجلاء الأهمية القصوى التي توليها طهران لتوطيد أواصر التعاون مع جيرانها، وعلى رأسهم العراق.
امتدت الزيارة على مدار ثلاثة أيام حافلة، حيث سعت إلى ترسيخ وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، متماشيةً مع الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية الإيرانية، التي تضع علاقات الجوار في صدارة أولوياتها، وكعادة اللقاءات الثنائية في الآونة الأخيرة، تصدرت القضايا الاقتصادية والتجارية، جدول أعمال المباحثات رفيعة المستوى بين الوفد الإيراني ونظرائهم العراقيين.
يتطلع البلدان بطموح إلى تحقيق هدف استثنائي، يتمثل في رفع سقف التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنويًا في المستقبل القريب، وقد نجح العراق، بسوقه الضخمة التي تُقدّر قيمتها بـ 150 مليار دولار، في تبوؤ مركز الصدارة كأهم وجهة للصادرات الإيرانية.
وفي هذا السياق، كشف السيد داوود كودرزي، المختص بالشأن العراقي في منظمة تنمية التجارة الإيرانية، عن أرقام مبهرة، فقد تجاوزت قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق حاجز الـ 12 مليار دولار في عام 2023، ما رفع حصة هذا البلد من إجمالي الصادرات الإيرانية إلى نسبة 21% - وهو إنجاز يعكس عمق العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين.
وفي خضم التحولات الاستراتيجية الراهنة، وبالنظر إلى الرؤى التنموية الطموحة التي رسمتها بغداد في وثائقها الاستراتيجية العليا، يتجلى سعيٌ حثيث نحو تنويع الاقتصاد العراقي وتحريره من قيود الاعتماد المفرط على العوائد النفطية، ويستدعي هذا التوجه الجديد إعادة صياغة جذرية للنظرة تجاه العراق، بحيث يتجاوز كونه مجرد سوق استهلاكية للسلع والخدمات، ليرتقي إلى مصاف الشريك الاقتصادي الاستراتيجي.
ويبدو جليًا أن هذا المفهوم المتطور، قد حظي باهتمام بالغ من قِبَل القيادة العليا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما تجسّد بوضوح في الزيارة غير المسبوقة التي قام بها الرئيس بزشكيان إلى محافظة البصرة، معقل الثروات النفطية والبوابة البحرية للعراق.
ربط ميناء الفاو بتركيا
منذ ما يناهز العقد من الزمان، وضع صناع القرار العراقيون نصب أعينهم مشروعًا عملاقًا للنقل العابر، أُطلق عليه اسم "طريق التنمية"، هذا المشروع الطموح، الذي يمثّل حجر الزاوية في استراتيجية التنمية الاقتصادية الشاملة، يهدف إلى تحويل العراق إلى جسر بري حيوي يربط بين ضفتي الخليج الفارسي وأوروبا، مرورًا بالأراضي التركية، ناسجًا بذلك شبكةً لوجستيةً فائقة الأهمية لنقل البضائع والمسافرين.
يجسّد العراق حالةً فريدةً من المفارقات الجيوسياسية؛ فمن ناحية، يتربع على موقع استراتيجي لا مثيل له، يشكّل نقطة التقاء محورية بين قارات آسيا وأوروبا، ويربط بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ناحية أخرى، لم يتمكن بعد - بسبب تحديات التنمية المتراكمة - من الارتقاء إلى مستوى الدور اللوجستي المحوري الذي يؤهله له موقعه الاستثنائي.
إن أحد الأسباب الجوهرية وراء هذه الفجوة الاستراتيجية، يكمن في الافتقار التاريخي للاهتمام بتطوير المنظومة البحرية، نتيجة محدودية السواحل العراقية، ما أدى إلى قصور ملحوظ في تطوير شبكة الموانئ على مر العقود، بيد أن العقد المنصرم شهد تحولًا جذريًا في هذا المضمار، حيث انبرى العراق لمعالجة هذا القصور الاستراتيجي، مع تركيز استثنائي على ضخ استثمارات هائلة في مشروع ميناء الفاو العملاق بمحافظة البصرة.
يُعدّ مشروع ميناء الفاو الاستراتيجي، الذي يتطلع إليه العراق كصرح بحري عملاق في منطقة غرب آسيا، منارة أمل للنهضة الاقتصادية والتجارية، إذ يُرتقب أن يستقطب هذا المرفأ العصري ما يناهز 36 مليون طن من الحمولات الحاوية، فضلاً عن 22 مليون طن من البضائع المتنوعة، ومن شأن هذا المشروع الطموح أن يُحدث نقلةً نوعيةً في القدرات البحرية للعراق، مع إسهامه الجوهري في تنويع مصادر الدخل القومي، وتخفيف وطأة الضغوط المتراكمة على الاقتصاد العراقي المتأرجح.
في الوقت الراهن، تعتمد الصادرات النفطية العراقية ومشتقاتها بشكل رئيسي على محطتي ميناء خور العمية وأم قصر، غير أن هذه المنافذ البحرية لم تعد كافيةً لتلبية الطلب المتنامي على تصدير النفط واستيراد السلع، أما الموانئ الثانوية كميناء البصرة وأبو فلوس، فقدراتها محدودة على استقبال الشحنات الضخمة، علاوةً على ذلك، تعاني جميع الموانئ الحالية من قصور في العمق الملاحي وافتقار للتجهيزات المتطورة كالرافعات الجسرية، ما يحول دون استقبال السفن العملاقة.
مشروع قيد الإعداد منذ فترة طويلة
تعود جذور الرؤية التطويرية للقطاع البحري العراقي إلى عام 1919، حينما باشرت القوات البريطانية دراسة جدوى "مشروع الفاو الكبير" وأهميته الاستراتيجية، غير أن هذه المساعي توقفت في أعقاب اندلاع الثورة العراقية ضد الاحتلال البريطاني عام 1920، وفي عام 1968، تجددت الآمال ببناء ميناء ضخم في منطقة البيشة، إلا أن تقلبات المشهد السياسي وشُح الموارد المالية حالت دون تحقيق هذا الحلم آنذاك.
وفي عام 1997، استأنفت وزارة النقل العراقية مساعيها الحثيثة، مُجريةً دراسةً مستفيضةً حول الجدوى الاقتصادية والمزايا الاستراتيجية لهذا المشروع العملاق، وقد وصل طموح العراق آنذاك إلى حد الشروع في مفاوضات جادة مع شركات روسية رائدة، إلا أن تعقيدات المشهد الاقتصادي والسياسي حالت دون تحقيق هذا الحلم الوطني في ذلك الحين.
ومنذ عام 2003، شهدت أروقة الحكومات العراقية المتعاقبة زخمًا ملحوظًا من الدراسات والمؤتمرات، الرامية إلى النهوض بالقطاع المينائي، وفي هذا السياق، بادرت الشركة العامة للموانئ العراقية - الجهة المنوط بها إدارة وتشغيل المرافئ الوطنية - إلى تشكيل لجنة متخصصة في عام 2005، وكُلفت هذه اللجنة بمهمة استكشاف إمكانية إجراء دراسة معمقة حول العوائد الاقتصادية لمشروع الفاو الكبير، وإنشاء منطقة حرة، غير أن نتائج هذه المساعي البحثية ظلت حبيسة الأدراج.
وفي عام 2010، أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي، عن انطلاق مشروع ميناء الفاو الكبير، بكل ما يحمله من آمال وتطلعات، إلا أن اضطرابات الوضع الأمني والأعباء المالية الباهظة الناجمة عن الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، ألقت بظلالها الثقيلة على المشروع، وهكذا، فإن هذا الصرح الاقتصادي الذي بدأت خطواته الأولى في عام 2013، ظلّ يراوح مكانه دون تقدم ملموس حتى عام 2019.
شهدت فترة رئاسة مصطفى الكاظمي للوزراء نقلةً نوعيةً، إذ أبرمت وزارة النقل العراقية عقدًا ضخمًا بقيمة 2.625 مليار دولار مع شركة "دايو" الكورية الجنوبية العملاقة، يهدف هذا العقد إلى تنفيذ المشروع على خمس مراحل متكاملة، مع توقعات بإنجاز المرحلة الأولى بحلول عام 2025، لاحقًا، وفي ظل حكومة محمد شياع السوداني، تم الإعلان عن مراجعة قيمة العقد لتصل إلى 5 مليارات دولار، ما يعكس حجم الطموحات المتنامية للمشروع.
ورغم التحديات المالية الهائلة، حيث تتوقع الشركة العامة للموانئ العراقية أن تصل التكلفة الإجمالية لمشروع "طريق التنمية" إلى نحو 17 مليار دولار أمريكي، إلا أن التفاؤل يسود الأوساط الاقتصادية، فالتوقعات تشير إلى أن الإيرادات المرتقبة من مشروع الفاو الكبير، ستصل بحلول عام 2038 إلى ما يقارب 6 تريليونات دينار عراقي (أي ما يعادل 4 مليارات دولار تقريبًا)، وهذه الأرقام الواعدة تبشّر بنقلة نوعية في هيكل الإيرادات غير النفطية للعراق، ما يفتح آفاقًا رحبةً لتنويع الاقتصاد الوطني.
في ضوء قانون الموازنة المقرّ عام 2023، والمزمع تطبيقه على مدار ثلاث سنوات، تم تقدير العائدات النفطية بما يقارب 90 مليار دولار أمريكي، بينما لم تتجاوز حصة الإيرادات غير النفطية سوى 13 مليار دولار من هذا المبلغ الإجمالي.
وعلى الرغم من ذلك، يجري تشييد هذا الصرح البحري الضخم على رقعة تمتد لـ 54 كيلومترًا مربعًا، مستوعبًا 90 رصيفًا بطول إجمالي يناهز 14523 كيلومترًا، وقد تم تتويج هذا الإنجاز الهندسي بتسجيله في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأطول حاجز أمواج في العالم.
وفي محيط هذا الميناء العملاق، تتسارع وتيرة العمل لإنشاء منطقتين صناعيتين، إلى جانب مشاريع سكنية ومرافق سياحية وترفيهية متكاملة،زويتضمن هذا المشروع الطموح خطةً متطورةً لإنجاز أحد أكبر الأنفاق تحت البحر على مستوى العالم، بطول يصل إلى 2444 مترًا، ليمتد إلى ميناء أم قصر الضحل، كما سيتم إنشاء شبكة طرق مواصلات حديثة، لتعزيز الترابط بين البصرة وسائر أرجاء العراق.
ووفقًا لما أوردته وكالة رويترز، فقد أتمّ العراق في فبراير المنصرم ما يقارب 60% من أعمال هذا النفق تحت البحر، ومع تنفيذ هذه المشاريع الاستراتيجية، تتطلع الحكومة العراقية إلى إحداث تحول إيجابي جذري في المشهد الاقتصادي والاجتماعي لمحافظة البصرة، التي طالما عُرفت بأنها بؤرة الفساد في العراق.
وعلى الرغم من مكانتها كبوابة رئيسية لدخول البضائع إلى البلاد، ولكونها المصدر الأساسي لتمويل الميزانية العراقية عبر قطاع النفط، إلا أن محافظة البصرة لا تزال تُصنّف ضمن أفقر المحافظات في العراق، حيث يرزح قطاع عريض من سكانها تحت وطأة البطالة، وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين العراقيين إلى أن معدل البطالة في هذه المحافظة، قد بلغ في عام 2018 ما بين 20 إلى 25% بين إجمالي السكان البالغين، مع ارتفاع هذه النسبة لتصل إلى حوالي 30% بين فئة الشباب.
لکن المنعطف الحاسم الأول في مسار تنفيذ هذا الاتفاق الاستراتيجي، تجلى في حادثة مأساوية وقعت في خضم الجدل المحتدم بين الشركة المتعاقدة والحكومة العراقية حول الأبعاد الهندسية والتكلفة الإجمالية للميناء، ففي عام 2020، هزت الأوساط الاقتصادية والسياسية واقعة انتحار (أو القتل، حسب بعض التقارير) أحد كبار المديرين التنفيذيين في شركة "دايو للهندسة والإنشاءات".
وتكشف المعطيات أن العرض المالي المقدّم من شركة دايو لمشروع الفاو العملاق، كان يفوق في تكلفته العروض المنافسة من الشركات الصينية، علاوةً على ذلك، أثارت بعض القوى السياسية العراقية مخاوف من تعارض هذا المشروع مع المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والتنموية للبلاد، مشيرةً إلى تضاربه المحتمل مع مبادرة "طريق الحرير" الصينية الطموحة.
غير أن تولي حكومة السوداني مقاليد السلطة، أعاد تسليط الضوء على مشروع تطوير ميناء الفاو، حيث حظي بمكانة محورية في أجندة التنمية الوطنية، وبات يُعرف بـ "مشروع مستقبل العراق".
وفي مطلع عام 2023، زفّ المسؤولون العراقيون بشائر التقدم، معلنين عن إنجاز 40% من "مشروع الأرصفة الخمسة" في ميناء الفاو، مع تسارع وتيرة العمل في المشاريع المكملة الأخرى.
ومن الجدير بالذكر أن العراق، بالتوازي مع جهوده لتطوير ميناء الفاو - الذي يُعدّ المنفذ البحري العميق الوحيد للبلاد - يستكشف بجدية إمكانية إنشاء محور نقل متكامل يجمع بين السكك الحديدية والطرق البرية، وهذا المشروع الطموح، المعروف باسم "القناة الجافة" أو شبكة السكك الحديدية الكهربائية، يمتدّ لمسافة 1200 كيلومتر، ويهدف إلى ربط ميناء الفاو بتركيا، ومن ثم بشبكة السكك الحديدية الأوروبية.
وفي التاسع والعشرين من شهر مايو لعام 2024، أدلى فرحان الفرطوسي، المدير العام لشركة الموانئ العراقية، بتصريحات ذات أهمية بالغة حول مشروع ميناء الفاو الكبير، حيث أكد على المكانة المحورية لهذا الصرح البحري العملاق، مشدداً على كونه حجر الزاوية في مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي، هذا المشروع الطموح، الذي يُعدّ الميناء جزءاً لا يتجزأ منه، يمتد كشريان حيوي عبر محافظات الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، ليصل إلى الحدود التركية.
وكشف الفرطوسي عن أن جوهر مشروع "طريق التنمية" يتمثل في تحالف تجاري رباعي الأبعاد، يجمع بين العراق وتركيا والإمارات وقطر، وأضاف إن هذا المشروع الرائد، الذي يهدف إلى الربط بين الخليج الفارسي والبحر المتوسط وأوروبا والقوقاز، سيكون بمثابة محفز اقتصادي قوي، يعود بالنفع ليس فقط على الدول المشاركة، بل يمتدّ تأثيره الإيجابي ليشمل الدول غير المشاركة في المنطقة أيضاً.
الفرصة التي يشکلها ميناء الفاو لإيران
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشركات التركية تضطلع بدور فعال في عملية تشييد هذا الميناء الاستراتيجي، الذي من المتوقع أن يلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للطاقة والتجارة في المنطقة.
وفي تطور لافت، كشفت وكالة الأنباء العراقية الرسمية في أبريل 2024، عن إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، توصل بغداد إلى اتفاق مع مجموعة موانئ أبوظبي للإدارة المشتركة لميناء الفاو.
يتطلع العراق إلى أن يُفضي هذا النفق الاستراتيجي إلى إرساء ممر لوجستي فائق الكفاءة، يربط بين الشرق الأوسط وأوروبا بمسافات أقصر وزمن أقل، ومن شأن هذا المشروع الحيوي أن يُعزز بشكل ملحوظ العوائد المالية المتدفقة من حركة التجارة والشحن الدولي.
إن تدشين ميناء الفاو الكبير، مقرونًا بإطلاق طريق التنمية، سيُفضي حتمًا إلى ميلاد محور تجاري جديد، يُرتقب أن يضطلع بدور المنافس القوي، بل ربما البديل الأمثل، لمسار البحر الأحمر - قناة السويس، ويعزى ذلك إلى قدرته الفائقة على تقليص الفترة الزمنية اللازمة لنقل البضائع بين الصين وأوروبا، بما يتراوح بين 20 إلى 25 يومًا، علاوةً على ذلك، فإن هذه القناة، بفضل عمقها الذي يفوق نظيرتها السويسية، ستتمتع بالقدرة على استيعاب سفن شحن ذات حمولات ضخمة، ما يعزز من كفاءتها وقدرتها التنافسية.
وعلى الصعيد الآخر، وبالنظر إلى أن العراق لا يقع مباشرةً على مسار ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا (IMEC)، الذي تم الإعلان عنه خلال قمة مجموعة العشرين، فإن بغداد تتطلع إلى إدماج وتكامل مشروعها الطموح "طريق التنمية" مع المبادرة الصينية العملاقة "الحزام والطريق".
وفي ظل المشهد الجيوسياسي الراهن، يبدو أن انقطاع المسار الروسي-الأوكراني - ذلك العمود الفقري للممر الشمالي في مبادرة "الحزام والطريق" - مقرونًا بحالة الاضطراب التي تعصف بالممر الأوسط في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، قد دفع بالصين نحو استكشاف مسالك آمنة جديدة عبر بوابة الخليج الفارسي، وقد أشعل هذا التحول الاستراتيجي فتيل منافسة محتدمة بين القوى الإقليمية، كل يسعى لاقتناص النصيب الأوفر من هذا المشروع العملاق.
في هذا الخضم، انتهجت إيران على مدار السنوات المنصرمة استراتيجيةً دؤوبةً لاستثمار موقعها الجيوسياسي الفريد، ساعيةً لترسيخ مكانتها كمحور ارتكاز في شبكة الممرات العابرة من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.
وفي قلب هذه الديناميكية المتسارعة، يتطلع العراق إلى إنجاز مشروع السكة الحديدية الرابط بين البصرة والشلامجة، بطول يناهز 30 كيلومترًا، ليشكّل جسرًا حيويًا يربط إيران بممره الجنوبي-الشمالي وميناء الفاو الاستراتيجي، ومن هذا المنطلق، ينظر العراقيون إلى الممر الإيراني الشرقي-الغربي، كعنصر تكاملي لا غنى عنه في منظومة مشروع الفاو-جيهان، وعليه، فإن مشروع ميناء الفاو، يُنظر إليه كرافعة استراتيجية من شأنها تعظيم القيمة الاستراتيجية لمشروع الميناء الإيراني العملاق في تشابهار.
إن تشييد شبكة سكك حديدية متطورة وواسعة النطاق، من شأنه أن يُرسي جسرًا لوجستيًا فائق الأهمية، يربط أقصى الشرق وعمق آسيا بالقارة الأوروبية، مرورًا بالبوابتين الإيرانية والعراقية.
وفي سياق متصل، إذا ما أبدى العراق موافقته على مدّ ممر الطريق البري وخط السكة الحديدية من البصرة وصولًا إلى الحدود السورية، فإن ذلك سيفتح آفاقًا رحبةً لربط الشبكة الحديدية الإيرانية بموانئ البحر المتوسط في سوريا ولبنان، ما يُشكل نقلةً نوعيةً في مشهد التجارة والنقل الإقليمي.