الوقت- خلال رحلة إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي والرياض، ناقش رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ وتبادل الآراء مع رئيسي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حول آخر تطورات العلاقات الثنائية، وكان رئيس الوزراء الصيني، الذي يشار إليه بالرجل الثاني في بكين والذي يتمتع بمكانة رفيعة وفقا للنظام السياسي الصيني، قد وصل أولا إلى أبوظبي، ولا يخفى على أحد أن الإمارات هي أهم شريك تجاري للصين بين الدول العربية، وأهم دليل على هذا الادعاء هو حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وبلغ حجم التجارة بين الصين والإمارات عام 2022 81 مليار دولار، وهو الرقم الأعلى بين الدول العربية، ويبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في القطاعات الاقتصادية الصينية مثل الاتصالات والبنية التحتية والسياحة 12 مليار دولار، وفي المقابل يبلغ حجم الاستثمارات الصينية في الإمارات 7.7 مليارات دولار، جزء مهم منها في بورصة دبي ومركز العاصمة العالمية في أبوظبي.
وجرت زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى أبو ظبي، بينما ذهب رئيس الإمارات محمد بن زايد قبل شهرين في زيارة رسمية إلى بكين، وكما أشار في تغريدة، فإن الغرض من تلك الرحلة هو التفاوض للانتهاء من الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين وكتب بن زايد على قناة إكس (تويتر): يسعدني أن ألتقي برئيس الوزراء الصيني في أبوظبي لبحث الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية الشاملة... تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق الازدهار والتنمية للدولتين في اتجاه 40 عامًا من العلاقات العميقة.
أما الجزء الثاني من زيارة رئيس الوزراء الصيني فكان إلى الرياض، وفي السعودية التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وناقشا وتبادلا وجهات النظر حول تطوير العلاقات مع هذا البلد، وحسب تقرير "واس" وكالة الأنباء السعودية الرسمية، انعقدت اللجنة المشتركة الرابعة للعلاقات بين البلدين، مع التركيز على تعزيز العلاقات في المجالات السياسية والعسكرية والطاقة والتجارة والاستثمار والثقافة والتكنولوجيا، وهي من المحاور التي تمت مناقشتها في اللجنة الاستراتيجية المشتركة بين السعودية والصين، وتعد الصين العميل الأول لمنتجات النفط والبتروكيماويات السعودية، وخلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بلغ إجمالي الواردات الصينية من هذا الشريك التجاري المهم 24 مليار دولار.
تناولت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية روايتين رئيسيتين بشأن الزيارة المهمة لرئيس الوزراء الصيني؛ تتعلق الرواية الأولى بعلاقات الصين الاقتصادية العميقة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وقد أفاد البعض بأن السعي للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة كان محور المشاورات الثنائية في أبو ظبي والرياض.
وفي تقرير يشير إلى هذه الرحلة، زعمت صحيفة "العرب" اللندنية أن الطريق المسدود الذي وصلت إليه مفاوضات التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والصين، التي عقد اجتماعها الأخير في بكين الشهر الماضي، كان السبب الرئيسي وراء رحلة لي تشيانغ إلى المنطقة.
وحسب هذا التقرير، يعتقد الجانب السعودي أن إبرام اتفاقية التجارة الحرة للكتلة الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي مع الصين يضر بالصناعات المحلية للمملكة العربية السعودية، وتماشياً مع خطة 2030، تتطلع المملكة العربية السعودية إلى الاستثمار في القطاعات الصناعية مثل السيارات الكهربائية، حيث تعتزم المملكة العربية السعودية أن تصبح منتجًا للسيارات الكهربائية من خلال استيعاب التكنولوجيا الغربية واستخدام القوى العاملة الرخيصة في الدول الآسيوية، هناك تقييم في الرياض بأن إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الصين، التي تعد مالكة الشركات العملاقة في إنتاج السيارات الكهربائية، يضر بالصناعات الناشئة في المملكة العربية السعودية، وبالطبع، هذا ليس الجزء الوحيد من صناعات المملكة العربية السعودية الناشئة التي لا يمكنها منافسة العملاق الصناعي الصيني.
وبغض النظر عن الجانب الاقتصادي، يحلل البعض الآخر رحلة لي شيانغ فيما يتعلق بالتطورات الجيوسياسية ويعتقدون أن بكين تسعى إلى تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الدول الخليج الفارسي النفطية لكي يصبحوا حلفاء أقوياء في العالم العربي في حالة فوز ترامب وانتخابات الرئاسة الذي يسعى لتعميق الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وتعتمد الصين بشكل كبير على نفط الدول العربية في مجلس التعاون الخليجي، ويأتي أكثر من 50% من النفط الذي تحتاجه صناعة البلاد من دول مجلس التعاون الست، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث إن بكين مهتمة جدا بعدم وقوع دول مجلس التعاون الخليجي تحت ضغط البيت الأبيض لتعطيل عملية تصدير المنتجات الهيدروكربونية.
من ناحية أخرى، يمكن لبكين أن تأمل في أن تتمكن العلاقات الشخصية الجيدة بينها وبين تلك الدول من منع الحرب التجارية الأمريكية مع الصين من التدخل في علاقات البلاد مع مجلس التعاون الخليجي.
ولا يتعلق هذا القلق بالجانب الصيني فقط، كما أن دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بقلق بالغ إزاء هذا الأمر، وفي هذا الصدد تؤكد «الخليج أونلاين» في تقرير لها حول الانتخابات الأمريكية على أن أهم تحدٍ يواجه دول مجلس التعاون هو اشتداد المنافسة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط المحتملة للبيت الأبيض في هذا الصدد هي في عهد ترامب.